جابر الخالد توج شجاعتك بـ... الاستقالة

تصغير
تكبير
شخصيا، أحببت وأحب وسأبقى أحب وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد لأسباب كثيرة أهمها أنه يتمتع بمستوى مرتفع جداً من الاحترام وطيب الخلق والعفوية، فلا حواجز بينه وبين الكويتيين ولا سواتر تحد من عشقه لديرته وسهره على أمنها.
وأعتقد أن هذه المحبة هي القاسم المشترك بين الكويتيين لرجل فتح قلبه قبل أبوابه للجميع، لكننا كمواطنين وفي ظل النظام الحر الذي ارتضيناه بالشراكة بين الحاكم والمحكوم وأقسم الوزير الخالد أن يحافظ عليه، ومن مبدأ صديقك من صدقك لا من صدقك، لا بد من كلمة أيضا من القلب إلى القلب نتمنى فيها على معالي الوزير أن يقدم هو طوعا، ومن تلقاء نفسه ولأسباب يعرفها، استقالته من منصبه في سابقة تحسب له كأول وزير شيخ من الأسرة يسلك طريقا جديدا للتعبير عن فشله في معالجة خطأ من جهة، أو للتعبير عن رفضه الوقوف شاهد زور على حصول خطأ من جهة ثانية.
المسؤول يجب أن يكون أكبر من منصبه لا أصغر منه. هو يشرف المنصب والعكس غير صحيح إلا للذين ينشدون الوجاهة لا المصلحة العامة. والوزير الخالد إنسان مسؤول بالتأكيد ويعرف أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها. من هنا لا بد أن يقف مع نفسه وقفة مراجعة وتقييم ليرى إن كان أدى أمانته الوظيفية على أكمل وجه.

أخطأ الشيخ جابر الخالد في معالجة قضايا أساسية، بينها التعاطي مع تأبين عماد مغنية والحدة «الشخصية» التي أبداها في معالجة موضوع على هذا القدر من الحساسية والدقة.
وأخطأ الشيخ جابر الخالد في التصدي لموضوع الفرعيات، فالتعسف في استخدام القانون حصل في أماكن وأوقات لم تكن تستحق، والتراخي في استخدام القانون حصل في أماكن وأوقات لم تكن تستحق. ان يقتحم عشرات المقنعين المدججين بمختلف أنواع الأسلحة ديوانية، فهذا خطأ... وأن يتم احتلال مخافر من قبل غاضبين من دون أن يدافع العسكريون عنها، فهو خطيئة.
وأخطأ الشيخ جابر الخالد في تغييب الأجهزة الرقابية الدقيقة عن أعمال إدارات ومسؤولين في وزارة الداخلية، فبتنا نسمع عن تنفيعات مالية من صفقات وعمولات، وعن فساد ضابط كوّن مع شركائه فريقا لادخال الممنوعين من دخول الكويت إليها مقابل «هدايا» أرقامها فلكية، وعن «تخابر» مع جهات أجنبية، وعن ظلم لحق بموظفين يراه الجميع في وضح النهار إلا أن التستر عليه أو إحالته إلى التحقيق الشكلي بسبب نفوذ مدير الإدارة القبلي والخوف من أولاد عمه النواب هو الحل الوحيد الذي كان في جعبة الوزير... أما النتيجة فكانت فصل الموظف المشتكي وتبرئة المدير المفتري.
وأخطأ الشيخ جابر الخالد في موافقته على تكليف وزير آخر من الحكومة ومن أبناء الأسرة له بالإيعاز إلى الأجهزة المعنية في وزارة الداخلية بأن تلاحق كُتّاباً وإعلاميين وتتنصت على مكالماتهم وتخطط لترتيب قضايا قذرة لهم لاطلاقها عند الحاجة أو ابتزاز المعنيين بها. وما كنا نرضى لك يا معالي الوزير بهذا الدور خصوصا ان من كلفك به إنما فعل ذلك لتبقى صورته نقية بيضاء بينما تبقى أنت في مرمى النيران... وأنت تعرف تماما الوزير المقصود وإن كنت لا تعرف ربما مقاصده.
كل ما سبق يا معالي الوزير يؤدي إلى طريق الاستقالة في الأنظمة المتقدمة رغم الجدل الذي يمكن أن نسمعه حول هذه النقطة أو تلك مشفوعا بالبراهين والاثباتات وتطبيق القانون على المخالفين. فلا شيء يبرر اللجوء إلى التعسف أو التراخي في الأمن أو ظلم موظف أو غض النظر عن فساد أو ممارسة أعمال الملاحقة والمراقبة للآمنين والتنصت على خلق الله.
... ومع ذلك لا بد من الوصول إلى «أم المخالفات» التي ارتكبت في موضوع التجنيس، ولا نعتقد أن الوزير يستطيع أن يجادل في هذا الملف او يتنصل منه. باختصار، ما حصل في الكويت فضيحة بكل المقاييس، تتحمل مسؤوليته الحكومة بالطبع لكن الوزير المتخصص في الواجهة. فإذا كان من حصل على الجنسية لا يستحقها فلماذا تم تجنيسه؟ وان كان يستحقها فلماذا سحبت منه؟ وقبل هذا وذاك فإن الوزير الخالد نفسه تنكب شخصيا مهمة الدفاع عن بعض الذين جنسوا وتحدث عن أدوارهم البطولية في حماية النظام ورموزه... ثم سكت عن الكلام المباح عند أول أزمة بين السلطتين.
من حصّر ملفات التجنيس؟ من حدد المعايير؟ من خالف المعايير؟ من اعتمد الواسطات؟ من خاض في الصفقات؟ من تجاوز الشروط الأمنية؟ من شطب قيودا وألغى اشارات وأصدر أوراقا جديدة وأختاما جديدة؟... هؤلاء جميعا هل طالتهم عين الرقابة ويد المحاسبة؟ أم ان إعادة الاعتبار إلى القانون كانت في استعادة جنسيات خمسة أو عشرة أشخاص؟
أما إذا كانت الاجراءات سليمة وقانونية ونظيفة فلماذا قبلت يا معالي الوزير الظلم اللاحق بإنسان بغض النظر إن كان هذا الانسان من أقرب المقربين إليك ويرافقك كظلك، أم غير معروف لديك. لماذا سكت؟ وهل كرسي الوزارة أهم لديك من راحة الضمير؟
هناك وزراء يا معالي الشيخ جابر أخذوا قرارات تنسجم مع الأصول والقناعات والضرورات ولم يتراجعوا رغم تهديد غالبية أعضاء المجلس لهم بالاستجواب مثلما فعلت الفاضلة وزيرة التربية نورية الصبيح عندما اقترح النواب عليها بدء العام الدراسي بعد انتهاء شهر رمضان المبارك لكنها رفضت لأن مصلحة أولادنا تقتضي ألا تختصر فترة المناهج. وهناك وزراء يا معالي الشيخ جابر استقالوا لأمور أقل بكثير من الأمور التي حصلت في وزارتكم، مثل الفاضلة الدكتورة معصومة المبارك التي لم تستطع أن تُحمل ضميرها مسؤولية حريق شب بسبب تماس كهربائي في أحد المستشفيات فكانت شجاعتها في تحمل المسؤولية مضرب مثل.
... ونحن نعرف تماما أنك شجاع وأنك عسكري وأنك قادر على تحمل المسؤولية الأدبية وانك لا ترضى أن تكون غطاء لأخطاء وخطايا أو شاهد زور عليها.
معالي الوزير... توج شجاعتك بتقديم استقالتك.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي