بما أن أحداً في لبنان لا يريد نظاماً انتخابياً اندماجياً صاهِراً للمناطق والمكوّنات، وبما أن الجميع يتحدّث علناً عن الوحدة ورفْضِ الانقسام ويعمل سراً لتكريسِ نفوذه الطائفي على السياسة والأهل والبيئات الحاضنة، وبما أن المبرّرات الشرعية الفعلية لبقاء المسؤولين في مناصبهم هي القاعدة المذهبية... لذلك نقترح من بابِ الانسجام مع النفس نظاماً انتخابياً يَعكس طبيعة المرحلة.
أولاً، تُقسم الدوائر الانتخابية اللبنانية بما أمكن نسبياً بحسب حجم الطوائف والمذاهب، من دون الحاجة حتى إلى تَرابُطٍ جغرافي. فإبن كسروان المُسْلِم يمكن أن يَنتخب ابن صيدا المُسْلِم وليس ابن كسروان المسيحي، وكذلك الأمر بالنسبة للمسيحي في صيدا الذي يستطيع انتخاب مسيحي في البترون ولا يمكنه انتخاب مُسْلِم في صيدا.
ثانياً، يُنهي هذا النظام تماماً أيّ علاقةٍ للمستقلّين أو الليبراليين والعلمانيين وجماعاتِ المواطنة والمجتمع المدني بالانتخابات، ويَعتبر دورهم أو تحرّكاتهم أو تصريحاتهم وتلميحاتهم تشويشاً على الإنجازِ التسْووي التاريخي بين مكوّنات لبنان... وتُكلَّف القوى الأمنية اللبنانية وحدها مهمة ردْع هؤلاء عن تخريبِ الانتخابات، مع إمكانية الاستعانة بقوّةِ الأمر الواقع إن خرجتْ الأمور عن السيطرة.
ثالثاً، يتم الاتفاق بين القوى السياسية الموجودة في السلطة اليوم بعد تقسيم الدوائر طائفياً ومذهبياً، على المحاصصة العددية ومن ثم المحاصصة السياسية، أي تقسيم العدد على القوى الحاكمة داخل الطوائف.
رابعاً، تتفق القوى المذهبية على نزْع القناع السياسي خدمةً للمشروع الانتخابي الجديد، وتخوض الانتخابات بوجوهها النقية الخالية من أدواتِ التنكر. فيكون هناك ممثّلٌ للشيعي المؤمَن بولاية الفقيه، ولآخرٍ مؤمن بمرجعية النجف، مع أعداد قليلة متفرّقة لمقلّدي مَراجع محترمين ولهم بَصْمتهم الفكرية. كما يُترك مقعدٌ لـ «الأهالي»، وهؤلاء من الأنصار الذين ما توانوا يوماً عن خدمةِ مشروع الممانعة مثل التظاهر أمام مَقَرِّ «يونيفيل» في جنوب لبنان، وكذلك مقعدٌ للعشائر والعائلات التي أقفلتْ مثلاً طريق المطار مراتٍ عدة من دون أيّ توجيه.
وتحت هذا البند أيضاً، يَختار السنّة مرشحيهم على أساسٍ مذهبي، فالغالبية من الشوافع وتُترك مقاعد للحنفيين والحنبليين. وبما أن هذا القانون يلغي ما قبله والالتزام ببنيته أكثر من مُلزِم، يتم تخيير الحركات السنية التي تديرها الممانعة، فإما أن تَترك الشعارات القومية والناصرية والعلمائية وتَنخرط في انتخاباتٍ مذهبية على أن تتلقى هي الجزية (من المال النظيف) بدل أن تَدفعها، وإما أن تغيّر مذهبها وتخوض الانتخابات بغطاءٍ مذهبي آخر انسجاماً مع الدور الذي تؤديه. بمعنى آخر، إذا أَحبّ «الزعيم» شاكر البرجاوي خوْض الانتخابات، فليفعل إنما ضمن لائحةِ الشافعية لا «حركة 6 شباط» أو يغيّر مَذْهَبَه ويخوضها على أساس الوليّ الفقيه أو مرجعية النجف مثلاً. وهنا أيضاً يُترك مقعدٌ لأتباع السلف الصالح وآخرٌ لـ «الإخوان» وثالثٌ لأصحاب الطرق الصوفية، مع تجريمِ دخول أيٍّ من معتنقي فكر «داعش» أو «القاعدة» الانتخابات حرصاً على تنقية التجربة من التطرّف.
والأمر نفسه يسري على الموارنة والروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، والأرمن الأرثوذكس، والأرمن الكاثوليك، والسريان الأرثوذكس والكاثوليك، واللاتين والانجيليين والأقباط الأرثوذكس والأقباط الكاثوليك. أما مَن غيّروا مَذهبهم لدواعٍ اجتماعية مثل الطلاق او الزواج، فيتمّ إحصاؤهم وتخصيص مقعدٍ لهم من باب توخي العدالة حتى لا يزيد أو يَنقص عددهم من هذا المذهب او ذاك.
الدروز يَنتخبون ممثليهم إلى الأمة مع مراعاةِ التقسيمات التاريخية عائلياّ ومناطقياّ، أما الأقليات مثل العلويين والاسماعيليين والأشوريين والكلدان، فيتمّ إلحاقهم بمذاهب أكبر أو تُخصَّص لهم مقاعد بحسب أحجامهم في الخريطة الجديدة.
خامساً، أول جلسةٍ لمجلس النواب الجديد تقرّ مبدأ حصْر كل السلطات في البلد والوظائف من أي درجةٍ كانت بممثّلي «الأمة»، وتلغي تماماً مبدأ الغالبية والأقلية والموالاة والمعارضة، ويتولّى المجلس والحكومة المنبثقة عنه التنسيق مع السفارات الأجنبية في لبنان لتسهيل هجرة اللبنانيين الرافضين للنظام الجديد.
سادساً، تكون مهمة المجلس الجديد الرئيسية إقرار الفيديرالية بين المكوّنات اللبنانية أو بين أجزاء منها، ومن ثم إحداث تغييراتٍ ديموغرافية لتسهيل عملية الانتخابات المقبلة وصولاً الى دستورٍ جديد يَلحظ التحولات المناطقية والبشرية... وعَلَم جديد مليء بسيوفٍ وصلبانٍ وهلالاتٍ ونجومٍ تعبّر عن الولايات اللبنانية المتّحدة.