البعض يربط بين حالة الطقس وتقلّب المزاج وازدياد السفر خلال الصيف... ومختصون يستبعدون الأمر

ما الرابط بين ارتفاع درجات الحرارة والملل؟!

تصغير
تكبير
خضر البارون: الملل يرتبط بنظرة الإنسان إلى أيامه وواقع حياته

نورية الخرافي: الإنسان يحتاج إلى الترفيه... وهذا طبيعي نفسياً وفسيولوجياً

كاظم أبل: لا يمكن تقسيم السنة إلى شهور عسل وأخرى بصل
هل هناك رابط ما بين حرارة الطقس وتقلّب المزاج وشعور الإنسان بالملل؟ ولماذا نجنح خلال شهور الصيف تحديداً إلى السفر والترحال والهروب إلى المصايف وتغيير الأماكن التي اعتدنا عليها في حياتنا اليومية؟ هذه الأسئلة وغيرها حملناها إلى المتخصصين في مستهل موسم الهروب الجماعي من حرارة الكويت اللاهبة، إذ يتأهب المواطنون والمقيمون في مثل هذا التوقيت من كل عام إلى الهجرة خارجياً إلى حيث دول الاصطياف والمقاصد السياحية، أو داخليا إلى أماكن الترفيه.

واعتبر متخصصون في علم النفس والاجتماع في التحقيق الذي قامت به «الراي» أن ظاهرة الملل الاجتماعي حالة نفسية يخلقها الشخص بسبب عدم إشغاله نفسه دون أن يربطوها بأشهر معينة بالسنة، داعين إلى هجرة الملل والاستمتاع بالصيف. وقالوا إن موجة الحر الشديد التي تجتاح البلاد كل عام لا يمكن تسميتها بأنها السبب الرئيسي لحالة الملل الاجتماعي التي يعاني منها عدد كبير من الناس لا سيما خلال شهري يونيو ويوليو من كل عام وان كان لها تأثير نوعاً ما. ولم يربطوا الملل بأشهر معينة في السنة كشهري يونيو ويوليو من كل عام بسبب موجة الحر الشديد التي تجتاح البلاد في هذه الفترة وانتظار الحصول على العطلة من العمل والمدارس ونتائج الثانوية العامة للسفر إلى دول باردة الطقس.


وبالسؤال عن امكانية تسمية شهري يونيو ويوليو بأشهر الملل بسبب الحر الشديد والملل والاستعداد للسفر والشعور بالوحدة لسفر الأصدقاء والأهل والبقاء وحيدا في الكويت مع إغلاق باب الديوانيات صيفا، أتت الاجابات بالاعتماد على إشغال فراغ الشخص، واعتبروا أن حياة الانسان فيها كل المشاعر وربما يشعر بها جميعا في يوم واحد وليس على غرار أن هناك شهورا للملل وأخرى للعسل، وفي ما يلي التفاصيل:

في البداية، أكد أستاذ علم النفس بكلية العلوم الاجتماعية الدكتور خضر البارون أن الملل يرتبط بنظرة الانسان إلى أيامه وواقع حياته، فينظر إلى يوم ما على أنه «زين» وآخر ليس كذلك، قائلا إن هذا حال الزمن «مرة فرح وأخرى حزن وغضب». ولفت إلى أن مَنْ ينظر إلى الدنيا على أنها تفاؤل وفرح دائم أو العكس بأنها كآبة وتشاؤم فإنه واهم، لأن الأمور تتقلّب بحسب طباع الناس وما يواجهونه في حياتهم اليومية، وهناك مَنْ يدعو إلى أن يطول عمره حتى تكثر حسناته وآخر يدعو بقصر عمره حتى تقل ذنوبه.

وكشف البارون عن تباين نظرة الناس إلى شهري يونيو ويوليو من السنة بأنهما يكثر فيهما الملل لكن الأجواء في الكويت تساعد على تجاوز هذه الفترة بسلام، بينما آخرون ينظرون إليهما على أنهما شهرا الراحة، إذ يحصل الغالبية على أجازاتهم السنوية خلالهما والسفر وتغيير روتين الحياة، ولكن تزامن شهر رمضان وهذين الشهرين من شأنه أن يحولهما إلى استئناس وفرح، حيث صيام النهار وقيام الليل وزيارة الدواوين وإن كان هناك قلة ينظرون إلى أنه جوع وعطش.

وقال البارون إن هناك مَنْ ينظر إلى يونيو ويوليو بأنهما ملل وكآبة بسبب عمله في أماكن حارة بعيدا عن التكييف مثل طبقة العمال ويريد أن يغمض عينه ويفتحها ويجد هذه المدة انتهت، بينما البعض الآخر ينتظر هذين الشهرين لكي يسافرون سواء لقضاء عطلة سياحية بالنسبة للمواطنين أو زيارة الأهل بالنسبة للوافدين، مضيفا: «إذا سألت مواطناً أو مقيماً عن الفترة التي لا يريد أن يقضيها بالكويت ستجد الإجابة مباشرة شهري يونيو ويوليو من كل عام نتيجة للحر الشديد». وأضاف البارون أن أجواء يونيو ويوليو تلقى بظلالها على سلوكيات وتصرفات الناس، فتجد من يدعس على هيرن السيارة في الاشارة بسبب انه غير متحمل التوقف عند الاشارة رغم ان السيارة مكيفة والطريق شبه فارغ بالصيف، لأنه لا يطيق الحر وحتى سيارته لا تطيق الحر، مؤكدا ان هذه الظاهرة نلاحظها تزداد بشكل لافت في فترة الصيف. ولفت إلى أن هناك حالة من الملل الجماعي أو الاجتماعي في يونيو ويوليو «فمسافة السير من العمل أو البيت إلى موقف السيارة وقد تكون أقل من 30 مترا والجو حار تصيب الناس بالملل، لكن الحمد لله بلادنا في نعمة وخير وأمان ولقمتنا موجودة أما الحر فمدة من الزمن وتنتهي، ولكي نتغلب عليها نتذكر آباءنا وأجدادنا الذين عاشوا واستوطنوا الديرة بدون مكيف أو مروحة». وشدد البارون على ضرورة التفاؤل بالخير مصداقا لقول رسولنا الكريم «تفاءلوا بالخير تجدوه»، مشددا على أن الكويت بخير وفي أمان ولا يوجد ما يعكر أمنها كما هو الحال في الاقليم الملتهب، أما الحر فمقدور عليه وعلينا أن نعمل رغم أن الحر يسبب بعض الكسل، ويمكن الابداع والانتاج في حال الاجازة والتفرغ لعمل شيء إيجابي. ونصح البارون بتغيير أسلوب الحياة بين فترة وأخرى ومحاولة الخروج من دائرة المنزل والعمل لكسر الروتين اليومي وساعتها سيمر الصيف لطيفا وخفيفا، مشيرا إلى أن هناك مَنْ يستغل هذا الجو الحار للخروج في المساء إلى البحر والصيد والعودة إلى المنزل بعد الفجر، ويمكن للأب والأم اشغال أبنائهم في عمل ما يحببونه إليهم حتى تمر أيام الصيف على خير بالتخطيط الجيد لليوم.

بدوره، قال الاستشاري النفسي والتربوي عضو مجلس إدارة جمعية علم النفس الكويتية الدكتور كاظم أبل أن شهور السنة لا يمكن تقسيمها بشهور الملل أو شهور البصل وأخرى للعسل، إنما تعتمد على شخصية الفرد من ناحية والظروف المحيطة به من ناحية أخرى، والمقصود بالظروف مجموع حياته من اجتماعية وسياسية واقتصادية ويكون الطقس أحد عواملها لكن ليس العامل الرئيسي.

وتابع أبل أنه بلا شك أن الثقافة اليوم مرتبطة بالأحداث مثل أن الغبار والحر يتسبب في نوع من الملل وهروب الناس خارج الكويت للجوء إلى بلد بارد، مشيرا إلى أنه في أوروبا ربما يكون عندهم جو من الغيوم وفي نفس اللحظة اللتي نتمنى مثل هذا الطقس الأوربي نجدهم هناك يذهبون إلى مناطق حارة، ما يعني أن ثقافة المجتمع وعوامل المناخ تحدد هذا الشعور بالملل أو الفرح. وأضاف أبل أننا بالكويت في شهري يونيو ويوليو 50 بالمئة من الشعب الكويتي يبدأ بالسفر للتغلب على ظروف الطقس المتطرفة والحرارة ما يعني أننا يمكن أن نسمي هذه الحالة ملل اجتماعي، حيث أن أغلب الديوانيات يتم إغلاقها صيفا ويسافر الكويتيون وحتى الوافدين، ما يعني خلق حالة من افتقاد الأصدقاء والربع مما قد يبعث على حالة من الملل.

وأوضح أبل أن هناك مَنْ يسافر أوائل أو منتصف يونيو بحكم الارتباط بالعمل وشهر رمضان فيشعر بالضيق كلما وجد الناس من حوله سافرت وبقي هو وحيدا، مؤكدا أن العملية برمتها نسبية وترتبط بالعملية النفسية للانسان، فنجد أن هناك شخصا مبرمجاً وقادراً على إيجاد مفاتيح الفرح بممارسة الهوايات مثل الصيد والبحر والرياضة والتسوق والرسم، ما يعني أن السعادة هنا لا ترتبط بالجو الاجتماعي والظروف المناخية، بينما في المقابل هناك من هو مكتئب رغم عيشته في مجتمع مرفه، لافتا إلى أن الملل مرتبط بالحالة النفسية للانسان والتدرج في حالة الاكتئاب وقدرته على التأقلم مع الحالة الجوية، فنجد من يسافر من المواطنين وهو بالخارج تجده يتهكم ويقول «خلنا نرجع حق الحر والغبار» ما يعني تمسكه ببيئته وانتمائه لها بغض النظر عن ظروف المناخ. وأكد أن الانسان إذا كان سعيداً فهو سعيد بغض النظر عن ظروفه، أما إذا كان يشعر بالتعاسة فحتى لو وضعته في مجتمع مرفه تجده مكتئباً، مع الأخذ في الاعتبار أن المجتمع الكويتي يضم مجمعات تجارية ضخمة بدأت تستقطب أعداداً كبيرة من الجمهور وبها طقس بارد ومحلات وماركات عالمية ومقاهي راقية جدا على أعلى مستوى تضاهي أكبر مقاهي بالعالم، ما يخفف بدوره من جو الاحساس بالملل وتغيير نظام الحياة اليومي.

من جهتها، أكدت أستاذ علم النفس التربوي بجامعة الكويت الدكتورة نورية الخرافي أن الملل شعور نفسي يصيب الانسان يبعده عن العمل والناس ويشعره بالتضجر وعدم الاستمتاع والبهجة بأي شيء يملكه فيفضل الانعزال عن الناس ماديا ونفسيا، وفي شهور الصيف لا يمكن أن نسمي حالة الناس بسبب الحر الشديد بالملل ولكنه شعور بمن يحتاج إلى راحة بعد عناء عام طويل من العمل أو الدراسة، لأن الترفيه حاجة نفسية أساسية للناس كما أنها حاجة فسيولوجية ولذا فقد وجدت العطلة الأسبوعية.

وقالت إن الناس في الصيف اعتادوا السفر خارج الكويت بغرض الترفيه بالنسبة للمواطنين أو زيارة الأهل والأوطان بالنسبة للوافدين أو الذهاب داخليا إلى مناطق سياحية كالشاليهات والخيران والبر وما شابه، وقد حدثت مشكلات أسرية كثيرة لمستها من خلال عملي في مركز إصلاح ذات البين بسبب السفر وهناك من يقترض ويلجأ للتقسيط من أجل السفر. وأضافت الخرافي أن شهر يونيو تحديدا يرتبط نفسيا بالناس لأن معظم الناس لديهم ارتباط بالامتحانات والعمل وتود أن ينتهي شهر يونيو من أجل السفر وفي نفس الوقت الهروب من الحر الشديد، وعموما فشهرا يونيو ويوليو يشهدان تراجعاً في أعداد المتواجدين بالكويت ما يؤدي بدوره إلى خلق حالة من السلبية للشخص الذي لم يسافر خاصة إذا لم تتوافر لديه إمكانات مادية. وأوضحت أن المسافرين أنفسهم بينهم شعور بالغبطة لا نقول الحسد بسبب أن أسرة فلان تسافر مدة شهر إلى دولة أوروبية، بينما أسرة علان تسافر أسبوع في دولة عربية، لكن الملل في المدة التي تستبق موعد السفر بالصيف يعتمد على نظرة الانسان نفسه للموقف من حوله ليحدد مشاعره إن كانت إيجابية أو سلبية.

وأشارت إلى أن ساعات اليوم لا تتغير ولم يتغير الغروب والشروق في شهر يونيو أو يوليو، لكن نظرة الشخص إلى الوقت واستعجاله للسفر يكون محركاً للشعور العام له مع ارتباط الحالة النفسية بنتائج الأبناء في المدارس، فالتفكير الايجابي يولد شعوراً إيجابياً والسلبي يولد شعوراً سلبياً، وهنا لابد للشخص أن يشغل نفسه للخروج من هذه الحالة بالقراءة ومطالعة البرامج أو التلفزيون ويقوم بعمل أشياء يحبها.

وبيّنت أن وسائل الاتصال أصبحت في متناول اليد وأصبح بإمكان الشخص التواصل مع أهله صوتا وصورة وقرّب المسافات بسبب الثورة التقنية الهائلة، بالاضافة إلى ممارسة الرياضيات وإشغال النفس مع ملاحظة أنه سيعود إلى بيته ومكان عمله بعد رحلة الترفيه، خاصة وأن هناك رعبا من السفر بعد الحوادث التي صارت في عدد من الدول السياحية. وتمنت الخرافي أن تكون أكبر مشكلاتنا ملل شهور الصيف، بالنظر إلى ما يعانيه البعض من مشكلات جذرية وسط ما تعانيه دول الجوار من أحداث ملتهبة، مشددة على ضرورة التخطيط لحياة الشخص فلا يعقل أن يستقيل من عمله ولا يوجد عنده بديل والملل يحدث عندما يجد الشخص نفسه بلا هدف، وهذا ما نلمسه في أن المتقاعد في أول عام بعد التقاعد يريد أن يعود إلى عمله مجدداً.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي