رأي «الراي» / شهيد الاعتدال والوسطية

تصغير
تكبير
رحم الله إمام المسجد الكبير الشيخ الدكتور وليد العلي ورفيقه في درب الرحلة الأخيرة الشيخ فهد الحسيني، اللذين قضيا برصاص الإرهاب والغدر والتطرف خلال مهمة لهما هدفها الأساسي نثر بذور الاعتدال الديني والوسطية والتسامح في بوركينا فاسو.

ومن لا يعرف الشيخ وليد في الكويت وخارجها؟ قبلة الباحثين عن صوت التوحيد كلما انتشر خطاب الانقسام، والباحثين عن المحبة ضد الكراهية، والباحثين عن السلام في مواجهة التوتر والتصعيد، والباحثين عن الاعتدال في مواجهة التطرّف.


كان، رحمه الله، معيناً للنُخب الاجتماعية والسياسية في الكويت خصوصاً في الأزمات. يبحث عنه الجميع وعلى رأسهم كبار رجالات الدولة لإطلاق الرد المبين على الغلو الاجتماعي والسياسي والديني. ولم يخلف وعداً أو يتأخر عن موعد، ينطلق صوته في خطب العيد هادراً حازماً حاسماً، مليئاً حتى النهاية بالقيم الدينية والإنسانية. يصلي خلفه رموز الدولة وجموع المؤمنين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، ويتفقون جميعاً على كل كلمة يكتبها وينطقها وعلى كل رسالة يوجهها بالحق والبراهين.

«اللهم اعصم شباب مجتمعنا من فكر التطرّف الذميم والغُلو الضال وألهمهم وأرشدهم واهدهم سلوك سبيل الوسطية وطريق الاعتدال»... هكذا كان يتقدم الصفوف في اتجاه الاعتدال، ويتسيد المنابر لمواجهة التطرّف، معتبرا المفسدين في كل زمان ومكان «أعداء البشرية». كانت الكويت ومنعتها وعزتها في قلبه ووجدانه، مركزاً في كل خطبة له على أن «إصلاح البَيْـن بين النَّاس أفضل عند الله تعالى منها في الدَّرجات، فحريّ بنا جميعاً أن نقطع دابر من يبغوننا الفتنة ليهدموا حصن وحدتنا الحصين، وعلينا أن نُطفئ نار الفتنة التي يُوقدونها بأفواههم ليُفسدوا ذات البَيْن بين المُواطنين».

وهل ينسى الكويتيون خطبته الجامعة في المسجد الكبير بعد تفجير الصادق الإرهابي والتي كانت الرد الأبلغ على محاولات الفتنة؟ هل ينسون صوته الصادع بالحق في صلاة مشتركة بوجود صاحب السمو الأمير؟ هل ينسون قوله:«الكويت وطن ألفنا أرضه وسماءه وبحره وبره، الكويت منزل عشقنا سهله وجبله وبرده وحره، فهو بكرة طفولتنا وهو أصيل رجولتنا تختلف فيه مذاهبنا وتأتلف بحبه مساربنا».

كان بإمكان الشيخ الدكتور وليد العلي أن يكتفي بالبقاء في الكويت والتفرغ للتعليم والإمامة والخطب الدينية أيّام الجُمع وفِي الأعياد والكتابة الأسبوعية في«الراي» وتقديم الاستشارات للصفحة الدينية فيها. كان بإمكانه أن يبقى على منبره وفِي دائرة اللقاءات التي يجريها مع المسؤولين والمواطنين مقدماً النصح والاستشارات. لكنه حمل اعتداله سلاحاً لنشر قيم التسامح والوسطية والدين الحق الى أقاصي العالم، محارباً من أجل التصدي للتطرف وغاسلي عقول الناشئة ومشوهي رسالة الإسلام، ويشاء القدر أن يستشهد مع رفيقه الشيخ فهد الحسيني برصاص إرهاب يرتدي للأسف الشديد لبوس الدين والدين منه براء.

استشهد العلي والحسيني وهما في قلب معركة تصحيح المسار الديني والانتصار للاعتدال. معركة وحدة المسلمين واتفاقهم على المشتركات وترك القشور والانقسامات. معركة نشر الرسالة وقيمها وحضارتها. معركة التوأمة بين الحفاظ على القيم والثقافة والتراث وبين نهل العلم والترقي في ثوراته التقنية إلى أعلى المراتب.

رحمك الله يا إمام الاعتدال أنت ورفيقك. ما زلنا نذكر كيف كنت تستشير حلقة منتقاة من إعلاميين وكتاب ورجال فكر في خطبة العيد خلال إعدادها، وكيف كنت تصرّ على إثراء النقاش حولها بحذف أشياء وإضافة أخرى... لكنك ستخلف الوعد اليوم وتتأخر عن الموعد وما هو عهدنا بك، إنما عهدنا بالله العلي القدير أن يجعل من استشهادك قدوة لاتباع مسيرتك وتوثيق سيرتك سلاحاً لنصرة الدين وهزيمة الإرهاب والتطرف والانقسام.

كم سيكون منبر المسجد الكبير في العيد الكبير حزيناً في غياب خطيبه.

«الراي»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي