رأي «الراي» / مستر ترامب نحن نرفع رأسنا بالإسلام

تصغير
تكبير
منذ بداية الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب دونالد ترامب والإسلام كدين يشكّل مادة جذب واستقطاب وجدال وتأزيم. كان المرشح الرئاسي الأميركي الأول الذي وعد بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، في واحدة من أكثر الشعارات عنصرية على مستوى العالم.

قال كثيرون إن الموضوع انتخابي وسينتهي مع نهاية الانتخابات، وإن «الرئيس» ترامب هو غير «المرشح» ترامب... إنما غاب عن المبررين أن البذرة عندما تغرس في الرأي العام من قبل مَن يفترض أنه سيقود الأمة الأميركية يصعب ألا تجد من يرويها ويسهر على رعايتها كي تينع وتزدهر وتنتشر.


من هنا، بدأ المشهد الأميركي «الترامبي» مُركّزاً على الإسلام، استهل وزير الخارجية الأميركي الجديد ريكس تليرسون تصريحاته بإضافة حزب سياسي مثل «الإخوان المسلمين» إلى التنظيمات الإرهابية مثل «القاعدة» و«داعش»، وصارت عبارة «الإسلام المتطرف» الخبز اليومي للسيناتور تيد كروز، وقبل ذلك وبعده، وضعت أميركا جمعيات خيرية إسلامية مشهود لها بالخير والإغاثة والمساعدات الإنسانية على لوائح العقوبات بتهمة تمويل الإرهاب.

وعلى رغم أن من ضاقت به الرؤية من بعض العرب يطرب للنهج الأميركي الجديد ويخلط عمداً بين الجوهر وبعض الممارسات، إلا أننا لا بد من إعادة تأكيد الثوابت والمبادئ.

لا يوجد شيء اسمه «إسلام متطرف» لا في الشكل ولا في المضمون. الإسلام دين الرحمة والعدل والإنسانية. فاتحته «بسم الله الرحمن الرحيم»، وعقيدته التسامح والغفران، ورسوله الكريم أرسل «رحمة للعالمين». الإسلام دين الحداثة والتطور والتقدم والعلم والقبول بالآخر والحوار الذي يبدأ بالسلام وينتهي بالسلام... وإن أردنا الاستشهاد بالآيات والأحاديث والوقائع التاريخية التي تدل على عظمة هذا الدين الرحيم لاحتجنا إلى مجلدات.

أما لماذا واقع المسلمين مختلف عما أراده دينهم، فهذه قصة أخرى لها أسبابها ولا نبرئ المسلمين قادة ومفكرين وعلماء من مسؤولية الوصول إليه... ولا نبرئ غيرهم طبعاً.

هذه الحرب المتعمدة المقصودة على الإسلام كدين بعدما كانت على المسلمين كملّة وأمة، لا يتحمل مسؤوليتها الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة فقط. هناك طبعاً من استفاد من لحظة تاريخية ووجه وسائل إعلامه ومراكز أبحاثه وجيوش المفكرين والدارسين لخلق «الإسلاموفوبيا» وتوجيه هذا «الغول» في الاتجاهات التي تخدم مصالحه. إنما أمة الإسلام تتحمل الجزء الكبير من هذه الظاهرة سواء بالتقاعس عن محاربتها كما يجب في البداية وترك الأمر لآخرين، إضافة إلى العجز عن قيادة حركة تصحيح عالمية تدافع وتوضح وتشرح وتعيد الأمور إلى نصابها.

صرنا أمة متأثرة لا مؤثرة، ووصل ببعضنا الأمر فعلاً إلى اعتبار العمل الخيري الإسلامي عملاً إرهابيا لأن الدعاية الغربية أرادت ذلك، كلمة أميركية واحدة تشغلنا في مراكز السياسة والفكر والإعلام وأمة يتجاوز عدد سكانها المليار بإمكانات ضخمة عاجزة عن اختراق الرأي العام الغربي بكلمة حق.

عندما نتذكر العمل الخيري الكويتي نرفع رأسنا أمام العالم كله، وإذا كان العالم منصفاً فعليه أن يرفع رأسه به أيضاً. وعندما نقول على سبيل المثال لا الحصر عبد الرحمن السميط فإننا نتحدث عن ثوب ناصع البياض في جبين الإنسانية. عن ملايين الأشخاص الذين انتقلوا من حال إلى حال في أفريقيا بجهد فردي من ذلك الراحل في الوقت الذي كان «العالم الحر» يعتبر القارة السمراء ميداناً للانقلابات ومنجماً للثروات... ومختبراً للفيروسات وعلاجاتها.

أين يصرف المال الإسلامي؟ أين هي العقول المستنيرة؟ أين هم المسلمون المتعلمون المتحضّرون الذين حازوا أعلى المناصب والمراتب في الغرب؟ أين هم الذين يتقنون لغة «الآخر» ولغة العصر ويعرفون مداخل النظام الغربي ومخارجه وعمل اللوبيات والمراكز المؤثرة في صنع القرار؟ تخيلوا أن توليفة من ذلك كله قررت توظيف المال والطاقات والأدوات العصرية في مخاطبة الغربيين وإحقاق الحق بالنسبة إلى الإسلام والمسلمين وتعايش الحضارات... هل كنا سنصل إلى يوم يصبح فيه مصطلح «الإسلام المتطرف» نوعاً من المسلمات في تفكير العالم ومقدمة لما هو أسوأ في حق الإسلام والمسلمين؟

يقولون في أميركا اليوم إنهم ضد تمدد المكسيكيين أو الكوبيين، ولا يقولون المسيحيين المكسيكيين أو الكوبيين. يقولون إنهم سيمنعون المسلمين من دخول أميركا ولا يقولون سيمنعون هذا الكويتي أو ذاك اللبناني أو المصري أو المغربي أو الباكستاني. يتحدثون عن الآخرين كأعراق ويتحدثون عنا... كدين.

وإذا كان الرئيس ترامب ما زال منتشياً بسكرة الفوز، فعليه أن يميز بين رئاسته لأعظم دولة في العالم وبين المنطق المنحط الذي ينتشر بقوة داخل إدارته، وتحديداً داخل المؤسسات التشريعية أو تلك المسؤولة عن السياسة الخارجية. فهذا المنطق يسعى جاهداً إلى تكوين رأي عام يتناقض تماماً مع مبادئ الحرية والعدالة والتعددية... الإسلام دين عظيم أما المجرم والمنحرف والمجنون والمعقّد والمتخلّف فله اسم في بطاقته المدنية بغض النظر عن دينه أو عرقه.

«الراي»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي