لبنان العائد لـ «الرقص على الحبل المشدود» يجرْجر أزماته على وقع «عواصف المنطقة»

تصغير
تكبير
«تَقدُّمٌ الى الخلف» في قانون الانتخاب واحتجاجاتٌ تُلاقي «الموازنة الصعبة»

بري يلوّح بفزاعة إمكان التمديد للبرلمان الحالي كـ «أبغض الحلال» تجنُّباً للفراغ
عاد لبنان لـ «الرقص فوق الحبل المشدود»، فالمسار السياسي الداخلي، الذي بدا ممسوكاً حين أُفرج عن تسويةٍ لمعاودة تعويم المؤسسات الدستورية قبل نحو أربعة اشهر، يتجه الآن نحو احتمالاتٍ غامضة تحت وطأة الصراع على «الإمرة» في البرلمان المقبل. أما المدار الخارجي الذي يحوط بلبنان، فعاود استحضار شبح حربٍ على طريقة «يا قاتل يا مقتول» بين اسرائيل و«حزب الله» في لحظةِ احتدام المواجهة الأميركية - الإيرانية والمساعي لترسيم مناطق النفوذ في الساحات الاقليمية المشتعلة.

ورغم الايحاءات في بيروت حيال القدرة على عزْل المساريْن الداخلي والخارجي لضمان حماية التسوية السياسية في البلاد ومندرجاتها من وهج الصراع الاقليمي - الدولي المتعاظِم في المنطقة، فان الوقائع تشي باستحالة الخروج من دائرة «الأوعية المتصلة» بين ما يجري في الإقليم وما يمكن ان يحدث في لبنان. وليس أدلّ على ذلك من تَزايُد الحديث أخيراً عن الحرب وسلاح «حزب الله» والعلاقات الخارجية والموقف مما يجري في سورية، بالتوازي مع قضايا داخلية كقانون الانتخاب والموازنة وسلسلة الرتب والرواتب.


وثمة مخاوف في هذا السياق من «التقدم نحو الخلف» في مقاربة الاستحقاقات الداخلية في لبنان. فرغم مضيّ نحو أربعة أشهر على العهد الجديد، الذي تعاظمتْ الآمال بتحقيقه وثبة نوعية، كانت بيروت امس مسرحاً لاعتصامات وتظاهرات احتجاجية للحركة النقابية التي تطالب بتضمين الموازنة الجديدة سلسلة الرتب والرواتب، وهي الموازنة المعلَّقة منذ نحو عقد من الزمن وتواجه إقرارها في مجلس الوزراء، الذي يعقد اجتماعات اسبوعية لمناقشتها، تعقيدات مالية وسياسية لا يستهان بها.

أما الأكثر دلالة على السير «خطوة الى الأمام خطوتين الى الوراء»، فيتمثل في المصير البائس للانتخابات النيابية التي كانت مقرَّرة في مايو المقبل وتكاد ان تصبح في «مهبّ الريح» بعدما جرى إطلاق رصاصة الرحمة على قانون الانتخاب النافذ من دون الاتفاق على قانون بديل نتيجة صراعٍ يشبه «القتال بالسلاح الأبيض» بين القوى السياسية الطائفية لتعليب صيغٍ لقانونٍ يحسم نتائج الانتخابات قبل حصولها ويضمن الغالبية لهذا التحالف او ذاك في سياق لعبةِ تحديد الأحجام في السلطة وتحديد الموقع الاقليمي للبنان.

واللافت في هذا الإطار ان الاستحقاق النيابي والتفاهم الصعب حول آليات بلوغه، أصبح محكوماً بـ«توازن رعب» بعدما سقط خط الدفاع الأول عنه بـ«تعليق» مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، الذي كان يفترض صدوره في 21 الجاري... فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي قاد حملة «تحريم» القانون النافذ (قانون الستين) ونجح في الإجهاز عليه، يَستخدم فزاعة الفراغ في السلطة التشريعية لحضّ القوى السياسية على الاتفاق على قانون جديد للانتخاب، أما رئيس البرلمان نبيه بري فيلوّح بفزاعة إمكان التمديد للبرلمان الحالي كـ «أبغض الحلال» تجنُّباً للفراغ وضغطاً على اللاعبين للتفاهم على قانون جديد.

غير انه رغم الضغوط بـ «الفراغ والتمديد» وتآكُل المهل القانونية، فإن لعبة الفيتوات المتبادلة على المشاريع المطروحة ما زالت على أشدّها، الأمر الذي أسقط في الجولة الأخيرة من «القتال بالصيغ» الاقتراحيْن الأكثر تداولاً، اي التأهيلي والمختلط وهما من «هنْدسة» رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل بعدما لم يَتأمّن توافُق حولهما، الأمر الذي يعيد الى دائرة الضوء مشاريع من نوع آخر، كتلك القائمة على النسبية مع تقسيم لبنان الى 13 دائرة انتخابية او اكثر، او على نسبيه كاملة مع جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة.

ورأت اوساط مراقبة في بيروت ان الاستحقاق الانتخابي سيتجه نحو أحد خياريْن في نهاية المطاف، إما أزمة دستورية - سياسية نتيجة عدم الاتفاق على قانون انتخاب جديد لم يتم التفاهم في شأنه على مدى ثمانية اعوام، ما يضمر دفْع البلاد نحو مأزق كبير قد يكون أقصر الطرق لمعاودة النظر بالتوازنات التي أرساها اتفاق الطائف، وإما انصياع الجميع لقانون يقوم على النسبية الكاملة يريده «حزب الله»، المايسترو الأكثر قدرة على التحكم بمسار المنعطفات في البلاد.

ومن غير المستبعد في هذا السياق ان يكون «تعليق» الاتفاق على قانون جديد للانتخاب ينطوي على رغبة اللاعبين الرئيسيين في انتظار ما ستؤول اليه التحولات الدراماتيكية في المنطقة مع اشتداد المواجهة الاميركية - الايرانية والسعي الروسي للدفع بالملف السوري الى طاولة التفاوض وما شابَه من حراكٍ عسكري ديبلوماسي متسارع في ساحات الشرق الاوسط.

ولفتت في هذا الإطار الحركة الاميركية في اتجاه لبنان مع المباحثات التي أجراها رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس روبرت كوركر جونيور مع كبار المسؤولين، وفي مقدمهم الرئيس عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، في الوقت الذي يُنتظر وصول قائد المنطقة المركزية في الجيش الاميركي جوزف فوتيل في السابع والعشرين من الجاري، وسط اهتمام واشنطن بالواقع اللبناني من زاويتين: التسوية التي أفضت الى تعويم المؤسسات الدستورية، وتعزيز قدرات الجيش اللبناني في اطار مواجهة الارهاب.

وذكرت التقارير في بيروت ان كوركر الذي تمنى للرئيس عون التوفيق في مسؤولياته الوطنية، كرّر على مسامع رئيس الجمهورية «التزام الولايات المتحدة مساعدة لبنان في المجالات كافة، وخصوصاً دعم الجيش والقوى الأمنية ووحدة الاراضي اللبنانية وسلامتها»، مستفسراً عن موقف العهد الجديد من القضايا التقليدية التي تهمّ الإدارة الاميركية في لبنان والمنطقة.

وتحدّثت المعلومات عن ان الرئيس عون أبدى حرصه امام الديبلوماسي الاميركي على استمرار العلاقات الثنائية بين بيروت وواشنطن والتعاون لصون استقرار لبنان، معرباً عن امله بـ «ان يستمرّ الدعم الاميركي للجيش اللبناني عدة وعتاداً حتى يصبح قادراً لوحده على الدفاع عن لبنان وخصوصاً انه لا يوجد راهناً اي توازن بين قدرات الجيش اللبناني وقدرات جيوش الدول المحيطة بلبنان».

ولم يغب الاهتمام بالحاجة الى تعزيز قدرات الجيش اللبناني عن اللقاء الذي جمع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مع «صديقه» الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في باريس حيث كُشف عن انه تناول «اهمية استقرار لبنان وأهمية الصفقة السعودية - الفرنسية لدعم الجيش اللبناني (هبة الـ 3 مليارات السعودية المجمدة حالياً).

وفي حوار مع قناة «فرانس - 24» قال جنبلاط: «لا نريد من الرئيس الاميركي دونالد ترامب ان يخلصنا من حزب الله، وربما هناك تفاوت في وجهات النظر بيننا وبين الحزب، لكن نستطيع التفاهم بالحوار»، مضيفاً: «كان موقفنا في الاساس في ما يسمى الخطة الدفاعية انه لا بد يوماً من التفاهم مع حزب الله على استيعاب سلاحه في منظومة الجيش اللبناني».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي