حوار / «الجيش يخوض معركة حماية البلاد من الإرهاب ولا ينسّق مع أحد»
حاصباني لـ «الراي»: نحن ضدّ زجّ لبنان في أي محور خارجي... وأولويتنا الاستقرار
الوزير حاصباني متحدثاً لـ «الراي»
مصممون على متابعة ملف «خلية العبدلي» ونراهن على حكمة القيادة الكويتية
لا مشروع استقالة لوزراء «القوات»
ساهمْنا في تأسيس هذا العهد وإطلاقه
لا مشروع استقالة لوزراء «القوات»
ساهمْنا في تأسيس هذا العهد وإطلاقه
يقدّم نائب رئيس الحكومة اللبنانية وزير الصحة غسان حاصباني، في أدائه ولغته ومقارباته، نموذجاً لـ «جمهوريةٍ خارج الكهف»، وهو العنوان الذي كان اختاره لكتابه عن وُجهة لبنان في عالمٍ متغيّر.
فحاصباني، الآتي من المحافل الدولية ومنتدياتها، الى «الرقم 2» في الحكومة، يُزاوج في تجربته الجديدة بين السياسةِ، كأحد وزراء حزب «القوات اللبنانية» في السلطة التنفيذية، وبين الكفاءة الأكاديمية العالية التي اكتسبها على المستوى الدولي كقياديّ في الإدارة والاقتصاد والتكنولوجيا.
و«دولة» نائب رئيس مجلس الوزراء، الوزير المعنيّ بـ «صحة اللبنانيين»، يحرص في سلوكه كـ «خبير اتصالاتٍ» على مداراة «صحّة لبنان» وبـ «عناية فائقة» ايضاً، فتقترن إطلالاته بقماشة «رجل الدولة» ويبتعد في خطابه عن «الاستفزازية»، ويجهد على رأس لجانٍ وزارية عدّة لضخّ روح الحداثة في عروق دولةٍ يشدّها الصراع من حولها الى الخلف وكأنها في تحدٍ دائم مع مستقبلٍ استشرف حاصباني فصوله في كتابه عن «الشرق الاوسط في 2030».
في مكتبه في وزارة الصحة التقت «الراي»، نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني في حوارٍ حول قضايا الساعة في لبنان، في ما يأتي نصه:
? هناك حرصٌ من الحكومة على إعطاء معركة الجيش بُعداً وطنياً من خلال التأكيد على انه يخوض المواجهة من دون تنسيقٍ مع اي طرف آخر، في وقت تَبرز محاولاتٌ للخروج من هذا السياق عبر وضع المعركة في إطار تثبيت معادلة «شعب وجيش ومقاومة»، كيف تقرأون هذا الواقع؟
- من المهمّ جداً التذكير بأن الجيش اللبناني يقوم بهذه المعركة بقرارٍ اتُخذ على مستوى مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدفاع. وتُرك توقيت تحرير الأراضي اللبنانية من «داعش» والوسيلة، للجيش. فهذا قرارٌ عسكري بحت تُمْليه معطيات وعناصر عدة تأخذها قيادة المؤسسة العسكرية في الاعتبار. والجيش اللبناني لم يُطلب منه التنسيق مع أحد، وهو لم ينسّق مع أحد كما أَعلن أكثر من مرة، ولم تكن هناك عمليات مشتركة مع أيّ طرف لا داخل لبنان ولا خارجه. وهذا أمر أساسي للجيش، وأي شيء آخر صُوّر للرأي العام وكأن ثمة نوعاً من التنسيق من خلال بعض العمليات والكلام الإعلامي وغيره، فهذا يصبّ خارج سياق القرار الرسمي الذي اتخذتْه الحكومة والذي يقوم الجيش بموجبه بحماية الأراضي اللبنانية ودحْر أي وجود إرهابي في المناطق الحدودية.
وهذا الأمر مهمّ لمعاودة تأكيد مجموعة من الثوابت هي: اولاً ان سيادة الدولة اللبنانية يحميها الجيش عسكرياً وأمنياً، كما الأجهزة الأمنية الأخرى كلٌّ في اختصاصه. وثانياً ان سلاح الجيش هو الوحيد المخوّل حماية الأراضي اللبنانية من أي مخاطر او اعتداءات من أي جهات أتتْ، إرهابية كانت أم غير إرهابية. وثالثاً تثبيت استقلالية الجيش في قراره المنضوي تحت الغطاء السياسي الرسمي على قاعدة انه هو مَن ينفذ قرارات الحكومة في ما خص الأمن والدفاع عن لبنان والحرب والسلم. وهذه نقطة بالغة الاهمية للمجتمع الدولي تشجّع على استمرار الدعم العسكري للجيش وتعزيز الثقة به وبلبنان كدولةٍ تملك زمام قرارها.
كما ان البُعد البارز في المعركة ضدّ «داعش» يتمثل في تأكيد ان الجيش يلعب دوراً متقدّماً في جبهةٍ متقدمة في إطار الحرب الكونية ضد الإرهاب. ويمكن القول ان الجيش اللبناني هو من الجيوش القليلة المنخرطة بمعارك فيها تماسٌ مباشر مع المنظمات الارهابية التي يَعتبر العالم أجمع انها الخطر الأكبر عليه.
ومن هنا، ثمة ضرورة كبرى ان يبقى الجيش مستقلاً في قراره، وبعيداً عن تأثيراتٍ من أي جهات قد يكون لها ايضاً مصلحة في محاربة المجموعات الارهابية نفسها. ولكن اذا كان العدو مشتركاً، فهذا لا يعني انه يجب ان يكون هناك تَشارُك في التخطيط للمعارك وفي خوضها، او التفريط بوجوب ان يكون الجيش اللبناني الوحيد المخوّل شرعياً ان يحمي الأراضي اللبنانية.
? هل هذا التوصيف له علاقة بالانطباع الملتبس الذي تركتْه معركة جرود عرسال التي خاضها «حزب الله» وما رافقها من علامات استفهام حول دور الجيش؟
- في معركة جرود عرسال، كان الجيش موجوداً في الأراضي اللبنانية ويحمي القرى التي مَنَع الارهابيين من التقدم في اتجاهها وحصَر وجود المجموعات الارهابية في مناطق حدودية ثمة ضبابيةٌ حول واقعها الجغرافي في ظل التداخل بين الحدود اللبنانية والسورية. وتالياً كانت معركة جرود عرسال أكثر في سياق المعارك التي تحصل في سورية، ونحن اعتبرناها امتداداً لانخراط «حزب الله» العسكري في الحرب السورية. وطبعاً حصل التباسٌ في النظرة الاعلامية لمعركة جرود عرسال، والجيش اللبناني لم يكن مكلَّفاً بقرارٍ رسمي بخوض معركةٍ مباشرة على عكس ما هو عليه الحال اليوم حيث ثمة قرار سياسي واضح بأن يتولى الجيش دحْر المجموعات الإرهابية من جرود رأس بعلبك والقاع وهو يخوض معركته باستقلاليةٍ وبالتوقيت والطريقة التي يَعتبرها مناسبة.
? ترافقتْ معركة الجيش مع محاولاتِ ترتيبِ ترجماتٍ لها بين فريقٍ، وانتم منه، وضعها في سياق معادلة «شعب، دولة، جيش»، وبين «حزب الله» وحلفائه الذي يريد توظيفها من ضمن معادلة «شعب وجيش ومقاومة»، وهو ما عكس تجاذباً داخلياً ذات امتداد خارجي عبّر عن نفسه بمواقف دولية وايرانية؟ هل يُعتبر هذا الأمر تمهيداً لفتح معركة سياسية تحت عنوان سلاح «حزب الله»؟
- يجب عدم إغفال ان رؤيتنا هي امتدادٌ لمواقفنا السابقة لجهة ان الجيش قادر على الدفاع عن لبنان وحماية شعبه وانه يملك كل المقوّمات للقيام بذلك، وهذا ما دافعْنا عنه في البيان الوزاري للحكومة وفي كل مراحل مشاركتنا في السلطة.
ونحن على قناعة تامة بأن جزءاً اساسياً من بناء الدولة القوية يرتكز على الا يكون هناك سلاحٌ خارج الشرعية وان يكون الجيش المخوّل الأساسي حماية لبنان عسكرياً وصون استقلاله وسيادته، طبعاً من دون إغفال «الدفاعات» الأخرى سياسياً واقتصادياً وايضاً ذات الصلة بعلاقات لبنان الخارجية.
? ولكن هل يمكن ان يكون التجاذب الداخلي حول معادلة «شعب وجيش ومقاومة» والدخول الايراني على خط تأكيدها مقابل الكلام الاميركي عن دعم الجيش بوصْفه المدافع الوحيد عن لبنان، مؤشراً الى اهتزازٍ مرتقب في التسوية السياسية التي تحكم الوضع اللبناني؟
- أعتقد ان لكل مرحلة خطابها وقراراتها التي تُتخذ بحسب المعطيات. واليوم، وبصرف النظر عن موقف السفارات والدول، نحن نتّخذ موقفاً وطنياً نابعاً من قناعاتنا الراسخة بأن المؤسسة العسكرية هي الركن الأساسي في بناء الدولة ومن أعمدتها الرئيسية. واليوم هي تثبت أنها قادرة على القيام بدورها بشكل فعال جداً، بحيث لا مجال لأحد لقول ان قدراتها ناقصة او انها غير متماسكة او لا تتمتع بالغطاء السياسي. أما اذا كانت هناك لدى البعض مخططات او مشاريع أخرى خارج سياق الدولة، فموقفنا منها ثابتٌ ولم يتغيّر بمعزل عن اي مواقف للمجتمع الدولي، وهي أحياناً تتقاطع مع نظرتنا الثابتة وأحياناً اخرى لا تتقاطع. ومن هنا فان المعركة ضد «داعش» تكتسب أهميتها لجهة تثبيت دور الجيش وقدرته على حماية لبنان وشعبه.
? لكن ثمة قراءة تعتبر ان حتى المعركة ضد «داعش» تمت في توقيتٍ حدّده «حزب الله» منذ ان قرر خوض المواجهة مع «النصرة» في جرود عرسال وذلك في سياق أجندته الاقليمية وضرورات قفل الثغر على الحدود السورية - اللبنانية من ضمن التسابق الذي بدأ على اقتطاع مناطق النفوذ في سورية؟
- هذا انطباع. ولكن في النتيجة مَن أطلق النار وبدأ هذه المعركة وحدّد توقيتها ومسارها وآلياتها هو الجيش اللبناني بقرارٍ داعِم من مجلس الوزراء. ولا احد دفع الجيش او جرّه الى توقيته. وكونوا على ثقة بأنه لو لم يكن الجيش مقتنعاً بأن هذا هو التوقيت الملائم لما انخرط في المعركة التي يعود له لوحده تحديد تاريخ انتهائها وشروطه لإنهائها.
? ثمة مَن يرى «حزب الله» باتكائه على ما يعتبره انتصاراً للمحور الذي يشكل جزءاً منه وبخوضه منفرداً معركة جرود عرسال بتوقيته وأجندته ومحاولته ان يكون شريكاً في معركة الجيش ضدّ «داعش»، يسعى الى تكريس دوره ككيان موازٍ للجيش على غرار الحشد الشعبي في العراق وتجربة الحرس الثوري في ايران... هل تشاطرون مَن تتملّكهم هذه الخشية ولا سيما ان الانتخابات النيابية المقبلة قد تفرز توازنات جديدة يمكن ان تفضي الى تشريع مثل هذا الدور؟
- ربما هذه التحليلات على المستوى الاستراتيجي لا ترتقي الى ترجمة واقعية، لان الوضع على مستوى العالم والمنطقة ما زال ضبابياً للغاية، ولم نصل الى مراحل نهائية في إطار ارتسام الصورة الشاملة للمنطقة. ومن هنا فإن أي دور اقليمي قد تلعبه أيّ جهة لا يمكن ان يتبلور إلا بعد بلوغ الأزمات في المنطقة مساراتها النهائية وتَبلْور المدى الاستراتيجي لها ومَن هم اللاعبون الأساسيون والى متى ستستمر اللعبة.
وما يهمنا كلبنانيين ان تكون حدود بلدنا محمية من قبل جيشنا وان نكون في سياق مسار بناء دولة المؤسسات. وكما نعتبر انه على المستويات الاقتصادية والإدارية يجب ألا تكون هناك مؤسسات رديفة، فكذلك الأمر على الصعيد العسكري والأمني ينبغي ان تكون المؤسسات العسكرية والأمنية الوحيدة التي تقوم بهذا الدور. وبذلك نكون نبني الدولة.
صحيح ان المخاطر كبيرة وكثيرة، ولكن مّن يقُل ان الجيش ليس قادراً على مواجهة هذه المخاطر وَجَد من خلال المعركة ضد داعش ان الجيش أثبت قدرته على حماية لبنان ودحْر المجموعات الإرهابية عن أراضيه. أما إذا كانت ثمة نيات لدى بعض الجهات للتوسّع في أدوارها وأخذها في اتجاهاتٍ معينة فيبقى عامل الوقت كفيل بتحديد الى أين ستصل وعلى اي نطاق جغرافي ستعمل وما مدى استمراريتها؟ وهذا كلّه يتوقف على اللعبة الاقليمية والدولية وليس محصوراً فقط بالواقع اللبناني.
? جزء من هذه «اللعبة» تجلى في محاولة دفْع لبنان نحو التطبيع مع النظام في سورية من بوابة الزيارات الوزارية لدمشق والتي أعلنت الحكومة انها شخصية لا رسمية كون العلاقة مع هذا النظام تشكل ملفاً خلافياً... الى أين يتجه في رأيكم هذا المسار التطبيعي؟
- ما يحدد الإطار السياسي لعمل مجلس الوزارء هو البيان الوزاري الذي التزم به الجميع، مع تحفظ حول نقطة أساسية اعترضنا عليها (وزراء القوات). وأي شيء خارج مضمون البيان الوزاري وروحيته لا يُلزِم مجلس الوزراء على المستوى الرسمي.
علينا الا ننسى ان سورية بلد كبير ولها حدود مشتركة مع لبنان وما يَحدث فيها يؤثّر الى حد بعيد علينا، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وسوى ذلك، وعلينا أيضاً الا ننسى ان الشعب السوري يعاني اليوم من انقسامات وتحديات كبرى، وان أعداداً كبيرة منه خارج سورية ومهجرة من بلادها.
والطريقة التي ندير بها الموقف من سورية تَجعلنا نحافظ على استقرار مجلس الوزراء وحياديته في الأمور التي قد تُحدِث خللاً في التوافق الحاصل. اتفقنا ان هناك خلافات واختلافات بين مكوّنات المجتمع اللبناني حيال التعاون مع النظام في سورية، هناك مَن يرفض وهناك مَن يحاول بناء جسور، ونحن نحاول ان نبقى على مسافة مما يحدث من نزاعات في سورية الى ان تتبلور الأمور هناك عبر وضوح في الرؤية حيال ما ستؤول اليه التركيبة السياسية. والى ان يحصل ذلك، علينا ان نبقى محايدين إزاء هذا النزاع.
ويجب عدم إغفال وجود أعداد كبيرة من الشعب السوري غير موالية للنظام في الوقت الذي ما زالت الحرب مستمرّة والمشكلات قائمة، ولذا نرى على مستوى مجلس الوزراء انه يجب ان نكون بعيدين عن ذلك، وهو ما دفع مجلس الوزراء الى عدم اتخاذ قرار بتغطية اي زيارة على المستوى الوزاري لسورية في الوقت الحاضر، وخصوصاً ان الزيارات كانت مرتبطة بأنشطة يقوم بها النظام الحالي الذي لا يبسط سيطرته على كامل الأراضي السورية، وثمة علامات استفهام كبيرة حول ما قام به هذا النظام من ممارسات وحول ما قد يقوم به في المستقبل. فمن الأفضل ان نبقى على مسافة واحدة من كل فئات الشعب السوري الى ان تُبت الأزمة في سورية.
? المفارقة ان الاتفاق على تحييد الملفات الخلافية لا يحول دون ممارسة «الأفعال الخلافية»... فمشاركة «حزب الله» في القتال في سورية ملف خلافي جرى تحييده لكن من دون منْع الحزب من مواصلة قتاله، ونُزعت الصفة الرسمية عن زيارة وزراء لسورية لكنها تمت... ألا يشكل ذلك إظهاراً لعجز السلطة الرسمية في لبنان؟
- دعونا ننظر الى حسنات تموْضع السلطة الرسمية في لبنان في اطارٍ حيادي يضع في رأس أولويته الاستقرار رغم ما يحوط بنا من صراعات وتشنجات على المستوى الدولي والاقليمي.
? ألا ينطوي هذا المنطق على إقرار بـ «هزيمة ما» عبر الايحاء بأن ما باليد حيلة حيال ما يجري؟
- لا، نحن اتفقنا في لبنان ان هناك مجموعة ترفض هذا الواقع وترفض تكريسه، لكن علينا الا ننسى ان هذا الواقع ليس فقط مسألة لبنانية، وهذا ما نقوله دائماً للمجتمع الدولي، فهذه مسألة عربية ودولية.
? تقصد ان واقع «حزب الله» مشكلة اقليمية...
- ليس إقليمية فحسب بل دوليّة كما يُظهِر المجتمع الدولي. لكن علينا الا ننسى انهم - اي «حزب الله» - جزء من التركيبة اللبنانية، ومن مكوّنات لبنان كأفراد وأشخاص. وتالياً لا بد ان نتفق على الخلاف، لكن وفي الوقت عينه هناك مساحات أساسية وملفات اجتماعية واقتصادية مهمة يجب ان نعمل عليها للحفاظ على استقرار لبنان في ظل ما يحصل حولنا من مشكلات اقتصادية وسياسية وأمنية. فنحن ضدّ زج لبنان في اي خلاف او محور قد يتغيّر، لأن ما من شيء ثابت في المنطقة. واذا كانت هناك مجموعات تجد نفسها ملتزمة بسياسات خارجية لدول أخرى وهي جزءٌ من تنفيذها، فيجب الا يكون ذلك شأناً رسمياً لبنانياً.
? ألا يرتّب ذلك أثماناً يدفعها لبنان؟ وزراء «القوات» كانوا أول من أثار قضية «خلية العبدلي» في الكويت على طاولة مجلس الوزراء وسط انطباع بأن أدوار «حزب الله» قد تُقابَل بتشدد خليجي حيال لبنان، هل من جديد على هذا المستوى؟
- نعم، كنا أول مَن أثار هذا الموضوع في مجلس الوزراء. والتصدي لملف «خلية العبدلي» أمر أساسي بالنسبة الينا نظراً للعلاقة الممتازة مع دولة الكويت التي لم تترك لبنان في اي لحظة.
وانطلاقاً مما قلتُه سابقاً، عندما تكون هناك مجموعة محسوبة على لبنان وتعمل على نطاقٍ إقليمي ومن خارج الإرادة اللبنانية، فإن هذا الأمر سيرتّب تحديات كبيرة للبنان، لكن في الوقت عينه نحن نتطلع دائماً للحفاظ على العلاقات مع جميع الدول التي كانت أدوارها ايجايبة حيال لبنان وقضاياه، ونتطلع دائماً الى الالتزام بمقررات الجامعة العربية باعتبارنا عضواً مؤسساً في هذه الجامعة، ونتطلع الى الاستمرار في حيادنا عن كل التجاذبات.
ونحن نحاول ونصرّ على ان تحصل متابعة لموضوع خلية العبدلي وان نحدد وبوضوح مكامن الخلل وان يُتابع هذا الخلل قانوناً وفي شكل واضح.
? هل من معطيات في إطار احتواء الأزمة الناجمة عن «خلية العبدلي» في ضوء زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري للكويت؟
- الرئيس الحريري في زيارته للكويت أوضح موقف لبنان وطلب ان يطلع الجانب اللبناني على نتائج التحقيقات لمعرفة ما يترتب علينا في متابعة هذا الملف.
وانا متأكد من ان جميع الدول التي تعاني مشكلات قد يكون مصدرها لبنان تعي ان للبنان حالة خاصة، فهو عانى الحروب وما زال يعاني من وجود سلاح خارج يد الدولة، وهو يستضيف اليوم أعداداً كبيرة من جميع لاجئي الشرق الاوسط، وما من دولة في المنطقة استضافت عدد نازحين بالنسبة الى عدد سكانها بهذا الحجم. ومن هذا المنطلق وضْعنا ايجابي ومتعاون مع الجميع، ونقدّر العلاقات الايجابية مع الدول الشقيقة والصديقة ونقدّر في الوقت عينه تفهّمها للوضع الاستثنائي الذي يمرّ به لبنان.
? هل يعني ذلك ان على الكويت تَفهُّم تورط فريق لبناني بأعمال تشكل خطراً على أمنها؟
- لا نحن نرفض حصول مثل هذا العمل في الأساس ونرفض تعاطي اي جهة في لبنان في شؤون اي دولة، وخصوصاً الدول الشقيقة التي لها فضل كبير على لبنان، ونحن سنستمر بهذا الرفض وسنتابع كل نقاط هذا الملف ونثيرها (خلية العبدلي) اينما استطعنا وكلما استطعنا لنصل الى إنهاء مسبّبات اي سلبيات في العلاقات مع دول الخليج وكافة الدول ذات العلاقة الايجابية بلبنان. الى اي حد سنصل؟ هذا يتطلب تعاوناً ايجابياً من الجميع، ويتطلب حكمةً لطالما تحلى بها اخواننا العرب لمعالجة هذه الملفات بأفضل الطرق القانونية والاجرائية. ونحن سنصرّ ونلحّ على التعاون الكامل بين الجهات الرسمية اللبنانية والكويتية للوصول الى النتائج المرجوة.
الأكيد ان القيادة الكويتية والشعب الكويتي، كما كل الاشقاء العرب، يدركون مدى محبة الشعب اللبناني لهم والأثر الايجابي للعلاقات اللبنانية الخليجية في الاقتصاد والتجارة والعمل، ودور اللبنانيين في دول الخليج... وأعتقد ان كل ذلك سيؤخذ في الاعتبار، ما يجعل العلاقة مع الكويت عصية على اي اهتزاز تحت وطأة مشكلة من النوع الذي نواجهه اليوم. فصلابتها وتاريخها وعمقها أكبر من ان تهزّه مشكلة معروفٌ مَن وراءها والى اي مدى يمكن السيطرة عليها وبأي وسائل.
? اجتازت الحكومة، التي جاءت بها التسوية السياسية، وشكلت صمام أمان للاستقرار السياسي والأمني أكثر من اختبار صعب، هل انتم مطمئنون الى ديمومتها ام انها ستكون عرضة للاهتزاز تحت وطأة التحديات التي نواجهها؟
- التوافق لا يلغي العمل السليم، فضمن إطار روح التوافق ودعم الاستقرار السياسي في البلاد لضمان صموده الاقتصادي والاجتماعي والامني، من الطبيعي ان تكون هناك اختلافات في وجهات النظر وربْط نزاع في كثير من القضايا، لكن يجب الا يصل الخلاف الى انهيار كامل للبيئة السياسية. ولهذا السبب هناك إطار معين لتنظيم الخلاف داخل لبنان، اولويته الحفاظ على الاستقرار الى اقصى مدى ممكن. والقرارات التي اتُخذت سابقاً وأوصلت الى تكوين هذا العهد ما زالت مفاعيلها موجودة. فقبل الانتخابات الرئاسية كان يتهددنا خطر تفكك الدولة وانهيار النظام. ولبنان الدولة الديموقراطية ذات التاريخ العريق في المنطقة يفترض الحفاظ عليها وعدم التفريط بها تحت وطأة النزاعات الاقليمية والدولية، وخصوصاً اننا عانينا من حروب طويلة لا أحد يريد العودة اليها.
وهذا الحرص لا يمنعنا من التصويب على اي خطأ وان نسلّط الضوء عليه ونرفضه ونحاول ايجاد حلول قانونية له ليكون ضمن الأطر السليمة للعلاقات الدولية والعلاقات الداخلية.
? عندما اثيرت قضية زيارة بعض الوزراء لدمشق قيل ان وزراء «القوات» قد يعمدون الى الاستقالة من الحكومة، هل هذا صحيح؟
- لا... ما من مشروع استقالة اطلاقاً. نحن ساهمنا في تأسيس هذا العهد وإطلاقه لا كي نتخلى عن الدور الايجابي الذي نحن موجودون من اجله، وهو الدور الذي يذكّر الجميع بأن التوافق لا يلغي المؤسسات والقانون، وان التوافق هدفه ان نبني المؤسسات وأسس الدولة. ولهذا السبب وجودنا هو للحفاظ على الاستقرار الذي يشكّل هدفنا الأساسي من دون ان نسكت عن اي ممارسات من شأنها ان تؤثر سلباً على بناء الدولة القوية وتفعيل المؤسسات.
فحاصباني، الآتي من المحافل الدولية ومنتدياتها، الى «الرقم 2» في الحكومة، يُزاوج في تجربته الجديدة بين السياسةِ، كأحد وزراء حزب «القوات اللبنانية» في السلطة التنفيذية، وبين الكفاءة الأكاديمية العالية التي اكتسبها على المستوى الدولي كقياديّ في الإدارة والاقتصاد والتكنولوجيا.
و«دولة» نائب رئيس مجلس الوزراء، الوزير المعنيّ بـ «صحة اللبنانيين»، يحرص في سلوكه كـ «خبير اتصالاتٍ» على مداراة «صحّة لبنان» وبـ «عناية فائقة» ايضاً، فتقترن إطلالاته بقماشة «رجل الدولة» ويبتعد في خطابه عن «الاستفزازية»، ويجهد على رأس لجانٍ وزارية عدّة لضخّ روح الحداثة في عروق دولةٍ يشدّها الصراع من حولها الى الخلف وكأنها في تحدٍ دائم مع مستقبلٍ استشرف حاصباني فصوله في كتابه عن «الشرق الاوسط في 2030».
في مكتبه في وزارة الصحة التقت «الراي»، نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني في حوارٍ حول قضايا الساعة في لبنان، في ما يأتي نصه:
? هناك حرصٌ من الحكومة على إعطاء معركة الجيش بُعداً وطنياً من خلال التأكيد على انه يخوض المواجهة من دون تنسيقٍ مع اي طرف آخر، في وقت تَبرز محاولاتٌ للخروج من هذا السياق عبر وضع المعركة في إطار تثبيت معادلة «شعب وجيش ومقاومة»، كيف تقرأون هذا الواقع؟
- من المهمّ جداً التذكير بأن الجيش اللبناني يقوم بهذه المعركة بقرارٍ اتُخذ على مستوى مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدفاع. وتُرك توقيت تحرير الأراضي اللبنانية من «داعش» والوسيلة، للجيش. فهذا قرارٌ عسكري بحت تُمْليه معطيات وعناصر عدة تأخذها قيادة المؤسسة العسكرية في الاعتبار. والجيش اللبناني لم يُطلب منه التنسيق مع أحد، وهو لم ينسّق مع أحد كما أَعلن أكثر من مرة، ولم تكن هناك عمليات مشتركة مع أيّ طرف لا داخل لبنان ولا خارجه. وهذا أمر أساسي للجيش، وأي شيء آخر صُوّر للرأي العام وكأن ثمة نوعاً من التنسيق من خلال بعض العمليات والكلام الإعلامي وغيره، فهذا يصبّ خارج سياق القرار الرسمي الذي اتخذتْه الحكومة والذي يقوم الجيش بموجبه بحماية الأراضي اللبنانية ودحْر أي وجود إرهابي في المناطق الحدودية.
وهذا الأمر مهمّ لمعاودة تأكيد مجموعة من الثوابت هي: اولاً ان سيادة الدولة اللبنانية يحميها الجيش عسكرياً وأمنياً، كما الأجهزة الأمنية الأخرى كلٌّ في اختصاصه. وثانياً ان سلاح الجيش هو الوحيد المخوّل حماية الأراضي اللبنانية من أي مخاطر او اعتداءات من أي جهات أتتْ، إرهابية كانت أم غير إرهابية. وثالثاً تثبيت استقلالية الجيش في قراره المنضوي تحت الغطاء السياسي الرسمي على قاعدة انه هو مَن ينفذ قرارات الحكومة في ما خص الأمن والدفاع عن لبنان والحرب والسلم. وهذه نقطة بالغة الاهمية للمجتمع الدولي تشجّع على استمرار الدعم العسكري للجيش وتعزيز الثقة به وبلبنان كدولةٍ تملك زمام قرارها.
كما ان البُعد البارز في المعركة ضدّ «داعش» يتمثل في تأكيد ان الجيش يلعب دوراً متقدّماً في جبهةٍ متقدمة في إطار الحرب الكونية ضد الإرهاب. ويمكن القول ان الجيش اللبناني هو من الجيوش القليلة المنخرطة بمعارك فيها تماسٌ مباشر مع المنظمات الارهابية التي يَعتبر العالم أجمع انها الخطر الأكبر عليه.
ومن هنا، ثمة ضرورة كبرى ان يبقى الجيش مستقلاً في قراره، وبعيداً عن تأثيراتٍ من أي جهات قد يكون لها ايضاً مصلحة في محاربة المجموعات الارهابية نفسها. ولكن اذا كان العدو مشتركاً، فهذا لا يعني انه يجب ان يكون هناك تَشارُك في التخطيط للمعارك وفي خوضها، او التفريط بوجوب ان يكون الجيش اللبناني الوحيد المخوّل شرعياً ان يحمي الأراضي اللبنانية.
? هل هذا التوصيف له علاقة بالانطباع الملتبس الذي تركتْه معركة جرود عرسال التي خاضها «حزب الله» وما رافقها من علامات استفهام حول دور الجيش؟
- في معركة جرود عرسال، كان الجيش موجوداً في الأراضي اللبنانية ويحمي القرى التي مَنَع الارهابيين من التقدم في اتجاهها وحصَر وجود المجموعات الارهابية في مناطق حدودية ثمة ضبابيةٌ حول واقعها الجغرافي في ظل التداخل بين الحدود اللبنانية والسورية. وتالياً كانت معركة جرود عرسال أكثر في سياق المعارك التي تحصل في سورية، ونحن اعتبرناها امتداداً لانخراط «حزب الله» العسكري في الحرب السورية. وطبعاً حصل التباسٌ في النظرة الاعلامية لمعركة جرود عرسال، والجيش اللبناني لم يكن مكلَّفاً بقرارٍ رسمي بخوض معركةٍ مباشرة على عكس ما هو عليه الحال اليوم حيث ثمة قرار سياسي واضح بأن يتولى الجيش دحْر المجموعات الإرهابية من جرود رأس بعلبك والقاع وهو يخوض معركته باستقلاليةٍ وبالتوقيت والطريقة التي يَعتبرها مناسبة.
? ترافقتْ معركة الجيش مع محاولاتِ ترتيبِ ترجماتٍ لها بين فريقٍ، وانتم منه، وضعها في سياق معادلة «شعب، دولة، جيش»، وبين «حزب الله» وحلفائه الذي يريد توظيفها من ضمن معادلة «شعب وجيش ومقاومة»، وهو ما عكس تجاذباً داخلياً ذات امتداد خارجي عبّر عن نفسه بمواقف دولية وايرانية؟ هل يُعتبر هذا الأمر تمهيداً لفتح معركة سياسية تحت عنوان سلاح «حزب الله»؟
- يجب عدم إغفال ان رؤيتنا هي امتدادٌ لمواقفنا السابقة لجهة ان الجيش قادر على الدفاع عن لبنان وحماية شعبه وانه يملك كل المقوّمات للقيام بذلك، وهذا ما دافعْنا عنه في البيان الوزاري للحكومة وفي كل مراحل مشاركتنا في السلطة.
ونحن على قناعة تامة بأن جزءاً اساسياً من بناء الدولة القوية يرتكز على الا يكون هناك سلاحٌ خارج الشرعية وان يكون الجيش المخوّل الأساسي حماية لبنان عسكرياً وصون استقلاله وسيادته، طبعاً من دون إغفال «الدفاعات» الأخرى سياسياً واقتصادياً وايضاً ذات الصلة بعلاقات لبنان الخارجية.
? ولكن هل يمكن ان يكون التجاذب الداخلي حول معادلة «شعب وجيش ومقاومة» والدخول الايراني على خط تأكيدها مقابل الكلام الاميركي عن دعم الجيش بوصْفه المدافع الوحيد عن لبنان، مؤشراً الى اهتزازٍ مرتقب في التسوية السياسية التي تحكم الوضع اللبناني؟
- أعتقد ان لكل مرحلة خطابها وقراراتها التي تُتخذ بحسب المعطيات. واليوم، وبصرف النظر عن موقف السفارات والدول، نحن نتّخذ موقفاً وطنياً نابعاً من قناعاتنا الراسخة بأن المؤسسة العسكرية هي الركن الأساسي في بناء الدولة ومن أعمدتها الرئيسية. واليوم هي تثبت أنها قادرة على القيام بدورها بشكل فعال جداً، بحيث لا مجال لأحد لقول ان قدراتها ناقصة او انها غير متماسكة او لا تتمتع بالغطاء السياسي. أما اذا كانت هناك لدى البعض مخططات او مشاريع أخرى خارج سياق الدولة، فموقفنا منها ثابتٌ ولم يتغيّر بمعزل عن اي مواقف للمجتمع الدولي، وهي أحياناً تتقاطع مع نظرتنا الثابتة وأحياناً اخرى لا تتقاطع. ومن هنا فان المعركة ضد «داعش» تكتسب أهميتها لجهة تثبيت دور الجيش وقدرته على حماية لبنان وشعبه.
? لكن ثمة قراءة تعتبر ان حتى المعركة ضد «داعش» تمت في توقيتٍ حدّده «حزب الله» منذ ان قرر خوض المواجهة مع «النصرة» في جرود عرسال وذلك في سياق أجندته الاقليمية وضرورات قفل الثغر على الحدود السورية - اللبنانية من ضمن التسابق الذي بدأ على اقتطاع مناطق النفوذ في سورية؟
- هذا انطباع. ولكن في النتيجة مَن أطلق النار وبدأ هذه المعركة وحدّد توقيتها ومسارها وآلياتها هو الجيش اللبناني بقرارٍ داعِم من مجلس الوزراء. ولا احد دفع الجيش او جرّه الى توقيته. وكونوا على ثقة بأنه لو لم يكن الجيش مقتنعاً بأن هذا هو التوقيت الملائم لما انخرط في المعركة التي يعود له لوحده تحديد تاريخ انتهائها وشروطه لإنهائها.
? ثمة مَن يرى «حزب الله» باتكائه على ما يعتبره انتصاراً للمحور الذي يشكل جزءاً منه وبخوضه منفرداً معركة جرود عرسال بتوقيته وأجندته ومحاولته ان يكون شريكاً في معركة الجيش ضدّ «داعش»، يسعى الى تكريس دوره ككيان موازٍ للجيش على غرار الحشد الشعبي في العراق وتجربة الحرس الثوري في ايران... هل تشاطرون مَن تتملّكهم هذه الخشية ولا سيما ان الانتخابات النيابية المقبلة قد تفرز توازنات جديدة يمكن ان تفضي الى تشريع مثل هذا الدور؟
- ربما هذه التحليلات على المستوى الاستراتيجي لا ترتقي الى ترجمة واقعية، لان الوضع على مستوى العالم والمنطقة ما زال ضبابياً للغاية، ولم نصل الى مراحل نهائية في إطار ارتسام الصورة الشاملة للمنطقة. ومن هنا فإن أي دور اقليمي قد تلعبه أيّ جهة لا يمكن ان يتبلور إلا بعد بلوغ الأزمات في المنطقة مساراتها النهائية وتَبلْور المدى الاستراتيجي لها ومَن هم اللاعبون الأساسيون والى متى ستستمر اللعبة.
وما يهمنا كلبنانيين ان تكون حدود بلدنا محمية من قبل جيشنا وان نكون في سياق مسار بناء دولة المؤسسات. وكما نعتبر انه على المستويات الاقتصادية والإدارية يجب ألا تكون هناك مؤسسات رديفة، فكذلك الأمر على الصعيد العسكري والأمني ينبغي ان تكون المؤسسات العسكرية والأمنية الوحيدة التي تقوم بهذا الدور. وبذلك نكون نبني الدولة.
صحيح ان المخاطر كبيرة وكثيرة، ولكن مّن يقُل ان الجيش ليس قادراً على مواجهة هذه المخاطر وَجَد من خلال المعركة ضد داعش ان الجيش أثبت قدرته على حماية لبنان ودحْر المجموعات الإرهابية عن أراضيه. أما إذا كانت ثمة نيات لدى بعض الجهات للتوسّع في أدوارها وأخذها في اتجاهاتٍ معينة فيبقى عامل الوقت كفيل بتحديد الى أين ستصل وعلى اي نطاق جغرافي ستعمل وما مدى استمراريتها؟ وهذا كلّه يتوقف على اللعبة الاقليمية والدولية وليس محصوراً فقط بالواقع اللبناني.
? جزء من هذه «اللعبة» تجلى في محاولة دفْع لبنان نحو التطبيع مع النظام في سورية من بوابة الزيارات الوزارية لدمشق والتي أعلنت الحكومة انها شخصية لا رسمية كون العلاقة مع هذا النظام تشكل ملفاً خلافياً... الى أين يتجه في رأيكم هذا المسار التطبيعي؟
- ما يحدد الإطار السياسي لعمل مجلس الوزارء هو البيان الوزاري الذي التزم به الجميع، مع تحفظ حول نقطة أساسية اعترضنا عليها (وزراء القوات). وأي شيء خارج مضمون البيان الوزاري وروحيته لا يُلزِم مجلس الوزراء على المستوى الرسمي.
علينا الا ننسى ان سورية بلد كبير ولها حدود مشتركة مع لبنان وما يَحدث فيها يؤثّر الى حد بعيد علينا، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وسوى ذلك، وعلينا أيضاً الا ننسى ان الشعب السوري يعاني اليوم من انقسامات وتحديات كبرى، وان أعداداً كبيرة منه خارج سورية ومهجرة من بلادها.
والطريقة التي ندير بها الموقف من سورية تَجعلنا نحافظ على استقرار مجلس الوزراء وحياديته في الأمور التي قد تُحدِث خللاً في التوافق الحاصل. اتفقنا ان هناك خلافات واختلافات بين مكوّنات المجتمع اللبناني حيال التعاون مع النظام في سورية، هناك مَن يرفض وهناك مَن يحاول بناء جسور، ونحن نحاول ان نبقى على مسافة مما يحدث من نزاعات في سورية الى ان تتبلور الأمور هناك عبر وضوح في الرؤية حيال ما ستؤول اليه التركيبة السياسية. والى ان يحصل ذلك، علينا ان نبقى محايدين إزاء هذا النزاع.
ويجب عدم إغفال وجود أعداد كبيرة من الشعب السوري غير موالية للنظام في الوقت الذي ما زالت الحرب مستمرّة والمشكلات قائمة، ولذا نرى على مستوى مجلس الوزراء انه يجب ان نكون بعيدين عن ذلك، وهو ما دفع مجلس الوزراء الى عدم اتخاذ قرار بتغطية اي زيارة على المستوى الوزاري لسورية في الوقت الحاضر، وخصوصاً ان الزيارات كانت مرتبطة بأنشطة يقوم بها النظام الحالي الذي لا يبسط سيطرته على كامل الأراضي السورية، وثمة علامات استفهام كبيرة حول ما قام به هذا النظام من ممارسات وحول ما قد يقوم به في المستقبل. فمن الأفضل ان نبقى على مسافة واحدة من كل فئات الشعب السوري الى ان تُبت الأزمة في سورية.
? المفارقة ان الاتفاق على تحييد الملفات الخلافية لا يحول دون ممارسة «الأفعال الخلافية»... فمشاركة «حزب الله» في القتال في سورية ملف خلافي جرى تحييده لكن من دون منْع الحزب من مواصلة قتاله، ونُزعت الصفة الرسمية عن زيارة وزراء لسورية لكنها تمت... ألا يشكل ذلك إظهاراً لعجز السلطة الرسمية في لبنان؟
- دعونا ننظر الى حسنات تموْضع السلطة الرسمية في لبنان في اطارٍ حيادي يضع في رأس أولويته الاستقرار رغم ما يحوط بنا من صراعات وتشنجات على المستوى الدولي والاقليمي.
? ألا ينطوي هذا المنطق على إقرار بـ «هزيمة ما» عبر الايحاء بأن ما باليد حيلة حيال ما يجري؟
- لا، نحن اتفقنا في لبنان ان هناك مجموعة ترفض هذا الواقع وترفض تكريسه، لكن علينا الا ننسى ان هذا الواقع ليس فقط مسألة لبنانية، وهذا ما نقوله دائماً للمجتمع الدولي، فهذه مسألة عربية ودولية.
? تقصد ان واقع «حزب الله» مشكلة اقليمية...
- ليس إقليمية فحسب بل دوليّة كما يُظهِر المجتمع الدولي. لكن علينا الا ننسى انهم - اي «حزب الله» - جزء من التركيبة اللبنانية، ومن مكوّنات لبنان كأفراد وأشخاص. وتالياً لا بد ان نتفق على الخلاف، لكن وفي الوقت عينه هناك مساحات أساسية وملفات اجتماعية واقتصادية مهمة يجب ان نعمل عليها للحفاظ على استقرار لبنان في ظل ما يحصل حولنا من مشكلات اقتصادية وسياسية وأمنية. فنحن ضدّ زج لبنان في اي خلاف او محور قد يتغيّر، لأن ما من شيء ثابت في المنطقة. واذا كانت هناك مجموعات تجد نفسها ملتزمة بسياسات خارجية لدول أخرى وهي جزءٌ من تنفيذها، فيجب الا يكون ذلك شأناً رسمياً لبنانياً.
? ألا يرتّب ذلك أثماناً يدفعها لبنان؟ وزراء «القوات» كانوا أول من أثار قضية «خلية العبدلي» في الكويت على طاولة مجلس الوزراء وسط انطباع بأن أدوار «حزب الله» قد تُقابَل بتشدد خليجي حيال لبنان، هل من جديد على هذا المستوى؟
- نعم، كنا أول مَن أثار هذا الموضوع في مجلس الوزراء. والتصدي لملف «خلية العبدلي» أمر أساسي بالنسبة الينا نظراً للعلاقة الممتازة مع دولة الكويت التي لم تترك لبنان في اي لحظة.
وانطلاقاً مما قلتُه سابقاً، عندما تكون هناك مجموعة محسوبة على لبنان وتعمل على نطاقٍ إقليمي ومن خارج الإرادة اللبنانية، فإن هذا الأمر سيرتّب تحديات كبيرة للبنان، لكن في الوقت عينه نحن نتطلع دائماً للحفاظ على العلاقات مع جميع الدول التي كانت أدوارها ايجايبة حيال لبنان وقضاياه، ونتطلع دائماً الى الالتزام بمقررات الجامعة العربية باعتبارنا عضواً مؤسساً في هذه الجامعة، ونتطلع الى الاستمرار في حيادنا عن كل التجاذبات.
ونحن نحاول ونصرّ على ان تحصل متابعة لموضوع خلية العبدلي وان نحدد وبوضوح مكامن الخلل وان يُتابع هذا الخلل قانوناً وفي شكل واضح.
? هل من معطيات في إطار احتواء الأزمة الناجمة عن «خلية العبدلي» في ضوء زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري للكويت؟
- الرئيس الحريري في زيارته للكويت أوضح موقف لبنان وطلب ان يطلع الجانب اللبناني على نتائج التحقيقات لمعرفة ما يترتب علينا في متابعة هذا الملف.
وانا متأكد من ان جميع الدول التي تعاني مشكلات قد يكون مصدرها لبنان تعي ان للبنان حالة خاصة، فهو عانى الحروب وما زال يعاني من وجود سلاح خارج يد الدولة، وهو يستضيف اليوم أعداداً كبيرة من جميع لاجئي الشرق الاوسط، وما من دولة في المنطقة استضافت عدد نازحين بالنسبة الى عدد سكانها بهذا الحجم. ومن هذا المنطلق وضْعنا ايجابي ومتعاون مع الجميع، ونقدّر العلاقات الايجابية مع الدول الشقيقة والصديقة ونقدّر في الوقت عينه تفهّمها للوضع الاستثنائي الذي يمرّ به لبنان.
? هل يعني ذلك ان على الكويت تَفهُّم تورط فريق لبناني بأعمال تشكل خطراً على أمنها؟
- لا نحن نرفض حصول مثل هذا العمل في الأساس ونرفض تعاطي اي جهة في لبنان في شؤون اي دولة، وخصوصاً الدول الشقيقة التي لها فضل كبير على لبنان، ونحن سنستمر بهذا الرفض وسنتابع كل نقاط هذا الملف ونثيرها (خلية العبدلي) اينما استطعنا وكلما استطعنا لنصل الى إنهاء مسبّبات اي سلبيات في العلاقات مع دول الخليج وكافة الدول ذات العلاقة الايجابية بلبنان. الى اي حد سنصل؟ هذا يتطلب تعاوناً ايجابياً من الجميع، ويتطلب حكمةً لطالما تحلى بها اخواننا العرب لمعالجة هذه الملفات بأفضل الطرق القانونية والاجرائية. ونحن سنصرّ ونلحّ على التعاون الكامل بين الجهات الرسمية اللبنانية والكويتية للوصول الى النتائج المرجوة.
الأكيد ان القيادة الكويتية والشعب الكويتي، كما كل الاشقاء العرب، يدركون مدى محبة الشعب اللبناني لهم والأثر الايجابي للعلاقات اللبنانية الخليجية في الاقتصاد والتجارة والعمل، ودور اللبنانيين في دول الخليج... وأعتقد ان كل ذلك سيؤخذ في الاعتبار، ما يجعل العلاقة مع الكويت عصية على اي اهتزاز تحت وطأة مشكلة من النوع الذي نواجهه اليوم. فصلابتها وتاريخها وعمقها أكبر من ان تهزّه مشكلة معروفٌ مَن وراءها والى اي مدى يمكن السيطرة عليها وبأي وسائل.
? اجتازت الحكومة، التي جاءت بها التسوية السياسية، وشكلت صمام أمان للاستقرار السياسي والأمني أكثر من اختبار صعب، هل انتم مطمئنون الى ديمومتها ام انها ستكون عرضة للاهتزاز تحت وطأة التحديات التي نواجهها؟
- التوافق لا يلغي العمل السليم، فضمن إطار روح التوافق ودعم الاستقرار السياسي في البلاد لضمان صموده الاقتصادي والاجتماعي والامني، من الطبيعي ان تكون هناك اختلافات في وجهات النظر وربْط نزاع في كثير من القضايا، لكن يجب الا يصل الخلاف الى انهيار كامل للبيئة السياسية. ولهذا السبب هناك إطار معين لتنظيم الخلاف داخل لبنان، اولويته الحفاظ على الاستقرار الى اقصى مدى ممكن. والقرارات التي اتُخذت سابقاً وأوصلت الى تكوين هذا العهد ما زالت مفاعيلها موجودة. فقبل الانتخابات الرئاسية كان يتهددنا خطر تفكك الدولة وانهيار النظام. ولبنان الدولة الديموقراطية ذات التاريخ العريق في المنطقة يفترض الحفاظ عليها وعدم التفريط بها تحت وطأة النزاعات الاقليمية والدولية، وخصوصاً اننا عانينا من حروب طويلة لا أحد يريد العودة اليها.
وهذا الحرص لا يمنعنا من التصويب على اي خطأ وان نسلّط الضوء عليه ونرفضه ونحاول ايجاد حلول قانونية له ليكون ضمن الأطر السليمة للعلاقات الدولية والعلاقات الداخلية.
? عندما اثيرت قضية زيارة بعض الوزراء لدمشق قيل ان وزراء «القوات» قد يعمدون الى الاستقالة من الحكومة، هل هذا صحيح؟
- لا... ما من مشروع استقالة اطلاقاً. نحن ساهمنا في تأسيس هذا العهد وإطلاقه لا كي نتخلى عن الدور الايجابي الذي نحن موجودون من اجله، وهو الدور الذي يذكّر الجميع بأن التوافق لا يلغي المؤسسات والقانون، وان التوافق هدفه ان نبني المؤسسات وأسس الدولة. ولهذا السبب وجودنا هو للحفاظ على الاستقرار الذي يشكّل هدفنا الأساسي من دون ان نسكت عن اي ممارسات من شأنها ان تؤثر سلباً على بناء الدولة القوية وتفعيل المؤسسات.