هل زوّدتْ روسيا «حزب الله» بسلاحٍ أَقلقَ إسرائيل؟

تصغير
تكبير
أعربتْ إسرائيل عن قلقها من حصول «حزب الله» اللبناني على أسلحةٍ متطوّرة من روسيا لوجودهما معاً في خندقٍ واحد في سورية... فهل هذا القلق حقيقي؟

وَجَدَ سوق السلاح الدولي طريقه الى جميع المتحاربين في سورية. ففي ساحاتها وعلى جبهاتها أسلحة أميركية متطوّرة وفرنسية وكرواتية وروسية وسواها وصلتْ الى سورية من أطراف اقليمية ودولية متعددة سلّحت المعارضة، فكانت الطائرات تحطّ في تركيا كل يومين محمّلة بالسلاح، وكذلك أَدخلتْ أميركا والاردن أسلحة للمعارضة من الجنوب السوري. وقد وُجدتْ أسلحة اسرائيلية الصنع بيد المعارضة والجهاديين في جنوب سورية في الوقت الذي لم تتوقف الطائرات الايرانية منذ العام 1982 وحتى اليوم عن إنزال حمولتها العسكرية في سورية لتسليح «حزب الله» اللبناني، حليفها الأول في منطقة الشرق الاوسط.

ونجد اليوم تنظيمات مثل «الدولة الاسلامية» (داعش) تملك أحدث الأسلحة الأميركية التي غنمتها في العراق منذ العام 2014، وكذلك نرى سلاح الـ «تاو» الفتّاك المضاد للدبابات (والأفراد على ما يبدو) والمتطور قد وصل الى ايدي «القاعدة» في سورية بعدما زَوّدت به أميركا تنظيمات المعارضة السورية التي شاركت أسلحتها مع «القاعدة» او صادرت هذه الأخيرة مخازن «المعتدلين» في الشمال السوري.

أما أسلحة «حزب الله» الفتّاكة التي استُخدمت في سورية، فتمثلت بـ «الكورنيت» المضاد للدبابات الذي استعمله وحصل عليه الحزب منذ العام 2006 وكان السبب بما عُرف في حرب الـ 31 يوماً بـ «مقبرة دبابات الميركافا». ويَستخدم حزب الله صواريخ «بركان» التي تستطيع ان تحمل اكثر من 300 كيلوغرام من المتفجرات منذ معركة القصير العام 2013، الا ان هذا الصاروخ قصير المدى وغير دقيق، ما دفع الحزب الى تطويره بنفسه في سورية ولبنان لجعله أكثر فاعلية في حرب المدن وتدمير المواقع المحصّنة القريبة. وكذلك استخدم العبوات المشتركة وطوّرها، إلا ان هذا السلاح كان وما زال يُستخدم من جميع التنظيمات منذ افغانستان العام 1979 الى العراق 2003 الى حروب «حزب الله» واسرائيل منذ 1985 وحتى يومنا هذا.

واستفاد «حزب الله» من أجهزة الاستشعار التي تحدد أمكنة وجود القنّاصة التي أحضرتها روسيا معها الى سورية، وهو مجرد سلاح تكتيكي لا يغيّر في معادلة الصراع مع اسرائيل.

اما توازن الرعب الذي يملكه الحزب، فهو مكوّن من عشرات الآلاف (اسرائيل تقول ان الرقم يتعدى 150 ألفاً) من الصواريخ القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى التي نشرها على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية والحدود اللبنانية - السورية والسلسلة الشرقية التي تشكّل أفضل ملجأ للصواريخ الاستراتيجية التي يملكها الحزب (M600 والفاتح 110 المتطوّر) والتي زوّدته بها طهران منذ 2006 ولغاية اليوم.

ولم يصرّح «حزب الله» يوماً عن امتلاكه صواريخ «ياخونت» سطح - سطح التي سلّمتها روسيا الى سورية وكذلك منظومة الدفاع الجوي من طراز «بانتسير»، انطلاقاً من سياسة التكتم التي يتبعها الحزب منذ وجوده وعدم الكشف عما يملك من قدرات عسكرية. وتالياً فان سورية وليست روسيا هي مصدر السلاح الذي يصل الى الحزب، إن كان عن طريق ايران او من المخازن السورية نفسها، تماماً كما حصل العام 2006 عندما فتح الرئيس السوري بشار الأسد مخازنه ليدعم «حزب الله» في حربه الثانية ضد اسرائيل. فروسيا تملك حاملة الطائرات والطائرات وصواريخ «كاليبر»، وهذه أكثر ما استخدمته في سورية ولا يستطيع «حزب الله» الافادة من تلك الاسلحة.

ويَعتبر المراقبون ان الصراخ الاسرائيلي يهدف لإحراج روسيا كي لا تستهتر بأي وسيلة قتالية ترسلها موسكو الى سورية. الا ان السلاح الروسي لدمشق تحكمه الاتفاقات الدولية الموقّعة بين البلدين بموجب اتفاقية الدفاع المشتركة. الا ان اللافت في الأمر هو تصريح وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الذي طلب من واشنطن «الاعتراف بدور حزب الله في محاربة الإرهاب في سورية». وهذا الموقف يعطي حصانة دولية للحزب أُتبعتْ بحصانةٍ داخلية تمثلت في تصريح رئيس الجمهورية اللبناني العماد ميشال عون الذي أقرّ «بدور حزب الله في محاربة اسرائيل لعدم قدرة الجيش اللبناني على ذلك».

ويملك «حزب الله» أسلحة رفضت الادارة الأميركية والمجتمع الدولي تزويد الجيش اللبناني بها. وكذلك يعمل الحزب من خلال خلايا وقيادة سرية، وهو يتمتع بحركة سريعة لا يملكها الجيش اللبناني المعرّض للقضاء على قيادته في وزارة الدفاع ونقاطه المنتشرة علناً على الأراضي اللبنانية خلال الساعات الاولى من اي اشتباك مع اسرائيل لامتلاكها التفوق الجوي، بعكس «حزب الله» الذي يتمتّع بسرعة الحركة والخفاء في العمل العسكري على النحو الذي لا يمكن مقارنته مع اي جيشٍ كلاسيكي.

وقد دفع «حزب الله» ثمن الحرب السورية (التي ما زالت دائرة ولن تتوقف قريباً) فقط ليحافظ على مكتسبات كان يتمتّع بها قبل العام 2011 عندما بدأتْ الحرب السورية. وتُقدّر خسائر الحزب البشرية بنحو 1600 قتيل وأكثر من 8000 جريح ليبقي على حليف غير معادٍ (سورية) وطريق إمداد السلاح لقواته. إلا ان خبرته في القتال في الأمكنة المفتوحة وفي حرب المدن أعطت قواته ثقةً قتالية وتَمرُّساً بالأسلحة الفتاكة التي تحاكي مسرح عمليات متنوعاً لم تَخْبره في أي موقع او معركة سابقة مع اسرائيل.

وفي أمكنةٍ متفرقة في سورية، تفوّقت قوات النخبة لحزب الله المعروفة «بقوات الرضوان» على الوحدات الخاصة الإيرانية، وكذلك القوات الرديفة، في مجابهة خصومهم الأشداء وأصحاب العقيدة التي تفوق اي عقيدة يتمتع بها الجيش الاسرائيلي، مما يزيد من خطر «حزب الله» على اسرائيل في اي حربٍ مستقبلية مستبعَدة. واللافت في هذا السياق ان قوات الحزب أخذت العِبر وتعلّمت الدروس من خلال لجان عسكرية ومقابلات تجريها وحدة خاصة ملاصقة للقوات المحاربة للمشاركة بالخبرة مع الوحدات الأخرى وكذلك مع الوحدات الصديقة.

وأكثر ما تعلّمه قادة «حزب الله» وأفراده في معاركهم مع «داعش» و«القاعدة»، هو ان الانسحاب من المواقع لا يشكل خطوة تُصنَّف بالجبن (كما كان الحال ايام حرب 2006) بل انها خطوة مساعِدة لمعاودة التقويم وحفظ العناصر البشرية وعدم الدخول في معارك خاسرة، إلا اذا دعت الحاجة للتثبت في مواقع استراتيجية.

وتعلّم الحزب التقدم امام تمهيدٍ ناري من طائراتٍ مقاتلة (روسية وسورية) وهو ما لم يخبره من قبل، كما اصطدم مع قوات معادية له يقرّ ببأسها وقوتها وثباتها وصعوبة التغلب عليها ولا سيما انها لا تأبه بالخسائر البشرية، ليُدخِل تحديثات على تدريبه لوحداته الخاصة ليستطيع كل فرد الصمود أمام جحافل الخصم والتعامل معه عن بُعد وعن قُرب.

ومما لا شك فيه ان «حزب الله» الـ 2006 بعتاده وأسلحته وخبرته لن يكون ابداً مثل «حزب الله» 2017 و2018، مما سيجبر اسرائيل على التفكير ملياً قبل الإقدام على أيّ مغامرة عسكرية مستقبلية ضد لبنان.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي