البعض يعتقد أنه بات مِلكاً له فيحق له التصرف فيه كيفما يشاء

دواء الكويت... حرام على المريض بيعه أو التصدق به

تصغير
تكبير
الكردي: التداوي واجب على المريض لدفع الموت وقد يكون حراماً إذا كان الدواء نجساً أو قاتلاً

القطان: تمارض الإنسان وحصوله على الدواء بطريق غير مشروع يدخل في باب الكذب والغش
الكويت من الدول العربية والإسلامية التي جُبلت على فعل الخير، وتقديم يد العون للآخرين على اختلاف جنسياتهم وأديانهم. ومن أعمال البر المشهودة لها تقديمها الدواء بالمجان للمحتاجين إليه عبر صرفه لهم شهرياً من المستوصفات التي تتبع محل سكنهم، من دون أن تتقاضى الدولة مقابلاً يذكر، سوى دينار قيمة الطابع الذي يوضع في ملف المريض أو المريضة، إيماناً منها بأن العلاج حق من حقوق الأفراد مواطنين ومقيمين على حد سواء...

لكن ما يحدث أن بعضاً من المرضى يحصلون على الدواء بطرق غير مشروعة، أو بوصفات طبية يكتبها لهم أطباء من دون وجه حق، فيقومون ببيع الأدوية أو التصرف بها بالإهداء أو الصدقة لأقارب لهم أو معارف في بلدانهم، محتجين بأن الدواء أصبح ملكاً لهم فيحق لهم التصرف فيه كيفما شاءوا.

وللوقوف على معنى التطبيب وحكم تعلمه ورأي الشارع في بيع المريض لدوائه، استطلعت «الراي» آراء اثنين من العلماء المتخصصين في الفتوى والتشريع. يقول خبير الموسوعة الفقهية عضو هيئة الفتوى في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الأستاذ الدكتور أحمد الحجي الكردي: «بداية لا بد من الحديث عن التطبب وهو التداوي عند المرض، فتعلمه شرعاً فرض كفاية على المسلمين جميعاً، فإذا لم يوجد في المسلمين طبيب أثموا جميعاً إثم ترك الفرض، فمن يصلح له ويقدر عليه يأثم لعدم تعلمه له، والباقون يأثمون لعدم تيسيره لمن يستطيعه من المسلمين كل على قدر طاقته وإمكانه، ومن هنا تأتي مسؤولية الدول الإسلامية والجمعيات الخيرية فيها على وجوب تعليم المستطيعين من المسلمين علم الطب».

ويضيف: «أما التدواي من المرض عند الحاجة إليه فالأصل فيه أنه مشروع ومباح لدى عامة الفقهاء، وقال البعض هو مندوب إليه عند القدرة عليه وتيسره للمريض، وقال البعض الأفضل عدم التداوي والاكتفاء بالتوكل على الله تعالى، فهو الطبيب الشافي، لقوله تعالى (وإذا مرضت فهو يشفين) سورة الشعراء آية 80، وقد أخرج أحمد في مسنده أن رجلاً من الأنصار جُرح فعاده رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال لأهله (ادعو له طبيب بني فلان، قال فدعوه فجاء، فقالوا يا رسول الله هل يغني الدواء شيئاً، فقال: سبحان الله، وهل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له شفاء؟). أخرجه أحمد في مسنده، وروي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه مرض فقال له أصحابه أنأتي بالطبيب، قال: الطبيب أمرضني. (شعب الإيمان للبيهقي، وشرح مسند أبي حنيفة)».

وعن وجوب التداوي في بعض الأحوال وحرمتها في بعضها الآخر، يوضح الكردي: «نعم، فقد يجب إذا كان مرض الإنسان خطيراً على حياته، وقال طبيب مسلم عدل متخصص دواء فلان لشفائه من مرضه كذا وكذا وهو متيسر، ففي هذه الحال يجب التداوي لدفع الموت، وقد يكون حراماً إذا كان الدواء نجساً أو كان قاتلاً للمريض، وذهب البعض من الفقهاء إلى حل تناول الدواء النجس إذا كان المرض خطيراً ولم يغن غيره عنه بقول طبيب مسلم عدل متخصص، وكذلك يحرم إذا كان فيه كشف عورة المريض للطبيب لغير الحاجة الماسة، وعند الحاجة الماسة يجوز للمريض كشف عورته للطبيب على قدر الحاجة دون زيادة، وإذا تيسر للمريض الرجل طبيب من الرجال لم يجز لطبيبة امرأة كشف عورته، وكذلك لا يجوز لطبيب رجل كشف عورة امرأة إذا تيسر لها طبيبة من النساء، فإذا لم يتيسر ذلك جاز عند الحاجة الماسة أو الضرورة على قدرها».

ويتابع أن «للطبيب أن يشترط على المريض أجراً محدداً لمداواته بشرط أن يكون الطبيب مسلماً عدلاً متخصصاً ويكون المريض قادراً على دفع الأجرة، وإذا كان المريض فقيراً فيجب على الطبيب في هذه الحال تطبيبه مجاناً إذا طلب المريض منه ذلك»، مهيباً بالجمعيات الخيرية والدول الإسلامية أن تخصص من عائداتها مبالغ لمداواة المرضى الفقراء.

وهل يضمن الطبيب ما أصاب المريض بين يديه من ضرر أو موت بعد معالجته له؟ يوضح أن «الأصل أن الطبيب لا يضمن شيئاً من ذلك إذا كان متخصصاً في مرض هذا المريض ولم يخالف علم الطب في مداواته، فإذا لم يكن متخصصاً، أو أخطأ في علاجه على خلاف ما يقضي به علم الطب فيضمن ما تلف بسبب ذلك من ضرر أو موت، والحكم في ذلك للقاضي عند الاختلاف مستعيناً في ذلك بقول الخبراء من المسلمين العدول في هذا الموضوع».

وعن التطبيب في الكويت يقول: «معلوم أن التطبيب في الكويت مجاني في عمومه إلا في حالات خاصة نادرة، فيكون فيها أجر محدد، وكذلك الحصول على الدواء للمريض في الكويت فإنه مجاني أيضاً إلا في حالات خاصة نادرة، لذلك فإن من يحصل على هذا الدواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة ويقول لنفسه مثلاً والدي خارج الكويت وهو مريض ويحتاج إلى دواء لا يجد ثمنه فيرسله له على اعتبار أنه أصبح ملكاً له فقد أثم من يفعل ذلك، لأن وزارة الصحة في الكويت لا تعطي هذا الدواء مجاناً إلا للمريض الذي يعيش على أرضها ويعمل فيها، فبات من المحرمات نقله إلى دولة أخرى، أما إذا أذنت الدولة يوماً ما بنقل الدواء خارج الكويت، جاز ذلك».

من جانبه، يرى الشيخ أحمد القطان في تصريح لـ «الراي»، أن «المريض سواء أكان مواطناً أو مقيماً إذا صُرف له دواء شهري من قبل وزارة الصحة فإن هذا الدواء بات ملكاً له، فيجوز له التصرف فيه سواء بالبيع أو الصدقة أو حتى الهدية، وسواء أكان من باعه الدواء موجوداً في الكويت أو يعيش في بلد آخر».

ويضيف: «هذا إذا كان الإنسان مريضاً فعلاً والدواء المصروف له زائد على حاجته، أما إذا تمارض الإنسان أو حصل على الدواء بطريق غير مشروع فهنا يختلف الأمر لأن الإنسان في تلك الحالة حصل على شيء لا حق له فيه فيدخل في باب الكذب والغش وكلاهما حرام شرعاً، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه «من غشنا فليس منا» الحديث أخرجه الإمام مسلم، وكذلك يدخل في باب التمارض المنهي عنه شرعاً، فمثل هذا الدواء لا يصح له بيعه ولا التصدق به أو إهداؤه لأنه لا يملكه».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي