في البداية، لا بد من الاشارة الى أنني لست من المعجبين بالمسلسلات الدرامية العربية واخواتها. ولم يعترني الفضول قط او الثقافة الشعبية الى مشاهدتها وبالتحديد اثناء شهر رمضان، حيث تجتاح الشاشات باقة من البرامج، كان اخرها مسلسل «الهيبة» الذي يعالج قصة الطفار او الخارجين عن القانون في منطقة البقاع المحاذية للحدود السورية - اللبنانية.
فـ «الهيبة» الذي أصبح على كل لسان، أمتع العديد من المتابعين بمجموعة قصص وأحداث مغلوطة في اغلب الاحيان عن حياة الخارجين عن القانون ووضَعهم في اطار نمطي يجمل الواقع الاجرامي لتلك الجماعات. وكما هو الحال في العديد من البرامج التي سبقت «الهيبة»، انتشرت لدى العامة نزعة واضحة الى التمثّل بأبطال المسلسل ومحاولة تقليدهم، سواء عبر العبارات المستعملة او حتى شكل الشعر واللحية لبطل المسسل المعروف بـ «جبل».
فرغم تلك الحركات الصبيانية، يبقى التشبه بالممثلين من النزعات الطبيعية المألوفة لدى الجمهور العريض، وما يثير الدهشة والاستغراب أكثر، أن يصل حد الاندماج بالمسلسل الى ظهور بعض من الخارجين عن القانون على وسائل الاعلام كي يتشدقوا ويعترضوا على المسلسل، زاعمين ان الملكية الفكرية والأدبية للمسلسل تعود لهم كونهم الابطال على ارض الواقع في دولة الخارجين على القانون.
خلال الاسبوع المنصرم، ظهر المدعو نوح زعيتر، أحد أبرز تجار المخدرات في منطقة البقاع في بث مباشر عبر صفحته على «فيسبوك» حيث تعمد توجيه التحية الى جمهوره بأسلوب فلاحي لا يخلو من الدعابة والمرح. المفارقة بأن اطلالة زعيتر تلك خرجت عن المالوف؛ فبعكس ظهوره الاعلامي السابق عبر المقابلات والتحقيقات، لم يرسم لنفسه صورة المجرم الخلوق روبن هود الذي يسرق الغني ليطعم الفقير او المقاوم الذي يرابط مع «حزب الله» في غزوه للأراضي السورية تحت ذريعة محاربة الارهاب، بل اكتفى نوح بأن يحتسي الاسبريسو ويوجه التحيات الى العشائر الصديقة والمناطق اللبنانية كافة، كما يفعل العراب والأب الاكبر مع القبيلة.
المثير للسخرية، أن نوح ليس الوحيد من زمرة الاشرار الذي شعر بأن «الهيبة» اغتصبت منه صورته كـ «قبضاي»، بل برز عدد من الشخصيات الطامحة الى التربع على عرش الجريمة وحتى الدخول الى المعترك السياسي، فقاموا، إما شخصيا وإما عبر أزلامهم، بتوزيع مقاطع فيديو تظهر مواكب سياراتهم الفخمة وتستعرض ثروتهم او استقبالهم بالرصاص والقذائف الصاروخية من قبل ابناء منطقتهم في شكل «عفوي و بريء».
المقلق في ظاهرة هؤلاء «النسخ التايوانية»، بأنهم لم يخوضوا معمودية النار كنوح، بل بروزهم حصل بشكل مفاجئ كما ثرواتهم التي تفوح منها رائحة الفساد. كل ذلك لم يمنعهم من استعراض اجتماعاتهم مع سياسيين وقادة وشخصيات أخرى، او حتى اقامة الولائم والحفلات وانتحالهم لصفات ديبلوماسية، وادعائهم بتلقي الأوسمة والدعوات من رؤساء الدول العظمى.
المهزلة الحقيقية تتجاوز هؤلاء الافراد لتطول المجتمع اللبناني بأسره الذي ينظر الى حفنة الاوغاد الخارجين عن القانون بنوع من الاحترام والاعجاب، كما لو أنهم ابطال في مسلسل «الهيبة». فبرأي العديد، أن نوح ومن هم على شاكلته، هم من الشطار على نهج المقولة «الشاطر بشطارته»، و بأن تجارة المخدرات والقتل وتبييض الاموال، هي واقع لأن الطبقة الحاكمة من السياسين هم امراء حرب وفاسدون. فهذا المنطق السائد يجعل من اصحابه شركاء في حالة الفوضى والفلتان الامني الذي تتحمل مسؤوليته الدولة العاجزة واربابها المنغمسون بتقاسم الصفقات ومسخ القوانين بطريقة منهجية.
في آخر المطاف، الهيبة او دولة اللا هيبة هي الدولة اللبنانية التي يصبح فيها الشرير بطلاً ورجال القانون هم العلة واساس المشكلة؛ ولكن المضحك المبكي في هذا البرنامج الماراثوني الذي يعيشه اللبناني، أن القتل والدمار ليسا خدعا سينمائية، والبوشار والمرطبات ليست متوفرة في مسلسل رعب درامي سيزداد سوءاً أكثر وأكثر.
makramrabah@gmail.com