حوار / لا يجوز شرعاً ترسية أوامر توريد بضائع غذائية لمدارس على شركات مقابل هدايا

البيع المشروط بدفع ثمن المبيع بعد تصريفه... فاسد

تصغير
تكبير
السعيدي: تحصيل أموال من طلبة المدارس تحت مسمى المساهمات في المقاصف وإيداعها البنوك وعدم شراء بضائع منها ليس بيعاً بل حيلة

العتيبي: البضاعة إذا تملكها العميل بالشراء واشترط أن يكون السداد بعد بيع البضاعة وله الحق في إرجاعها يسمى البيع بالتصريف وهو محل خلاف

الكردي: البيع مبادلة مال حلال معلوم بمال حلال معلوم من قبل إنسانين عاقلين بالغين راشدين مختارين فإن اختل شيء من ذلك كان البيع باطلاً
قال الله تعالى في محكم التنزيل «وأحل الله البيع وحرم الربا»، والبيع هو مقابلة مال بمال ممن تتوفر فيهم أهلية البيع والشراء، وحتى يكون البيع صحيحاً وضع الشرع الحكيم شروطاً عدة لابد من توافرها من أهمها انتفاء الجهالة، ويقصد به أن يكون الشيء المبيع معلوماً لدى المشتري والبائع معاً علماً تنتفي معه الجهالة لأنها غرر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر، وعدم وجود شرط مفسد لعقد البيع يتنافى مع أصله، كأن يشترط المشتري لسلعة ما ألا يدفع الثمن إلا بعد أن يبيع السلعة، حيث اتفق جمع من العلماء على أن كل شرط فيه نفع لأحد المتبايعين إذا لم يكن قد ورد به الشرع أو جرى به العرف أو يقتضيه العقد أو يلائم مقتضاه يجعل البيع غير صحيح.

ومن الأمور التي تحدث في زماننا الآن وجراء تنافس الشركات في بيع منتجاتها سواء أكانت منتجات غذائية أو صناعية، تعرض سلعها وتحصل أثمانها بعد أن يقوم المشترون ببيعها، وكذلك تقوم شركات ببيع سلع محددة العدد بمبلغ محدد القيمة ثم تعطي عروضاً مجانية وكميات من المنتج نفسه بهدف الاستحواذ على أكبر نسبة من العملاء.

ومن أمثلة ذلك شركات المنتجات الغذائية التي تتسابق لبيع منتجاتها للمدارس، ولا تطلب أثمانها إلا بعد بيع المقاصف في تلك المدارس لها، مع وضع شرط إرجاع ما لا يباع في نهاية العام الدراسي، مع إعطاء زيادة إضافية على الكميات المباعة تحت بند العروض المجانية، في وقت تُحصل فيه المدارس من الطلبة أموالاً تحت مسمى مساهمات في المقاصف لشراء البضائع وتوزع عليهم أرباحاً آخر العام رغم أنها لا تشتري بضائع المقاصف منها.

وللوقوف على حكم الشرع في ذلك النوع من البيع استطلعت «الراي» آراء ثلاثة من العلماء وجاءت إجابتهم على النحو التالي:

قال الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الشيخ خالد السعيدي إن «الشرط الفاسد إذا وُجد في عقد من عقود المعاوضات المالية أفسده». وأضاف ان «هذا النوع من البيوع غير جائز لأنه مبنيٌ على هدايا العمال والرشوة وضد الهدف المرجو من إنشاء هذه المقاصف التي تساهم في تغذية الطلبة تغذية سليمة وبأسعار مناسبة».

وعن تحصيل أموال من الطلبة تحت مسمى المساهمات في المقاصف، وإيداعها البنوك وعدم شراء البضائع منها، ذكر السعيدي أن «هذا ليس نوعاَ من أنواع البيوع، وإنما حيلة يحتال بها على الطلبة لتستفيد إدارات المدارس مادياً من فوائد هذه المبالغ بوضعها في البنوك تحت حساب المقاصف المدرسية، في الوقت الذي تتفق فيه مع الشركات الغذائية على توريد بضائعها ودفع ثمنها بعد القيام ببيعها وفي ذلك مخالفة شرعية أخرى كما أشرنا لأنها لا تشترط دفع الثمن مقدماً، أو حتى دفع جزء منه، فأصبح جمع هذا المال حيلة وحكمه حرام ولا يجوز لأنه غش ولا علاقة له بالبيع ولا بالشراء».

وفي شأن وجود أنواع من البيوع تعرض فيه الشركات على العملاء بضائع ولا تُحصل أثمانها إلا بعد أن يقوم العميل ببيعها، أكد عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الكويت الدكتور خالد شجاع العتيبي أنه «إذا كان العميل قد اشترى البضاعة وتملكها بسعر متفق عليه، ولكن السداد يكون مؤجلاً فلا حرج فهذا يكون فيه ثمن البضاعة ديناً على العميل وهو بيع صحيح، وإذا كان الاتفاق على أن البضاعة ما زالت ملكاً للشركة والعميل إنما هو وكيل عنها يبيع لها بضاعتها ويعطيها ثمن ما باع وله عمولة على ما يبيع منها فلا حرج كذلك لأن هذا من باب الوكالة».

وأضاف: «أما إذا كانت البضاعة قد تملكها العميل بالشراء، ولكنه اشترط أن يكون السداد بعد بيع البضاعة، وإن لم يبعها كلها أو بعضاً منها فله الحق في إرجاعها فهذا ما يسميه العلماء البيع بالتصريف وهو محل خلاف بين العلماء فمهنم من أجازه ومنهم من حرمه والأحوط عدم التعامل ببيع التصريف وإنما بالالتزام بالبيع المشهور وهو تملك البضاعة من قبل العميل المشتري وتملك الثمن للبائع، وللبائع الحق في أن يقبل إرجاع ما تبقى من بضاعة من دون إلزامه بذلك من قبل العميل المشتري والله أعلم».

وعن ترسية إدارات مدارس أوامر توريد لشركات غذائية لإمداد مقاصفها ما تحتاجه من بضائع مقابل هدايا، أوضح العتيبي ان «إدارة المدرسة مؤتمنة على المقصف المدرسي ومطالبة بأن تحسن الاختيار وعدم المحاباة على سلامة أطعمة الطلبة وما قد يلحق صحتهم من الضرر. فعلى الإدارة أن تحرص على اختيار الأفضل، وأما الهدايا فإذا كانت تعتبر إضافة للبضاعة وتصرف في مصلحة الطلبة والمدرسة فلا حرج وأما إذا كانت تستفيد منها على حساب جودة الأطعمة وإلحاق الضرر بالطلبة فلا يجوز لها ذلك شرعاً».

وبخصوص تحصيل المدارس مبلغ دينار أو دينارين من الطلبة تحت مسمى المساهمة في المقصف المدرسي وإيداع تلك المبالغ في البنوك ولا تشتري بها بضائع ثم توزع آخر العام أرباحا على الطلبة، يقول إن «الأصل أن تستثمر المدرسة مساهمات الطلبة في ما دفعوا أموالهم من أجله لا بإيداعها في البنوك إلا أن توضح الإدارة لهم ذلك عند الدعوة للمساهمة وأنها ستودعها في البنوك ولن تقوم بشراء بضاعة بها وإلا فالأصل هو تشغيل هذه الأموال في المقصف المدرسي وتكون الأرباح وتوزيعها بحسب مساهمة كل طالب وما قد تم تحقيقه من أرباح والله أعلم».

وأوضح عضو لجنة الفتوى في وزارة الأوقاف الأستاذ الدكتور أحمد الحجي الكردي، أن «البيع مبادلة مال حلال معلوم بمال حلال معلوم من قبل إنسانين عاقلين بالغين راشدين مختارين، فإن اختل شيء من ذلك كان البيع باطلاً لا ينتج عنه أثره، وإن استوعب البيع هذه الشروط كلها نتج عنه أثره وهو انتقال المبيع من البائع إلى المشتري وانتقال الثمن للبائع فوراً، والثمن يمكن أن يكون فورياً فيجب على البائع تسليمه فوراً للمشتري قبل تسلم المبيع، وإن كان مؤجلاً أو مقسطاً لمواعيد محددة صح البيع ووجب على البائع تسليم المبيع للمشتري فوراً، ثم انتظار تسلم الثمن منه في المواعيد المحددة، فإن أجل الثمن من غير تحديد للأجل فإن البيع فاسد لهذه الجهالة».

وتابع: «لهذا اختلف البيع عن الربا الذي هو مقابلة الثمن أو جزء منه بالأجل، مثل أن يبيع الإنسان شيئاً ويقول له بثمن مؤجل قدره كذا... فإن أخرت ففي كل يوم تأخير أو شهر تأخير أو كذا من الزيادة، فهنا يكون الثمن أو جزء منه مقابلاً بجزء من الثمن فيكون من الربا المحرم، والفرق بينه وبين البيع المؤجل السابق هو أن المُشتري إذا اشترى بأجل محدد فتأخر في الدفع لا يزاد عليه، بل يجب انتظاره أما في الربا فإن تأخر في الدفع زاد الثمن تلقائياً، ولذلك قال الله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا، والله تعالى أعلم».

وعن بيع شيء واشتراط تأجيل ثمنه، أكد الكردي أنه «لا مانع من ذلك بشرط أن يحدد لتوفية الثمن موعداً محدداً ولا يقال حتى أبيعه، فإن قال ذلك فسد البيع لجهالة وقت دفع الثمن وهو مفسد للبيع».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي