كفراشة رقيقة... إذا ركضتَ وراءها أتعبتكَ... وإذا هَبَطتْ عليك أراحتك
«سُلطان» النوم... ديكتاتور رحيم!
النوم ليس نوعاً من أنواع فقدان الوعي أو الغيبوبة... بل يُصنّف كـ «تغيّر في حالة الوعي»
يحدث خلال النوم كثير من الأنشطة المعقدة في الدماغ وفي أعضاء الجسم الأخرى
النائم يمر بمراحل متعاقبة لكل واحدة منها دورها خلال «نوبة» النوم الكاملة
عدد ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان الطبيعي يتفاوت من شخص إلى آخر ومن مرحلة عمرية إلى أخرى
نابليون بونابرت وتوماس إديسون كانا من أصحاب «النوم القصير»... وألبرت آينشتاين كان من أصحاب «النوم الطويل»
يحدث خلال النوم كثير من الأنشطة المعقدة في الدماغ وفي أعضاء الجسم الأخرى
النائم يمر بمراحل متعاقبة لكل واحدة منها دورها خلال «نوبة» النوم الكاملة
عدد ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان الطبيعي يتفاوت من شخص إلى آخر ومن مرحلة عمرية إلى أخرى
نابليون بونابرت وتوماس إديسون كانا من أصحاب «النوم القصير»... وألبرت آينشتاين كان من أصحاب «النوم الطويل»
ملف أسبوعي من إعداد: عبدالعليم الحجار
هو غريزة ضرورية لصحة واستمرار حياة جميع الكائنات الحية بلا استثناء تقريباً... وهو احتياج حياتي بالغ الأهمية إلى درجة جعلت الروائي الإسباني الشهير ميغيل دي ثيرفانتس ينشد على لسان شخصية «سانشو بانثا» في روايته الشهيرة «دون كيشوت»، قائلا عنه «إنه الغذاء الذي يعالج كل جوع، والماء الذي يطفئ كل عطش، والنار التي تدفئ البرد، والبرد الذي يهدئ القلب، والثقل الموازن الذي يسوّي بين راعي الغنم وصاحب المُلْك وبين الرجل الساذج والرجل الحكيم».
الكلام هنا عن النوم الذي اشتهر منذ القدم لدى العرب بلقب «السلطان»، تعبيرا عن سطوته الطاغية التي تجعله يتصرف ليس فقط كحاكم مسيطر، بل كديكتاتور متسلط ومستبد عندما يشاء.
غير أن ذلك «السلطان الديكتاتور» يجلب لرعاياه الراحة ويعيد اليهم حيويتهم ونشاطهم وشعورهم بالعافية.
وتُعتبر عبارة «اذهب إلى النوم» خطأ شائعاً، إذا إن «سلطان النوم» يتميز أيضا عن السلاطين الآخرين بأنه هو الذي يأتي وفقا لمشيئته هو ولا أحد يستطيع أن يذهب إليه أو أن يجلبه رغما عنه. ولعل هذا ما دفع أحد الحكماء إلى القول: «النوم كفراشة رقيقة... إذا ركضت وراءها أتعبتك، وإذا هبطت عليك أراحتك».
فما هي حقيقة النوم؟ ولماذا نحتاج إليه؟ وما مراحله؟ وهل ما زال لغزا مستعصيا على الحل؟
هذا ما يحاول التقرير التالي تسليط الضوء عليه:
على الرغم من أن الإنسان يقضي ثلث حياته تقريبا نائماً، فإن كثيرين ما زالوا لا يعرفون الكثير عن حقيقة النوم.
التعريف العام والمبسط للنوم هو أنه حالة طبيعية من الاسترخاء تسيطر على جميع الكائنات الحية، وتنعدم خلالها تقريبا سائر الحركات الإرادية كما يتلاشى تقريبا شعور الكائن النائم بما يحدث في محيطه.
لكن هذا لا يعني أن النوم هو نوع من أنواع الغيبوبة أو فقدان الوعي، بل يصنفه العلماء باعتباره «تغيرا في حالة الوعي»، بمعنى أنه يشكّل حالة خاصة تتم خلالها أنشطة معينة في أعضاء الجسم، بما في ذلك الدماغ.
وما زالت هناك أبحاث جارية تسعى إلى تحديد الوظيفة الرئيسية للنوم، لكن الاعتقاد الشائع حاليا هو أن النوم ظاهرة طبيعية لإعادة تنظيم نشاط الدماغ وبالتالي سائر الوظائف الحيوية الأخرى في الكائن الحي.
النوم... بين الأساطير والحقائق
وقد كان هناك حتى منتصف القرن العشرين اعتقاد شائع مفاده أن النوم هو عبارة عن حال من السكون (أو البيات) تعتري وظائف الجسم الجسدية والذهنية ويحتاجها الإنسان لتجديد نشاطه، لكن شواهد تم اثباتها علمياً وبحثيا أثبتت أن ذلك الاعتقاد لم يكن سوى من قبيل الأساطير التي لا تستند إلى أدلة واقعية، إذ اتضح أنه يحدث خلال النوم الكثير من الأنشطة المعقدة في الدماغ وفي كافة أعضاء الجسم الأخرى. بل إن بعض وظائف الجسم البشري – ولا سيما في الدماغ - تكون أكثر نشاطا خلال ساعات النوم.
ففي العام 1953، نجح رائد أبحاث النوم «كلايتمان» وتلميذه «أزيرينسكي» - ومن خلال أبحاث أجرياها في جامعة شيكاغو الأميركية - في تقويض ونفي ذلك الاعتقاد الخاطئ الذي كان سائدا قبل ذلك وكان مفاده أن النوم ما هو إلا حالة تتوقف خلالها معظم أنشطة الدماغ وأعضاء الجسم الأخرى، إذ أثبتا بأدلة بحثية قاطعة أن النوم يشهد أنشطة عقلية وظيفية كثيرة علاوة على أن له مراحل متتابعة بالغة الدقة.
ولاحقا، توصل باحثون في مجال النوم إلى اكتشافات كثيرة في هذا الشأن، بما في ذلك أن نشاط دماغ الانسان وأعضاء أخرى يستمر في أثناء النوم، بل أن وتيرة نشاط بعض تلك الأعضاء تصبح أعلى وأكثر تعقيدا مقارنة بما تكون عليه أثناء ساعات اليقظة. فعلى سبيل المثال، يتضاعف نشاط جهاز المناعة لدى الانسان خلال ساعات نومه، وكذلك الحال بالنسبة لعدد من وظائف الدماغ الحيوية.
وعندما تكون مستيقظاً يكون لمخك نشاط كهربائي ذو نمط معين. لكن عند دخولك في مراحل النوم، يبدأ نمط ذلك النشاط بالتغير على نحو معين ما زال العلماء يسعون إلى تحليله أملا في أن يجدوا حلا كاملا للغز النوم الذي ما زال مستعصيا رغم كل ما يعرفونه عنه.
ومن بين ما نجح علماء وباحثون في التوصل إليه هو أن الشخص يمر بمراحل متعاقبة من النوم، أي لكل واحدة منها دورها.
فهناك المرحلتان الأولى والثانية، وهما بمثابة البدايات الخفيفة التي تمهد للاستغراق. بعد ذلك تبدأ المرحلتان الثالثة والرابعة اللتان تشكلان النوم العميق، وهاتان المرحلتان مهمتان جدا كي يتمكن جسمك من استعادة نشاطه وحيويته وشعوره بالصحة والعافية. ثم تعقب ذلك مرحلة خامسة وربما سادسة أيضا (وفقا لنتائج ابحاث مختلفة). لذا فإن أي اضطراب يعتري مرحلتي الاستغراق في النوم يتسبب في الشعور بالتعب والإجهاد خلال ساعات اليقظة.
وبعد مرور ما بين 90 إلى 100 دقيقة من بدء النوم، تبدأ مرحلة حركة العينين السريعة، وهي المرحلة التي يتصور المخ الأحلام (والكوابيس) خلالها. وهذه المرحلة مهمة جدا كي يستعيد الذهن والبدن نشاطهما.
والمرور بجميع مراحل النوم هذه يُعرف بنوبة أو دورة نوم كاملة (طالع كادر «مراحل نوبة النوم»).
عدد الساعات... «قصير» و«طويل»
تشير جميع الدلائل إلى أن عدد ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان الطبيعي يتفاوت من شخص إلى آخر ومن مرحلة عمرية إلى أخرى. لكن الأمر المؤكد هو أن عدد الساعات التي يحتاجها الشخص نفسه يكون شبه ثابت في كل مرحلة من مراحل عمره. فعلى الرغم من أن شخصا معينا قد ينام في إحدى الليالي أكثر أو أقل من ليال أخرى، فإن إجمالي عدد الساعات التي ينامها ذلك الشخص على مدار أسبوع أو شهر كامل يكون شبه ثابت.
والأمر السائد بالنسبة للأشخاص البالغين (مراهقين وشباب وكهول) هو أن عدد ساعات النوم الذي يحتاجون اليه يومياً هو 8 ساعات في المتوسط، أي أنه يختلف صعودا ونزولا من شخص إلى آخر.
وكشفت دراسة أجراها «المركز الوطني للإحصاءات الصحية» بالولايات المتحدة، عن أن 20 في المئة من الأميركيين ينامون أقل من 6 ساعات في كل ليلة، وواحد من بين كل 10 أشخاص ينام لمدة 9 ساعات أو أكثر في الليلة.
والأشخاص الذين ينامون أقل من 6 ساعات في اليوم يطلق عليهم مصطلح «أصحاب النوم القصير»، بينما يشار إلى الذين ينامون أكثر من 9 ساعات بمصطلح «أصحاب النوم الطويل»، ولكن أفراد كلتا الفئتين طبيعيون.
فعلى سبيل المثال، كان القائد الفرنسي نابليون بونابرت والمخترع الأميركي توماس إديسون من أصحاب النوم القصير. وفي المقابل، كان عالم الفيزياء الأشهر ألبرت آينيشتين من أصحاب النوم الطويل. وهذا يعني أن الشخص إذا كان طبيعياً ولا يعاني من أحد أمراض النوم فإن عدد ساعات نومه يوميا لا يؤثر سلبا على مستوى ذكائه وإبداعه وإنتاجيته.
نمط النوم... وعلاقته بالسن
من المهد إلى اللحد، يتغير نمط نوم الإنسان كلما انتقل من مرحلة عمرية إلى التي تليها.
فالطفل الرضيع يكون له نمط نوم يتسم بالساعات الطويلة التي تتخللها فترات استيقاظ قصيرة للتغذية. ومع استمرار مراحل نمو الرضيع، فإن نمط نومه يتغير تدريجياً.
وعندما يصل الشخص إلى إلى مرحلة البلوغ، فإن عدد ساعات النوم التي يحتاجها تستقر ولا تتغير كثيرا إلا عندما يبدأ في التوغل في مرحلة الشيخوخة. فعند كبار السن يصبح النوم خفيفاً وأقل فعالية وأقل راحة، حتى إذا لم يتغير عدد ساعات النوم. ويعود السبب في ذلك إلى أن نسبة كل مرحلة من مراحل النوم المشار اليها آنفا تتغير مع تقدم السن.
فعندما يتخطى الرجل سن الـ 50 سنة والسيدة سن الـ 60 سنة، تكون مرحلة النوم العميق قد تراجعت عادة إلى نسبة بسيطة جداً من إجمالي وقت النوم، بل قد تختفي تماماً عند البعض. لذا، يلاحظ أن الأشخاص في هذه السن يكونون أسرع استيقاظاً عند حدوث أي ضوضاء خارجية حولهم علاوة على أن نومهم يصبح متقطعاً، وهذا أحد أسباب النعاس الذي يعتري كثيرين من كبار السن خلال ساعات النهار.
مراحل نوبة النوم
أجمعت دراسات متعمقة أجراها علماء وباحثون على مدار السنوات الخمسين الفائتة على أن كل نوبة نوم لدى الإنسان الطبيعي تمر بأربع الى ست مراحل متعاقبة، وهي المراحل التي تتفاوت مدة كل واحدة منها ما بين 90 و110 دقائق تقريباً.
لكن بشكل عام، يمكن القول إن الانسان يمر بخمس مراحل أساسية من النوم في كل نوبة من نوبات نومه على النحو التتابعي التالي:
• مرحلة النعاس: هي النقطة التي يكون فيها الشخص بين اليقظة والنوم، وهي أقصر مرحلة، وخلالها تصبح حركة مقلتي العينين بطيئة، مع شعور بثقل بسيط في الرأس. وفي هذه المرحلة يكون الاستيقاظ ثانية ممكناً وسهلاً.
• مرحلة النوم الخفيف: في هذه المرحلة تتباطأ حركة مقلتي العينين أكثر فأكثر، كما تبدأ وتيرة الموجات الدماغية في التباطؤ تدريجياً شيئاً فشيئاً. وتعتبر هذه المرحلة هي الأطول بين مراحل نوبة النوم.
• مرحلة النوم العميق: عندما يصل النائم إلى هذه المرحلة، تكون موجات الدماغ قد انخفضت إلى مستوى كاف لجعل الشخص مستغرقا في النوم.
• مرحلة النوم العميق ذي الموجات الأبطأ: خلال هذه المرحلة يتدنى معدل حركة موجات الدماغ إلى أدنى مستوى له، وبهذا يصبح النوم أثقل بحيث يصعب إيقاظ الشخص النائم الذي يكون غير واع مطلقا بأي شيء حوله.
• مرحلة النوم مع حركات العينين السريعة: هذه المرحلة هي التي يتصور خلالها الدماغ الأحلام والرؤى. وإذا حصل أن استيقظ الشخص خلالها، فإنه يتذكر حلمه. وخلال هذه المرحلة يتسارع خفقان القلب، وترتجف العينان تحت الجفون بوتيرة أعلى، وتشعر أعضاء الجسم بالراحة نتيجة استرخاء العضلات. وفي العادة تبدأ هذه المرحلة بعد مرور ما بين 90 و110 دقائق من بدء نوبة النوم.
نصائح... لتنعم بنوم مستقر
عندما يتعلق الأمر بنمط النوم، فإن البشر ليسوا سواء. فبعض الناس يخلد إلى النوم سريعا نسبيا ويكون نومه عميقا ومستقرا، بينما يجد آخرون صعوبة في ذلك وعندما ينامون لا ينعمون بالراحة بعد أن يستيقظوا.
وللاستمتاع بنوم جيد وصحي ومستقر، هناك تحسينات يمكنك إدخالها على أسلوب حياتك وعلى عاداتك الغذائية، إذ إنه من شأن تلك التحسينات أن تنعكس بمردود إيجابي كماً ونوعاً على نمط وطبيعة نومك.
وسيقتصر كلامنا في النصائح التالية على معالجة النواحي السلوكية، من دون التطرق إلى الاضطرابات والأمراض العضوية والنفسية التي تؤثر سلبا على جودة واستقرار النوم:
• اضبط درجة حرارة غرفة النوم: تؤثر درجة حرارة غرفة نومك على مستوى جودة استقرارك واستغراقك في النوم. فدرجة الحرارة المرتفعة أو المنخفضة نسبيا يكون لها تأثير سلبي. لذا، يوصى بضبط درجة حرارة الغرفة لتكون ما بين 26 و 23 درجة مئوية.
• امنع مصادر الضوضاء: تتسبب أصوات الضوضاء العالية في جعل نومك خفيفا ومتقطعا، وهذا الأمر لا يساعد الجسم على استعادة نشاطه ولا يمنحه فرصة الوصول إلى مراحل النوم العميق. يمكن التخلص من هذه الضوضاء بما يسمى الضوضاء البيضاء وهي أن يكون في الخلفية صوت ناعم وثابت الشدة والوتيرة ومتواصل كصوت مروحة أو جهاز تكييف مثلا.
• خفّض نسبة الضوء قدر المستطاع: الضوء القوي في غرفة النوم هو من العوامل التي تؤثر سلبا على جودة النوم. لذا، يستحسن أن يكون ضوء غرفة نومك خافتاً قدر المستطاع. وعليك أن تتفادى النظر المتكرر إلى أي مصدر ضوء بعد أن تستلقي في فراشك، بما في ذلك الساعات التي تضئ في الظلام وأجهزة الهواتف.
• انتبه لموعد وجبة ما قبل النوم: يستحسن أن تحرص على ألا تتناول وجبات غذائية ثقيلة قبل موعد النوم بحوالي من 3 إلى 4 ساعات، إذ إن من شأن ذلك أن يؤذي جودة نومك. ويكفي أن تتناول وجبة عشاء خفيفة قبل 3 ساعات على الأقل من موعد نومك.
• اهجر المشروبات الكحولية: في بداياته، قد يساعد تناول الكحول على النوم؛ لكنه من الثابت بحثيا أنه ما أن يبدأ الجسم في التفاعل مع المواد الكحولية مع مرور الوقت حتى يؤدي ذلك إلى المعاناة من تقطُّع النوم والأرق.
• قلّص الكافيين والنيكوتين: جميع أنواع المشروبات التي تحتوي على كافيين تؤثر سلباً على جودة النوم، خاصة إذا تم تناولها في فترة ما بعد غروب الشمس. وقد أثبتت دراسات أن الكافيين يسبب الأرق حتى عند أولئك الذين يزعمون أنه لا يؤثر على جودة نومهم. كما أن لمادة النيكوتين التي توضع في التبغ تأثير سلبي مشابه. لذا فإن التدخين عموما يلعب دورا في إثارة اضطرابات ومشاكل النوم.
هو غريزة ضرورية لصحة واستمرار حياة جميع الكائنات الحية بلا استثناء تقريباً... وهو احتياج حياتي بالغ الأهمية إلى درجة جعلت الروائي الإسباني الشهير ميغيل دي ثيرفانتس ينشد على لسان شخصية «سانشو بانثا» في روايته الشهيرة «دون كيشوت»، قائلا عنه «إنه الغذاء الذي يعالج كل جوع، والماء الذي يطفئ كل عطش، والنار التي تدفئ البرد، والبرد الذي يهدئ القلب، والثقل الموازن الذي يسوّي بين راعي الغنم وصاحب المُلْك وبين الرجل الساذج والرجل الحكيم».
الكلام هنا عن النوم الذي اشتهر منذ القدم لدى العرب بلقب «السلطان»، تعبيرا عن سطوته الطاغية التي تجعله يتصرف ليس فقط كحاكم مسيطر، بل كديكتاتور متسلط ومستبد عندما يشاء.
غير أن ذلك «السلطان الديكتاتور» يجلب لرعاياه الراحة ويعيد اليهم حيويتهم ونشاطهم وشعورهم بالعافية.
وتُعتبر عبارة «اذهب إلى النوم» خطأ شائعاً، إذا إن «سلطان النوم» يتميز أيضا عن السلاطين الآخرين بأنه هو الذي يأتي وفقا لمشيئته هو ولا أحد يستطيع أن يذهب إليه أو أن يجلبه رغما عنه. ولعل هذا ما دفع أحد الحكماء إلى القول: «النوم كفراشة رقيقة... إذا ركضت وراءها أتعبتك، وإذا هبطت عليك أراحتك».
فما هي حقيقة النوم؟ ولماذا نحتاج إليه؟ وما مراحله؟ وهل ما زال لغزا مستعصيا على الحل؟
هذا ما يحاول التقرير التالي تسليط الضوء عليه:
على الرغم من أن الإنسان يقضي ثلث حياته تقريبا نائماً، فإن كثيرين ما زالوا لا يعرفون الكثير عن حقيقة النوم.
التعريف العام والمبسط للنوم هو أنه حالة طبيعية من الاسترخاء تسيطر على جميع الكائنات الحية، وتنعدم خلالها تقريبا سائر الحركات الإرادية كما يتلاشى تقريبا شعور الكائن النائم بما يحدث في محيطه.
لكن هذا لا يعني أن النوم هو نوع من أنواع الغيبوبة أو فقدان الوعي، بل يصنفه العلماء باعتباره «تغيرا في حالة الوعي»، بمعنى أنه يشكّل حالة خاصة تتم خلالها أنشطة معينة في أعضاء الجسم، بما في ذلك الدماغ.
وما زالت هناك أبحاث جارية تسعى إلى تحديد الوظيفة الرئيسية للنوم، لكن الاعتقاد الشائع حاليا هو أن النوم ظاهرة طبيعية لإعادة تنظيم نشاط الدماغ وبالتالي سائر الوظائف الحيوية الأخرى في الكائن الحي.
النوم... بين الأساطير والحقائق
وقد كان هناك حتى منتصف القرن العشرين اعتقاد شائع مفاده أن النوم هو عبارة عن حال من السكون (أو البيات) تعتري وظائف الجسم الجسدية والذهنية ويحتاجها الإنسان لتجديد نشاطه، لكن شواهد تم اثباتها علمياً وبحثيا أثبتت أن ذلك الاعتقاد لم يكن سوى من قبيل الأساطير التي لا تستند إلى أدلة واقعية، إذ اتضح أنه يحدث خلال النوم الكثير من الأنشطة المعقدة في الدماغ وفي كافة أعضاء الجسم الأخرى. بل إن بعض وظائف الجسم البشري – ولا سيما في الدماغ - تكون أكثر نشاطا خلال ساعات النوم.
ففي العام 1953، نجح رائد أبحاث النوم «كلايتمان» وتلميذه «أزيرينسكي» - ومن خلال أبحاث أجرياها في جامعة شيكاغو الأميركية - في تقويض ونفي ذلك الاعتقاد الخاطئ الذي كان سائدا قبل ذلك وكان مفاده أن النوم ما هو إلا حالة تتوقف خلالها معظم أنشطة الدماغ وأعضاء الجسم الأخرى، إذ أثبتا بأدلة بحثية قاطعة أن النوم يشهد أنشطة عقلية وظيفية كثيرة علاوة على أن له مراحل متتابعة بالغة الدقة.
ولاحقا، توصل باحثون في مجال النوم إلى اكتشافات كثيرة في هذا الشأن، بما في ذلك أن نشاط دماغ الانسان وأعضاء أخرى يستمر في أثناء النوم، بل أن وتيرة نشاط بعض تلك الأعضاء تصبح أعلى وأكثر تعقيدا مقارنة بما تكون عليه أثناء ساعات اليقظة. فعلى سبيل المثال، يتضاعف نشاط جهاز المناعة لدى الانسان خلال ساعات نومه، وكذلك الحال بالنسبة لعدد من وظائف الدماغ الحيوية.
وعندما تكون مستيقظاً يكون لمخك نشاط كهربائي ذو نمط معين. لكن عند دخولك في مراحل النوم، يبدأ نمط ذلك النشاط بالتغير على نحو معين ما زال العلماء يسعون إلى تحليله أملا في أن يجدوا حلا كاملا للغز النوم الذي ما زال مستعصيا رغم كل ما يعرفونه عنه.
ومن بين ما نجح علماء وباحثون في التوصل إليه هو أن الشخص يمر بمراحل متعاقبة من النوم، أي لكل واحدة منها دورها.
فهناك المرحلتان الأولى والثانية، وهما بمثابة البدايات الخفيفة التي تمهد للاستغراق. بعد ذلك تبدأ المرحلتان الثالثة والرابعة اللتان تشكلان النوم العميق، وهاتان المرحلتان مهمتان جدا كي يتمكن جسمك من استعادة نشاطه وحيويته وشعوره بالصحة والعافية. ثم تعقب ذلك مرحلة خامسة وربما سادسة أيضا (وفقا لنتائج ابحاث مختلفة). لذا فإن أي اضطراب يعتري مرحلتي الاستغراق في النوم يتسبب في الشعور بالتعب والإجهاد خلال ساعات اليقظة.
وبعد مرور ما بين 90 إلى 100 دقيقة من بدء النوم، تبدأ مرحلة حركة العينين السريعة، وهي المرحلة التي يتصور المخ الأحلام (والكوابيس) خلالها. وهذه المرحلة مهمة جدا كي يستعيد الذهن والبدن نشاطهما.
والمرور بجميع مراحل النوم هذه يُعرف بنوبة أو دورة نوم كاملة (طالع كادر «مراحل نوبة النوم»).
عدد الساعات... «قصير» و«طويل»
تشير جميع الدلائل إلى أن عدد ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان الطبيعي يتفاوت من شخص إلى آخر ومن مرحلة عمرية إلى أخرى. لكن الأمر المؤكد هو أن عدد الساعات التي يحتاجها الشخص نفسه يكون شبه ثابت في كل مرحلة من مراحل عمره. فعلى الرغم من أن شخصا معينا قد ينام في إحدى الليالي أكثر أو أقل من ليال أخرى، فإن إجمالي عدد الساعات التي ينامها ذلك الشخص على مدار أسبوع أو شهر كامل يكون شبه ثابت.
والأمر السائد بالنسبة للأشخاص البالغين (مراهقين وشباب وكهول) هو أن عدد ساعات النوم الذي يحتاجون اليه يومياً هو 8 ساعات في المتوسط، أي أنه يختلف صعودا ونزولا من شخص إلى آخر.
وكشفت دراسة أجراها «المركز الوطني للإحصاءات الصحية» بالولايات المتحدة، عن أن 20 في المئة من الأميركيين ينامون أقل من 6 ساعات في كل ليلة، وواحد من بين كل 10 أشخاص ينام لمدة 9 ساعات أو أكثر في الليلة.
والأشخاص الذين ينامون أقل من 6 ساعات في اليوم يطلق عليهم مصطلح «أصحاب النوم القصير»، بينما يشار إلى الذين ينامون أكثر من 9 ساعات بمصطلح «أصحاب النوم الطويل»، ولكن أفراد كلتا الفئتين طبيعيون.
فعلى سبيل المثال، كان القائد الفرنسي نابليون بونابرت والمخترع الأميركي توماس إديسون من أصحاب النوم القصير. وفي المقابل، كان عالم الفيزياء الأشهر ألبرت آينيشتين من أصحاب النوم الطويل. وهذا يعني أن الشخص إذا كان طبيعياً ولا يعاني من أحد أمراض النوم فإن عدد ساعات نومه يوميا لا يؤثر سلبا على مستوى ذكائه وإبداعه وإنتاجيته.
نمط النوم... وعلاقته بالسن
من المهد إلى اللحد، يتغير نمط نوم الإنسان كلما انتقل من مرحلة عمرية إلى التي تليها.
فالطفل الرضيع يكون له نمط نوم يتسم بالساعات الطويلة التي تتخللها فترات استيقاظ قصيرة للتغذية. ومع استمرار مراحل نمو الرضيع، فإن نمط نومه يتغير تدريجياً.
وعندما يصل الشخص إلى إلى مرحلة البلوغ، فإن عدد ساعات النوم التي يحتاجها تستقر ولا تتغير كثيرا إلا عندما يبدأ في التوغل في مرحلة الشيخوخة. فعند كبار السن يصبح النوم خفيفاً وأقل فعالية وأقل راحة، حتى إذا لم يتغير عدد ساعات النوم. ويعود السبب في ذلك إلى أن نسبة كل مرحلة من مراحل النوم المشار اليها آنفا تتغير مع تقدم السن.
فعندما يتخطى الرجل سن الـ 50 سنة والسيدة سن الـ 60 سنة، تكون مرحلة النوم العميق قد تراجعت عادة إلى نسبة بسيطة جداً من إجمالي وقت النوم، بل قد تختفي تماماً عند البعض. لذا، يلاحظ أن الأشخاص في هذه السن يكونون أسرع استيقاظاً عند حدوث أي ضوضاء خارجية حولهم علاوة على أن نومهم يصبح متقطعاً، وهذا أحد أسباب النعاس الذي يعتري كثيرين من كبار السن خلال ساعات النهار.
مراحل نوبة النوم
أجمعت دراسات متعمقة أجراها علماء وباحثون على مدار السنوات الخمسين الفائتة على أن كل نوبة نوم لدى الإنسان الطبيعي تمر بأربع الى ست مراحل متعاقبة، وهي المراحل التي تتفاوت مدة كل واحدة منها ما بين 90 و110 دقائق تقريباً.
لكن بشكل عام، يمكن القول إن الانسان يمر بخمس مراحل أساسية من النوم في كل نوبة من نوبات نومه على النحو التتابعي التالي:
• مرحلة النعاس: هي النقطة التي يكون فيها الشخص بين اليقظة والنوم، وهي أقصر مرحلة، وخلالها تصبح حركة مقلتي العينين بطيئة، مع شعور بثقل بسيط في الرأس. وفي هذه المرحلة يكون الاستيقاظ ثانية ممكناً وسهلاً.
• مرحلة النوم الخفيف: في هذه المرحلة تتباطأ حركة مقلتي العينين أكثر فأكثر، كما تبدأ وتيرة الموجات الدماغية في التباطؤ تدريجياً شيئاً فشيئاً. وتعتبر هذه المرحلة هي الأطول بين مراحل نوبة النوم.
• مرحلة النوم العميق: عندما يصل النائم إلى هذه المرحلة، تكون موجات الدماغ قد انخفضت إلى مستوى كاف لجعل الشخص مستغرقا في النوم.
• مرحلة النوم العميق ذي الموجات الأبطأ: خلال هذه المرحلة يتدنى معدل حركة موجات الدماغ إلى أدنى مستوى له، وبهذا يصبح النوم أثقل بحيث يصعب إيقاظ الشخص النائم الذي يكون غير واع مطلقا بأي شيء حوله.
• مرحلة النوم مع حركات العينين السريعة: هذه المرحلة هي التي يتصور خلالها الدماغ الأحلام والرؤى. وإذا حصل أن استيقظ الشخص خلالها، فإنه يتذكر حلمه. وخلال هذه المرحلة يتسارع خفقان القلب، وترتجف العينان تحت الجفون بوتيرة أعلى، وتشعر أعضاء الجسم بالراحة نتيجة استرخاء العضلات. وفي العادة تبدأ هذه المرحلة بعد مرور ما بين 90 و110 دقائق من بدء نوبة النوم.
نصائح... لتنعم بنوم مستقر
عندما يتعلق الأمر بنمط النوم، فإن البشر ليسوا سواء. فبعض الناس يخلد إلى النوم سريعا نسبيا ويكون نومه عميقا ومستقرا، بينما يجد آخرون صعوبة في ذلك وعندما ينامون لا ينعمون بالراحة بعد أن يستيقظوا.
وللاستمتاع بنوم جيد وصحي ومستقر، هناك تحسينات يمكنك إدخالها على أسلوب حياتك وعلى عاداتك الغذائية، إذ إنه من شأن تلك التحسينات أن تنعكس بمردود إيجابي كماً ونوعاً على نمط وطبيعة نومك.
وسيقتصر كلامنا في النصائح التالية على معالجة النواحي السلوكية، من دون التطرق إلى الاضطرابات والأمراض العضوية والنفسية التي تؤثر سلبا على جودة واستقرار النوم:
• اضبط درجة حرارة غرفة النوم: تؤثر درجة حرارة غرفة نومك على مستوى جودة استقرارك واستغراقك في النوم. فدرجة الحرارة المرتفعة أو المنخفضة نسبيا يكون لها تأثير سلبي. لذا، يوصى بضبط درجة حرارة الغرفة لتكون ما بين 26 و 23 درجة مئوية.
• امنع مصادر الضوضاء: تتسبب أصوات الضوضاء العالية في جعل نومك خفيفا ومتقطعا، وهذا الأمر لا يساعد الجسم على استعادة نشاطه ولا يمنحه فرصة الوصول إلى مراحل النوم العميق. يمكن التخلص من هذه الضوضاء بما يسمى الضوضاء البيضاء وهي أن يكون في الخلفية صوت ناعم وثابت الشدة والوتيرة ومتواصل كصوت مروحة أو جهاز تكييف مثلا.
• خفّض نسبة الضوء قدر المستطاع: الضوء القوي في غرفة النوم هو من العوامل التي تؤثر سلبا على جودة النوم. لذا، يستحسن أن يكون ضوء غرفة نومك خافتاً قدر المستطاع. وعليك أن تتفادى النظر المتكرر إلى أي مصدر ضوء بعد أن تستلقي في فراشك، بما في ذلك الساعات التي تضئ في الظلام وأجهزة الهواتف.
• انتبه لموعد وجبة ما قبل النوم: يستحسن أن تحرص على ألا تتناول وجبات غذائية ثقيلة قبل موعد النوم بحوالي من 3 إلى 4 ساعات، إذ إن من شأن ذلك أن يؤذي جودة نومك. ويكفي أن تتناول وجبة عشاء خفيفة قبل 3 ساعات على الأقل من موعد نومك.
• اهجر المشروبات الكحولية: في بداياته، قد يساعد تناول الكحول على النوم؛ لكنه من الثابت بحثيا أنه ما أن يبدأ الجسم في التفاعل مع المواد الكحولية مع مرور الوقت حتى يؤدي ذلك إلى المعاناة من تقطُّع النوم والأرق.
• قلّص الكافيين والنيكوتين: جميع أنواع المشروبات التي تحتوي على كافيين تؤثر سلباً على جودة النوم، خاصة إذا تم تناولها في فترة ما بعد غروب الشمس. وقد أثبتت دراسات أن الكافيين يسبب الأرق حتى عند أولئك الذين يزعمون أنه لا يؤثر على جودة نومهم. كما أن لمادة النيكوتين التي توضع في التبغ تأثير سلبي مشابه. لذا فإن التدخين عموما يلعب دورا في إثارة اضطرابات ومشاكل النوم.