في العام الماضي خسر المستثمرون الصغار غالبية أموالهم في البورصة فتعالت أصواتهم وكثرت احتجاجاتهم وتنوعت تذمراتهم، حتى وصل بهم الأمر إلى إغلاق الشارع المؤدي إلى البورصة والسير على الأقدام إلى مجلس الأمة. وبعد أن استعادت البورصة عافيتها بعد أشهر عدة صمد من صمد، وانهار من انهار، واستطاع البعض أن يعوض جزءاً يسيراً من خسارته، إلا أن البعض تناسى هذا الانهيار بعد أن أغراهم اللون الأخضر وسارعوا إلى خوض المغامرة من جديد بما يملكونه من مال ومن دون وعي أو إدراك، فهم لم يعوا جيداً الدرس ولم يفهموا لغة بعض ممن يطلق عليهم حيتان البورصة، ومن دون أن يعلموا أن الآتي أعظم وأخطر وأدهى فسقطوا في الهاوية من جديد حتى أصيبت الغالبية من هؤلاء المستثمرين إلى حد الإفلاس. وفي الانهيار الحالي تنوعت الأسباب على انهيار البورصة وسقوطها كسقوط السيف المدبب على رؤوس المساكين، فبعضهم برره بأنه يعود إلى الانهيار العالمي في البورصات العالمية، وبعضهم برره إلى تضخم الأسهم غير المبرر وزيادة الاكتتابات في آن واحد ومن دون تنظيم من البورصة، أو سوء قانون البورصة وعدم تطوره. وربما تكون جميع هذه الأسباب صحيحة ومقبولة لدى المحللين الفنيين، ولكن، وللأسف الشديد، هناك ممن يطلق عليهم الحيتان استغلوا هذا الانهيار وعمدوا إلى زيادته وتدمير بعض الشركات عن عمد لخلافات مالية بينهم.
هؤلاء الإرهابيون لا يقلون إجراماً عن الإرهابيين الذين يقطعون رؤوس الأبرياء باسم الإسلام والدين، بل ربما أنهم أشد إرهاباً من هؤلاء لأن قطع الأرزاق ولا الأعناق.
إرهابيو البورصة هم طبقة أنعم الله عليهم بالمال الوفير، أو بالأصح بمئات الملايين، وقد وجدوها فرصة لا تعوض للانقضاض على بعض الشركات التي حققت نجاحاً كبيراً خلال الأعوام الماضية لأنهم اعتقدوا أن هذه الشركات الحديثة سوف تنافسهم في التربع على عرش البورصة، وأنها في طريقها للاستحواذ على مشاريعهم المستقبلية، وأن الفرصة أصبحت مواتية بعد انهيار البورصة لتدمير هذه الشركات فعمدوا الى شراء أسهم هذه الشركات وبيعها في كل يوم بأدنى سعر وهم لا يأبهون بما سيخسرونه من ملايين أو بما سيخسره المستثمر الصغير، فالمهم هو تدمير هذه الشركات وكسر شوكتها، وفعلاً نجحوا في مساعيهم.
في أحد الأماكن المغلقة جلس هؤلاء الإرهابيون وقال أحدهم: «ها يابو فلان شرايكم نشتغل على هذه الشركات ونخليهم يعرفون قيمتهم الحقيقية ولا يحطون راسهم براسنا». وبعد أن فكروا وخططوا ودبروا طبقوا خطتهم وسقط سهم الشركة سقطة مدوية إلى القاع، إذ نزل بحد أدنى إلى أن فقد ثلاثة أرباع قيمته في البورصة واجتمع هؤلاء الإرهابيون من جديد وتعالت ضحكاتهم، وتناولوا ما لذ وطاب من مأكل ومشرب، بينما تباكى المساهمون الصغار على ضياع أموالهم خلال أيام قليلة عدة. وهكذا يستمر الإرهاب في البورصة ويتضخم ولم نعد نعرف نحارب الإرهاب التكفيري أم إرهاب الحيتان.
ملحوظة:
هل عالجت الحكومة بجدية وبحلول ناجحة انهيار البورصة؟ هذا السؤال الذي لن يعرف أحد إجابته إلا بعد نهاية الأسبوع.
فوزية سالم الصباح
محامية وكاتبة كويتية
[email protected]