... عن «الحيوان» الذي فجّر القافلة

تصغير
تكبير
ليس إنساناً مَن فجّر نفسَه بقافلةِ المدنيين المنتقلين من الفوعة وكفريا... ليس ثائراً وليس مناضلاً. لم تَعُد حتى صفة الإجرام تستقيم مع ما يحدث في سورية سواء أتتْ من نظام الكيماوي والبراميل أو من «النظام الظلّ» الذي جرى تأسيسه بعقليةٍ شيطانيةٍ متفوّقةٍ كي تبقى الصورةُ الأساسية مقبولةً على بشاعتها وحقارتها.

أما توقيتُ التفجير، فقصةُ القصص. العالم كله مصدومٌ بمجزرة خان شيخون. توماهوك حرَق الشعيرات، وترامب يصف الأسد بـ «الحيوان» و«الجزّار» ويدعو إلى إطاحته، والدول التي هادنتْ بشار كنجمةٍ في هلال الممانعة صارتْ أولوياتها تأسيس مسارٍ مزدوجٍ لتغيير النظام السوري ودحْر الإرهاب في الوقت نفسه كونها أدركتْ كيف يتغذيان من بعضهما البعض... يأتي هنا مَن يضرب باصاتِ مدنيين فيها أطفال ونساء وكهول ليُثبِت للعالم ما جاء على لسان بشار في مقابلته الأخيرة من أن الضربة الأميركية ستغذي نزعة الإرهاب.


دائماً كانت العِبرة في التوقيت. بعد توماهوك، ضرَبَ الإرهاب في السويد وفي مصر وقرب حلب. وكأن المتطرّفين الانغماسيين المنتحِرين المجانين يعملون بـ «ريموت كونترول» موجَّهٍ من جهةٍ ما تحت شعارٍ أرادوا ان يقنعوا العالم به اسمه «الذئاب المنفردة». حسناً، لماذا لا تتحرّك هذه الذئاب (والذئب من فصيلة الحيوانات بالمناسبة) بشكلٍ منفردٍ إلا في التوقيت الذي يَخْدُم الممانعة؟

تبسيطٌ هو القول ان الإرهاب «فبركةُ» نظامٍ بعيْنه مئة في المئة. طبعاً له قاعدته الاجتماعية الفكرية المريضة وحيثياته المتخلّفة وأسبابه الذاتية والسياسات العالمية والمصالح الاستخباراتية. الشرق الأوسط مناخٌ مناسِبٌ للتطرّف وبيئةٌ خصبةٌ للجنون، منذ النكبة وقيام أوّل كيانٍ إجرامي مدعوماً بانحيازِ العالم له وظلْم غيره. لكن ما نراه مع «داعش» و«القاعدة» يشبه (ولو رمزياً) بعض «الحركات الثورية» التي بدأتْ بشعاراتٍ كبيرة ثم تحوّلتْ الى «بنادق للإيجار» لدى هذا النظام أو ذاك. لم يكن الفلسطيني مثلاً في جماعة أبي نضال عندما يَقتل قياديين في «فتح» أو يفجّر مبنى على مَن فيه يعرف أنه يرتكب خطأً، بل كان «واجباً مقدّساً»، لأن معلّمه أَوْهمه أن طريق القدس تعبّدتْ أكثر بهذا العمل، أما معلّمه فكان ينفّذ بالوكالة هدفاً عراقياً أو ليبياً أو سورياً وحتى إسرائيلياً (كما اتّضح لاحقاً) لتعطيل مبادرةٍ هنا او تَقارُبٍ هناك. ثم انتهى أبو نضال منتحِراً برصاصاتِ طاهر الحبوش مدير الاستخبارات العراقية قبل بدء الحرب على بغداد.

الإرهابُ إرهاب، والإجرامُ إجرام، والضحايا ضحايا... وكائناً مَن كان مُرْتَكِب التفجير فهو إرهابي ومجرم، لأنه استهدف باصاً يقلّ مدنيين ينتقلون من مكانٍ إلى آخر بموجب معاهدةٍ وضمانة، وكان يمكن أن يَتسبّب بعملٍ انتقامي مماثل لأهالي مضايا والزبداني القابعين في الباصات مُنْتَظِرين فتْح الطريق وإتمام الاتفاق. وعلى المعارضة السورية أن تَرْفع الصوت وتعلن انها ابتُليت بـ «نظام الظلّ» المكوّنِ من آلاف المتطرّفين المحليين والمهاجرين الموجّهين عن بُعد والخادمين لـ «أمراء» ستكشف الأيام أنهم عبيدٌ لهذه الجهة أو تلك.

ضرْب قافلة الفوعة وكفريا يدعم فكرة بشار أن البديل عنه هو أمراء الفصائل المتطرّفة، وأن ما ينتظر سورية من بعده أسوأ مما حصل في ليبيا، وأن ضمانة آل الأسد لاسرائيل منذ 1973 قد تختفي إن خرج من السلطة، وأن بقاء نظام الممانعة - على أشواكه - أفضل للعالم من سقوط المنطقة بيد «داعش» و«القاعدة» وأخواتهما... لكن خضوع العالم لهذا الابتزاز (على واقعيّته)، يعني أن «الحيْونة» لم تَعُدْ تقتصر لا على مُجْرِمِ «المُهاجِرين» ولا على «المُهاجِرِ» المُجْرِم مُفَجِّر نفسه بالمدنيين.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي