التحالفات ستكون على طريقة «الأوْعية المتّصلة»... وحساباتُها استراتيجية ورئاسية
لمَن تقترع «السنة الإقليمية اللاهِبة» في انتخابات 2018 اللبنانية؟
يوازي التمديدُ زهاء سنة (11 شهراً) للبرلمان الحالي في لبنان، أي لنحو ربع ولاية، في أهمّيته إقرار القانون الجديد للانتخابات الذي نُشر في الجريدة الرسمية. فعلى مدى الفترة الفاصلة عن الموعد الافتراضي للانتخابات في 6 مايو 2018، يمكن أن يتّضح «الخيْط الأبيض من الأسْود» في المعادلة الجديدة التي ستَحكم لبنان انطلاقاً من توازناتٍ تُفرِج عنها صناديق الاقتراع.
وفي الطريق الى انتخابات 2018، المؤجَّلة منذ العام 2013 (بفعل التمديد 3 مرات للبرلمان الحالي)، ستَرتسم ملامح وقائع كثيرة من شأنها أن تصبح الناخب الأهمّ في تحديد الأحجام داخل البرلمان العتيد، وتالياً تشكيل أرجحياتٍ قادرة على الإمساك بمفاتيح السلطة والتأثير على التموْضع الإقليمي للبنان، خصوصاً في ظلّ تَعاظُم الصراع الإيراني - السعودي وتَمدُّده.
ومن الصعب سبْر أغوار التوازنات المحتملة في برلمان 2018 نتيجة «الخلْطة الغامضة» التي ميّزتْ قانون الانتخاب الجديد ذات الطابع «التجريبي». فهو الأوّل القائم على النسبية منذ نحو 90 عاماً، ويقسّم لبنان الى 15 دائرة (متوسطة)، ويَحْصر الصوت التفضيلي في القضاء (الوحدات الإدارية الصغرى)، ويعتمد معايير محدَّدة لتأهيل اللوائح المقفلة واحتساب الفائزين فيها، الأمر الذي يَحرم مراكز الاستطلاع المتخصّصة القدرةَ على التكهّن المسبق بالنتائج المحتمَلة.
هذه التوليفة التي انطوى عليها قانون الانتخاب والغموض الذي يحوط النتائج التي ستَخرج من صناديق الاقتراع، يفسّران الإمرار السلِس للتمديد لنحو سنة للبرلمان الحالي. فالجميع أرادوا «شراء الوقت» لاعتباراتٍ متفاوتة: تقطيعُ سنةِ تحوّلاتٍ لاهبة في المنطقة من غير المستبعد أن يُصيب وهْجها لبنان، رسْم خرائط التحالفات العريضة والموْضعية، ومعاودة صيانة التسوية السياسية لضمان انطلاقةِ العهد بعد تَعثُّره.
ومن غير الجائز الاستهانة بوطأة «سنة إقليمية» من التحوّلات المتحرّكة وارتداداتها على لبنان، لا سيما ان «حزب الله» يشكّل «حبْل السرّة» بين ما سيكون عليه الواقع الداخلي وبين مجريات المواجهة المتعددة الطرف في المنطقة. وبهذا المعنى، يَحضر أكثر من سؤال: أيّ انتخاباتٍ ستكون في ضوء الحرب الأميركية الناعمة على الحزب من بوابة العقوبات المالية، واحتمالات الحرب الطاحنة بينه وبين إسرائيل؟ وهل سيَخرج من سورية كـ «الأسد الجريح» أم أنه سيزداد قوّةً كـ «رقم صعب»؟
وهذه الأسئلة تشكّل «نصْف الصورة»، أما نصْفها الآخر فيتمثّل في المدى الذي يمكن أن تَبلغه خياراتُ الدول المناهِضة لإيران ونفوذها حيال لبنان الذي يتمّ التعامل معه على أنه «مخطوف» من «حزب الله». فهل تكتفي الإدارة الأميركية بـ «الاستثمار» في الجيش اللبناني؟ وهل تَمضي السعودية بإدارة الظهر لتسليم لبنان الرسمي بتنامي نفوذ طهران؟ وماذا عن التوقّعات السابقة بصيفٍ ساخنٍ قد يهبّ من اسرائيل؟
من هنا، فإن التمديد نحو سنة للبرلمان لم يكن استجابةً لحاجاتٍ تقنية، بقدر ما انطوى على الرغبةِ باجتياز حقلِ ألغامٍ يمكن أن تصيب شظاياه لبنان مع دخول المنطقة مرحلة «ما بعد داعش» وانتقالِ الصراع على تقسيم النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران والسعودية وتركيا واسرائيل إلى مستوياتٍ أكثر ضراوة على وهْج «وليمة النار» في الشرق الأوسط.
وفي ظل الانتظار الثقيل لحجم الارتدادات الاقليمية على لبنان، يَنصرف اللاعبون في الداخل إلى رسْم سيناريواتٍ لتحالفاتهم في ضوء القانون الجديد الذي يتمّ التعاطي مع توازناته المحتمَلة على أنها المدخل لحسْم هوية رئيس الجمهورية المقبل خلَفاً للرئيس الحالي العماد ميشال عون، وربما لإحداث تعديلاتٍ في آليات الحُكم كان جاهر «حزب الله» مراراً بالتصميم على انتزاعها بالوسائل الدستورية عبر تشكيل غالبيةٍ برلمانية تتيح معاودة اقتسام «كعكة السلطة».
وفي قراءةٍ استباقية للعلامات الفارقة التي من المرجّح ان تَطبع حركة التحالفات الأشبه بـ «الأوعية المتّصلة» بملاقاة انتخابات 2018، يمكن التوقف عند الآتي:
* «حزب الله» كلاعبٍ رئيسي يعرف ماذا يريد، كان له ما أرادَ حين اشترطَ إقرارَ قانونِ انتخابٍ يقوم على النسبية الكاملة على أن تُمنح ضماناتٌ من داخل تلك النسبية لطمْأنة المتوجّسين. وهو تالياً يريد انتخاباتٍ تَضمن له الفوز بتحالُفٍ برلماني يشكّل هو قاطرته، ما يعني أنه يتّجه لضبْط إيقاعِ معاركه الانتخابية وتحالفاته على النحو الذي يتيح له تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي لاعتباراتٍ داخلية وإقليمية على السواء.
* «تيار المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يتمتّع بأكبر كتلة نيابية في البرلمان الحالي، يَملك القدرة على نسْج تحالفاتٍ واسعة - بفعل انتشارِه العابر للمناطق - الثابتُ فيها تَحالُفه المحسوم مع تيار رئيس الجمهورية (التيار الوطني الحر) في ضوء الشراكة في الحكم، إضافة الى مروحةٍ واسعة من التحالفات، وهو الأمر الذي من شأنه الحدّ من الانطباع الحالي بأن «المستقبل» سيكون عرضة لـ «خسائر موجعة»، باعتبار ان النظام النسبي سيتيح له تعويض الخسائر في بعض الأمكنة بالفوز في أمكنةٍ أخرى.
* «التيار الوطني الحر» برئاسة الوزير جبران باسيل المنخرط في تفاهماتٍ واسعة مع «حزب الله» و«المستقبل» و«القوات اللبنانية»، سيحاول الاستفادة من انتشاره الجغرافي للفوز بكتلةٍ مسيحية وازنة تعبّد الطريق أمام تكريسِ رئيسه كـ «مرشّح أوّل» لخلافة العماد عون في رئاسة الجمهورية بعدما انطوتْ معركة قانون الانتخاب على أبعاد رئاسية علنية.
* حزب «القوات اللبنانية» برئاسة الدكتور سمير جعجع يَطمح لمضاعفةِ عدد كتلته البرلمانية الحالية (8 أعضاء) عبر تحالفاتٍ ثابتة وأخرى موْضعية كونه يَتشارك مع حليفه «التيار الحر» ساحاتِ المواجهة عيْنها، وهو الأمر الذي يَنطوي على حساباتٍ دقيقة، إضافة الى تَحالُفاته مع «المستقبل» وبعض مكوّنات قوى «14 آذار» سابقاً.
* «الحزب التقدمي الاشتراكي» بزعامة النائب وليد جنبلاط يَملك ما يكفي من المرونة لبناء تَحالُفٍ عريض سبق أن اختبره في الجبل رغم «سحابة الصيف» التي تعكّر علاقته حالياً بالحريري، خصوصاً أن أمامه متّسع من الوقت لترميم علاقته بالعهد ورئيسه، ما يفسح المجال لتفاهُماتٍ عريضة تطبع المعركة الانتخابية في الشوف وعاليه.
غير أن المعركة الأكثر حساسية ستكون في الدائرة ذات الغالبية المسيحية في الشمال (زغرتا، بشري، الكورة، البترون) كونها تشكّل حلبة الصراع على الرئاسة بين المرشّحين الثلاثة الذين يتقدّمون السباق الى «القصر»: باسيل، جعجع والنائب سليمان فرنجية. وتالياً فإن الأنظار ستكون في سياق هذه المواجهة مصوَّبة على أصواتٍ مؤثّرة للأقلية المسلمة، السنية التي تدين بالولاء للحريري، والشيعية التي يديرها «حزب الله». ورغم أن من السابق لأوانه الإفاضة في رسْم سيناريواتٍ ترتبط بخريطةِ التحالفات هناك، فإن «رياح الشمال» سيكون من شأنها اختصار كل «العاصفة الانتخابية».
وفي الطريق الى انتخابات 2018، المؤجَّلة منذ العام 2013 (بفعل التمديد 3 مرات للبرلمان الحالي)، ستَرتسم ملامح وقائع كثيرة من شأنها أن تصبح الناخب الأهمّ في تحديد الأحجام داخل البرلمان العتيد، وتالياً تشكيل أرجحياتٍ قادرة على الإمساك بمفاتيح السلطة والتأثير على التموْضع الإقليمي للبنان، خصوصاً في ظلّ تَعاظُم الصراع الإيراني - السعودي وتَمدُّده.
ومن الصعب سبْر أغوار التوازنات المحتملة في برلمان 2018 نتيجة «الخلْطة الغامضة» التي ميّزتْ قانون الانتخاب الجديد ذات الطابع «التجريبي». فهو الأوّل القائم على النسبية منذ نحو 90 عاماً، ويقسّم لبنان الى 15 دائرة (متوسطة)، ويَحْصر الصوت التفضيلي في القضاء (الوحدات الإدارية الصغرى)، ويعتمد معايير محدَّدة لتأهيل اللوائح المقفلة واحتساب الفائزين فيها، الأمر الذي يَحرم مراكز الاستطلاع المتخصّصة القدرةَ على التكهّن المسبق بالنتائج المحتمَلة.
هذه التوليفة التي انطوى عليها قانون الانتخاب والغموض الذي يحوط النتائج التي ستَخرج من صناديق الاقتراع، يفسّران الإمرار السلِس للتمديد لنحو سنة للبرلمان الحالي. فالجميع أرادوا «شراء الوقت» لاعتباراتٍ متفاوتة: تقطيعُ سنةِ تحوّلاتٍ لاهبة في المنطقة من غير المستبعد أن يُصيب وهْجها لبنان، رسْم خرائط التحالفات العريضة والموْضعية، ومعاودة صيانة التسوية السياسية لضمان انطلاقةِ العهد بعد تَعثُّره.
ومن غير الجائز الاستهانة بوطأة «سنة إقليمية» من التحوّلات المتحرّكة وارتداداتها على لبنان، لا سيما ان «حزب الله» يشكّل «حبْل السرّة» بين ما سيكون عليه الواقع الداخلي وبين مجريات المواجهة المتعددة الطرف في المنطقة. وبهذا المعنى، يَحضر أكثر من سؤال: أيّ انتخاباتٍ ستكون في ضوء الحرب الأميركية الناعمة على الحزب من بوابة العقوبات المالية، واحتمالات الحرب الطاحنة بينه وبين إسرائيل؟ وهل سيَخرج من سورية كـ «الأسد الجريح» أم أنه سيزداد قوّةً كـ «رقم صعب»؟
وهذه الأسئلة تشكّل «نصْف الصورة»، أما نصْفها الآخر فيتمثّل في المدى الذي يمكن أن تَبلغه خياراتُ الدول المناهِضة لإيران ونفوذها حيال لبنان الذي يتمّ التعامل معه على أنه «مخطوف» من «حزب الله». فهل تكتفي الإدارة الأميركية بـ «الاستثمار» في الجيش اللبناني؟ وهل تَمضي السعودية بإدارة الظهر لتسليم لبنان الرسمي بتنامي نفوذ طهران؟ وماذا عن التوقّعات السابقة بصيفٍ ساخنٍ قد يهبّ من اسرائيل؟
من هنا، فإن التمديد نحو سنة للبرلمان لم يكن استجابةً لحاجاتٍ تقنية، بقدر ما انطوى على الرغبةِ باجتياز حقلِ ألغامٍ يمكن أن تصيب شظاياه لبنان مع دخول المنطقة مرحلة «ما بعد داعش» وانتقالِ الصراع على تقسيم النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران والسعودية وتركيا واسرائيل إلى مستوياتٍ أكثر ضراوة على وهْج «وليمة النار» في الشرق الأوسط.
وفي ظل الانتظار الثقيل لحجم الارتدادات الاقليمية على لبنان، يَنصرف اللاعبون في الداخل إلى رسْم سيناريواتٍ لتحالفاتهم في ضوء القانون الجديد الذي يتمّ التعاطي مع توازناته المحتمَلة على أنها المدخل لحسْم هوية رئيس الجمهورية المقبل خلَفاً للرئيس الحالي العماد ميشال عون، وربما لإحداث تعديلاتٍ في آليات الحُكم كان جاهر «حزب الله» مراراً بالتصميم على انتزاعها بالوسائل الدستورية عبر تشكيل غالبيةٍ برلمانية تتيح معاودة اقتسام «كعكة السلطة».
وفي قراءةٍ استباقية للعلامات الفارقة التي من المرجّح ان تَطبع حركة التحالفات الأشبه بـ «الأوعية المتّصلة» بملاقاة انتخابات 2018، يمكن التوقف عند الآتي:
* «حزب الله» كلاعبٍ رئيسي يعرف ماذا يريد، كان له ما أرادَ حين اشترطَ إقرارَ قانونِ انتخابٍ يقوم على النسبية الكاملة على أن تُمنح ضماناتٌ من داخل تلك النسبية لطمْأنة المتوجّسين. وهو تالياً يريد انتخاباتٍ تَضمن له الفوز بتحالُفٍ برلماني يشكّل هو قاطرته، ما يعني أنه يتّجه لضبْط إيقاعِ معاركه الانتخابية وتحالفاته على النحو الذي يتيح له تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي لاعتباراتٍ داخلية وإقليمية على السواء.
* «تيار المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يتمتّع بأكبر كتلة نيابية في البرلمان الحالي، يَملك القدرة على نسْج تحالفاتٍ واسعة - بفعل انتشارِه العابر للمناطق - الثابتُ فيها تَحالُفه المحسوم مع تيار رئيس الجمهورية (التيار الوطني الحر) في ضوء الشراكة في الحكم، إضافة الى مروحةٍ واسعة من التحالفات، وهو الأمر الذي من شأنه الحدّ من الانطباع الحالي بأن «المستقبل» سيكون عرضة لـ «خسائر موجعة»، باعتبار ان النظام النسبي سيتيح له تعويض الخسائر في بعض الأمكنة بالفوز في أمكنةٍ أخرى.
* «التيار الوطني الحر» برئاسة الوزير جبران باسيل المنخرط في تفاهماتٍ واسعة مع «حزب الله» و«المستقبل» و«القوات اللبنانية»، سيحاول الاستفادة من انتشاره الجغرافي للفوز بكتلةٍ مسيحية وازنة تعبّد الطريق أمام تكريسِ رئيسه كـ «مرشّح أوّل» لخلافة العماد عون في رئاسة الجمهورية بعدما انطوتْ معركة قانون الانتخاب على أبعاد رئاسية علنية.
* حزب «القوات اللبنانية» برئاسة الدكتور سمير جعجع يَطمح لمضاعفةِ عدد كتلته البرلمانية الحالية (8 أعضاء) عبر تحالفاتٍ ثابتة وأخرى موْضعية كونه يَتشارك مع حليفه «التيار الحر» ساحاتِ المواجهة عيْنها، وهو الأمر الذي يَنطوي على حساباتٍ دقيقة، إضافة الى تَحالُفاته مع «المستقبل» وبعض مكوّنات قوى «14 آذار» سابقاً.
* «الحزب التقدمي الاشتراكي» بزعامة النائب وليد جنبلاط يَملك ما يكفي من المرونة لبناء تَحالُفٍ عريض سبق أن اختبره في الجبل رغم «سحابة الصيف» التي تعكّر علاقته حالياً بالحريري، خصوصاً أن أمامه متّسع من الوقت لترميم علاقته بالعهد ورئيسه، ما يفسح المجال لتفاهُماتٍ عريضة تطبع المعركة الانتخابية في الشوف وعاليه.
غير أن المعركة الأكثر حساسية ستكون في الدائرة ذات الغالبية المسيحية في الشمال (زغرتا، بشري، الكورة، البترون) كونها تشكّل حلبة الصراع على الرئاسة بين المرشّحين الثلاثة الذين يتقدّمون السباق الى «القصر»: باسيل، جعجع والنائب سليمان فرنجية. وتالياً فإن الأنظار ستكون في سياق هذه المواجهة مصوَّبة على أصواتٍ مؤثّرة للأقلية المسلمة، السنية التي تدين بالولاء للحريري، والشيعية التي يديرها «حزب الله». ورغم أن من السابق لأوانه الإفاضة في رسْم سيناريواتٍ ترتبط بخريطةِ التحالفات هناك، فإن «رياح الشمال» سيكون من شأنها اختصار كل «العاصفة الانتخابية».