«لغز» تسوية انتخاب عون وعودة الحريري ... «نجم» الـ 2016 اللبنانية
الدولة تستعيد انتظامها في 3 أيام «ماراثونية» تحت قبّة البرلمان
تطوي الـ 2016 اللبنانية أيامها الأخيرة على مَشهدٍ واعدٍ وبالغ الدلالة يُنهي مفاعيل أزمةٍ سياسية - دستورية استمرّت نحو عامين ونصف عام بفعل تَداخُل العوامل الاقليمية والمحلية التي حالت دون انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية وأصابتْ الحكومة بـ «موتٍ سريري» وعطّلت عمل البرلمان، وكادت ان تؤدي الى اضمحلال الدولة كمؤسساتٍ حاكمة رغم الإنجاز الباهر الذي حقّقه «تَقاطُع المصالح» بين اللاعبين في الداخل والخارج بإبقاء لبنان خارج نادي الدول المشتعلة ومنْع تدحْرج كرة النار السورية في اتجاهه.
فعلى مدى ثلاثة أيام بدءاً من اليوم، تكتمل عناصر التسوية السياسية التي بدتْ وكأنها هبطتْ على لبنان من خارج السياق اللاهب في المنطقة... فالبرلمان الذي ينخرط في مناقشةِ البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري من اليوم وحتى الخميس يتجه الى منحها الثقة بعد غدٍ بغالبيةٍ شبه إجماعية تعكس طبيعة التفاهمات التي نقلتْ لبنان من ضفةٍ الى ضفةٍ بضوءٍ أخضر اقليمي ما زالت «التحريات» جارية لمعرفة مغزاه في لحظةِ الصِدام الكبير في المنطقة والصراع عليها.
رئيس الجمهورية ميشال عون، الشخصية المثيرة للجدل والذي عاد الى القصر بـ «قوة الفراغ» بعد نحو ربع قرن على الخروج منه بـ «القوة العسكرية»، يتربّع على الكرسي في القصر وهو يراقب مداخلات النواب الذين سيُكثِرون من «الخطابية» أمام العدسات وكأنهم يدشّنون حملاتهم الانتخابية استعداداً لاستحقاقٍ لا مفرّ منه في مايو المقبل حين تفتح صناديق الاقتراع أبوابها لاختيار نواب برلمان 2017 - 2021.
رئيس البرلمان نبيه بري، الذي لم يغادر كرسيّه والمطرقة منذ 24 عاماً، واضطُر أخيراً لـ «الالتحاق» بالتسوية التي جاءت بعون رئيساً، سيدير جلسات الثقة بحكومة الحريري كـ «شريكٍ مُضارِب» وهو الذي أَوكل اليه حليفه «حزب الله» مهمّة «ترويض» المعادلة الجديدة وتَوازُناتها بعدما أوحت التفاهمات التي أبرمها عون مع الحريري وقبله مع «القوات اللبنانية» بأن تعديلاتٍ ما يمكن ان تطرأ على قواعد اللعبة.
الرئيس الحريري، الذي يتوسّط حكومته الثلاثينية، استردّ مع أفول الـ 2016 وبـ «قوةِ» المخاطرةِ السياسيةِ ما خسره العام 2011 بـ «قوةِ» انقلابٍ دستوري قادتْه «القمصان السود»... فبعدما أقصي عن السلطة بقرارٍ من «حزب الله» وابتعد عن لبنان لـ «أسباب أمنية»، عاد الى قلْب المعادلة السياسية رئيساً للحكومة رغم انقلاب الوضع في المنطقة رأساً على عقب وتَقدُّم المحور الذي يشكل «حزب الله» رأس حرْبته في لبنان.
هذا المشهد الذي سينتهي الى طاولةٍ يترأسها عون ومن على يمينه الحريري وتَتوزّع على جنباتها القوى السياسية، لا يشكّل الحدَث المهمّ الذي يطبع الـ 2016 بل هو الحدَث الأهمّ منذ الـ 1989 (اتفاق الطائف) ومنذ الـ 2005 (اغتيال الرئيس رفيق الحريري) ومنذ 2011 (اقصاء سعد الحريري). وأهميته الاستثنائية تكمن في انه مهما اختلفتْ موازين القوى وجرى قهْر التوازنات، لا يمكن لأي تسوياتٍ إلا وان تستند الى قوة التوازن، والتي غالباً ما يُعبَّر عنها بالقاعدة اللبنانية الذهبية «لا غالب ولا مغلوب».
وبهذا المعنى، فان التسوية الحالية التي جاءت بالعماد عون رئيساً وجعلتْ «القوات اللبنانية» بزعامة الدكتور سمير جعجع شريكاً، طوت خللاً رافَقَ تطبيق «النسخة السورية» من اتفاق الطائف التي قضت يومها بإبعاد عون الى باريس وإدخال جعجع الى السجن، وهو ما أسفر عما عُرف بـ «الإحباط المسيحي»، الأمر الذي يفسّر الكلام الآن عن آمال المسيحيين باستعادة «الشراكة» في الحكم وبمعزل عن الملابسات الى رافقتْ انتخاب عون كحليفِ لـ«حزب الله» والطابع الملتبس للتحالف القائم بين عون وجعجع.
ورغم مرور 11 عاماً على شطْب رفيق الحريري من المعادلة اللبنانية باغتياله بأكثر من طنّ من المتفجرات، فان التجربة دلّت ورغم ما رافقها من صعودٍ وهبوطٍ ان ثمة استحالةً في شطْب «الحريرية» التي ازدادتْ رسوخاً في بادئ الأمر مع مفاعيل انتفاضة 14 مارس 2005، ولم تؤد الضربات التي تلقّتها في مرحلة لاحقة الى «اختفائها» او تلاشيها، بل شكلت اخيراً حاجةً حتى لخصومها حين صمدتْ كـ «قوة اعتدالٍ» في لحظةِ انزلاقِ المنطقة الى التطرف.
ولعل إقصاء الحريري - الابن عن السلطة العام 2011 بقرارٍ من «حزب الله» ومن ثم عودته الى رئاسة الحكومة في العام 2016 بـ «عدم ممانعةٍ» من الحزب عيْنه، تشكل المعطى الأكثر «رمزية» في إظهار طبيعة «الحقائق اللبنانية». فرغم ان «حزب الله» كان مجرّد قوةٍ لبنانية تتمتّع بفائضِ قوةٍ حين قرّر الإطاحة بالحريري في الـ 2011 كخطوةٍ في سياق مشروعٍ لـ «اجتثاثِ الحريرية السياسية»، ها هو يعاود فتح الطريق مضطراً لعودة الحريري الى السلطة، مع ان الحزب راكَم قوةً وخبرات بعد تَحوُّله على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة «جيشاً اقليمياً» قاتَل في ساحات المنطقة ويقدّم نفسه شريكاً في صنْع معادلاتها الجديدة.
ومن هنا فإن السؤال - اللغز الذي لن يفارق جلسات المناقشة الماراتونية للبيان الوزاري لحكومة الحريري توطئةً لمنْحها الثقة، هو: ما الذي دفع «حزب الله» الى التسليم بعودة خصمه الداخلي و«العنوان الإقليمي» للمعسكر المناهِض له، الى السلطة في لبنان؟
ربما يكون الجواب انه في العام 2011 لم يكن المحور السوري - الايراني يحتاج لاستدعاء روسيا وما أمكن من ميليشياتٍ من هنا وهناك الى سورية لاستعادة هذه المنطقة او تلك المدينة لإثبات قدرة الرئيس بشار الاسد على الصمود، فسورية برمّتها كانت في قبضة الأسد، وتالياً فان نظرية الهزائم والانتصارات تحتاج في تداعياتها اللبنانية الى قراءة مغايرة.
وربما يكون الجواب ان لبنان الذي لا تستقيم فيه الانتصاراتُ الكاسحة او الهزائم الكاملة اختار مجدداً التسوية السياسية التي تحفظ التوازنات لحماية سلمه الاهلي بعيداً عن غلَبة موازين القوى التي من شأنها دفْع البلاد نحو أتونٍ اختبرتْه أكثر من ساحةٍ في المنطقة.
في لقائهما الأخير قبل انتخابه رئيساً للجمهورية، لم تكن عاديّة وصيّة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله للعماد ميشال عون حين تمنى عليه ان يترك الأمن في عهدة تيار الرئيس الحريري، في إشارةٍ رمزية الى ان قوة الاعتدال تضاهي فائض القوّة حين يكون القرار حماية لبنان.
فعلى مدى ثلاثة أيام بدءاً من اليوم، تكتمل عناصر التسوية السياسية التي بدتْ وكأنها هبطتْ على لبنان من خارج السياق اللاهب في المنطقة... فالبرلمان الذي ينخرط في مناقشةِ البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري من اليوم وحتى الخميس يتجه الى منحها الثقة بعد غدٍ بغالبيةٍ شبه إجماعية تعكس طبيعة التفاهمات التي نقلتْ لبنان من ضفةٍ الى ضفةٍ بضوءٍ أخضر اقليمي ما زالت «التحريات» جارية لمعرفة مغزاه في لحظةِ الصِدام الكبير في المنطقة والصراع عليها.
رئيس الجمهورية ميشال عون، الشخصية المثيرة للجدل والذي عاد الى القصر بـ «قوة الفراغ» بعد نحو ربع قرن على الخروج منه بـ «القوة العسكرية»، يتربّع على الكرسي في القصر وهو يراقب مداخلات النواب الذين سيُكثِرون من «الخطابية» أمام العدسات وكأنهم يدشّنون حملاتهم الانتخابية استعداداً لاستحقاقٍ لا مفرّ منه في مايو المقبل حين تفتح صناديق الاقتراع أبوابها لاختيار نواب برلمان 2017 - 2021.
رئيس البرلمان نبيه بري، الذي لم يغادر كرسيّه والمطرقة منذ 24 عاماً، واضطُر أخيراً لـ «الالتحاق» بالتسوية التي جاءت بعون رئيساً، سيدير جلسات الثقة بحكومة الحريري كـ «شريكٍ مُضارِب» وهو الذي أَوكل اليه حليفه «حزب الله» مهمّة «ترويض» المعادلة الجديدة وتَوازُناتها بعدما أوحت التفاهمات التي أبرمها عون مع الحريري وقبله مع «القوات اللبنانية» بأن تعديلاتٍ ما يمكن ان تطرأ على قواعد اللعبة.
الرئيس الحريري، الذي يتوسّط حكومته الثلاثينية، استردّ مع أفول الـ 2016 وبـ «قوةِ» المخاطرةِ السياسيةِ ما خسره العام 2011 بـ «قوةِ» انقلابٍ دستوري قادتْه «القمصان السود»... فبعدما أقصي عن السلطة بقرارٍ من «حزب الله» وابتعد عن لبنان لـ «أسباب أمنية»، عاد الى قلْب المعادلة السياسية رئيساً للحكومة رغم انقلاب الوضع في المنطقة رأساً على عقب وتَقدُّم المحور الذي يشكل «حزب الله» رأس حرْبته في لبنان.
هذا المشهد الذي سينتهي الى طاولةٍ يترأسها عون ومن على يمينه الحريري وتَتوزّع على جنباتها القوى السياسية، لا يشكّل الحدَث المهمّ الذي يطبع الـ 2016 بل هو الحدَث الأهمّ منذ الـ 1989 (اتفاق الطائف) ومنذ الـ 2005 (اغتيال الرئيس رفيق الحريري) ومنذ 2011 (اقصاء سعد الحريري). وأهميته الاستثنائية تكمن في انه مهما اختلفتْ موازين القوى وجرى قهْر التوازنات، لا يمكن لأي تسوياتٍ إلا وان تستند الى قوة التوازن، والتي غالباً ما يُعبَّر عنها بالقاعدة اللبنانية الذهبية «لا غالب ولا مغلوب».
وبهذا المعنى، فان التسوية الحالية التي جاءت بالعماد عون رئيساً وجعلتْ «القوات اللبنانية» بزعامة الدكتور سمير جعجع شريكاً، طوت خللاً رافَقَ تطبيق «النسخة السورية» من اتفاق الطائف التي قضت يومها بإبعاد عون الى باريس وإدخال جعجع الى السجن، وهو ما أسفر عما عُرف بـ «الإحباط المسيحي»، الأمر الذي يفسّر الكلام الآن عن آمال المسيحيين باستعادة «الشراكة» في الحكم وبمعزل عن الملابسات الى رافقتْ انتخاب عون كحليفِ لـ«حزب الله» والطابع الملتبس للتحالف القائم بين عون وجعجع.
ورغم مرور 11 عاماً على شطْب رفيق الحريري من المعادلة اللبنانية باغتياله بأكثر من طنّ من المتفجرات، فان التجربة دلّت ورغم ما رافقها من صعودٍ وهبوطٍ ان ثمة استحالةً في شطْب «الحريرية» التي ازدادتْ رسوخاً في بادئ الأمر مع مفاعيل انتفاضة 14 مارس 2005، ولم تؤد الضربات التي تلقّتها في مرحلة لاحقة الى «اختفائها» او تلاشيها، بل شكلت اخيراً حاجةً حتى لخصومها حين صمدتْ كـ «قوة اعتدالٍ» في لحظةِ انزلاقِ المنطقة الى التطرف.
ولعل إقصاء الحريري - الابن عن السلطة العام 2011 بقرارٍ من «حزب الله» ومن ثم عودته الى رئاسة الحكومة في العام 2016 بـ «عدم ممانعةٍ» من الحزب عيْنه، تشكل المعطى الأكثر «رمزية» في إظهار طبيعة «الحقائق اللبنانية». فرغم ان «حزب الله» كان مجرّد قوةٍ لبنانية تتمتّع بفائضِ قوةٍ حين قرّر الإطاحة بالحريري في الـ 2011 كخطوةٍ في سياق مشروعٍ لـ «اجتثاثِ الحريرية السياسية»، ها هو يعاود فتح الطريق مضطراً لعودة الحريري الى السلطة، مع ان الحزب راكَم قوةً وخبرات بعد تَحوُّله على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة «جيشاً اقليمياً» قاتَل في ساحات المنطقة ويقدّم نفسه شريكاً في صنْع معادلاتها الجديدة.
ومن هنا فإن السؤال - اللغز الذي لن يفارق جلسات المناقشة الماراتونية للبيان الوزاري لحكومة الحريري توطئةً لمنْحها الثقة، هو: ما الذي دفع «حزب الله» الى التسليم بعودة خصمه الداخلي و«العنوان الإقليمي» للمعسكر المناهِض له، الى السلطة في لبنان؟
ربما يكون الجواب انه في العام 2011 لم يكن المحور السوري - الايراني يحتاج لاستدعاء روسيا وما أمكن من ميليشياتٍ من هنا وهناك الى سورية لاستعادة هذه المنطقة او تلك المدينة لإثبات قدرة الرئيس بشار الاسد على الصمود، فسورية برمّتها كانت في قبضة الأسد، وتالياً فان نظرية الهزائم والانتصارات تحتاج في تداعياتها اللبنانية الى قراءة مغايرة.
وربما يكون الجواب ان لبنان الذي لا تستقيم فيه الانتصاراتُ الكاسحة او الهزائم الكاملة اختار مجدداً التسوية السياسية التي تحفظ التوازنات لحماية سلمه الاهلي بعيداً عن غلَبة موازين القوى التي من شأنها دفْع البلاد نحو أتونٍ اختبرتْه أكثر من ساحةٍ في المنطقة.
في لقائهما الأخير قبل انتخابه رئيساً للجمهورية، لم تكن عاديّة وصيّة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله للعماد ميشال عون حين تمنى عليه ان يترك الأمن في عهدة تيار الرئيس الحريري، في إشارةٍ رمزية الى ان قوة الاعتدال تضاهي فائض القوّة حين يكون القرار حماية لبنان.