رأي «الراي» / الإصلاح تبدأه أنت

تصغير
تكبير
ربما كانت المرحلة الراهنة انتخابياً واحدة من أفضل المراحل في الكويت، بل فرصة تاريخية للتغيير والعبور إلى مشروع دولة مختلفة متطورة حديثة قوية مستقرة.

والسبب، أن الظرف الذي ستجرى به الانتخابات المقبلة مستقر، غير حافل بصراعات مهدّدة للاستقرار، أو استقطابات مهدّدة للنظام، أو احتجاجات عارمة أو تظاهرات ومواجهات وتهديدات. هو ظرف يتفق معه الجميع على ضرورة العمل الوطني من داخل المؤسسات وخارجها لمواجهة تحديين أساسيين: الوضع الاقتصادي وتداعياته الاجتماعية والوضع الإقليمي وتداعياته الانقسامية.


نعم، سيقف الناخب أمام جبل كبير من المشكلات قبل تحديد خياراته، سينظر إلى ما آلت إليه أوضاعنا اليوم من تراجع في الكثير من المجالات وعلى كل الأصعدة، سياسياً واقتصادياً ورياضياً وخدماتياً. وسيسمع ويتحدث عن غزو الفساد لمختلف القطاعات... وكل ذلك ليس وليد اللحظة ولا نتاج السلطة في العقد الأخير بل هو ضارب في العمق لعقود سابقة ونتاج سنوات من التخبط وسوء الإدارة وضعف الرقابة.

وفي الحديث عن الفساد، نقع في خطأ كبير عندما نعتبره المشكلة الأولى للشلل الذي ضرب الكويت. الفساد موجود، وموجود بكثرة، وأيضاً موجود في الدول المتقدمة وربما بقوة أكبر، إنما الحرب عليه هناك تقاد بتنسيق سياسي قضائي إداري اجتماعي إعلامي شعبي ثقافي رقابي تشريعي، أما هنا فالموضوع مختلف لأن التشخيص الحقيقي لأصل العلّة الذي يحاول كثيرون تجاهله هو سوء الإدارة، وهو «المفرخ» للكثير من الأمراض والنتائج ومنها الفساد.

لن نكرر ما أوردناه دائماً عن سوء الإدارة، وعن ضرورة اختيار الأكفأ وفي الوقت نفسه الأقدر على اتخاذ القرار خارج إطار البيروقراطية القاتلة والدورات المستندية والقيود الإدارية والتأثر الدائم بالجانب السياسي. ولن نكرر أن الدولة منذ التحرير وحتى اليوم تعيش جموداً يستدعي ثورة إدارية حقيقية تجدّد شباب المؤسسات.

سيقف المواطن أمام ذلك كله، إنما اليوم عليه أن يساهم ليس في الشكوى والتنبيه و«التحلطم» فحسب، بل أن يبدأ بنفسه وأن يكون هو صاحب القرار في التغيير لا أن يترك الأمر لغيره. الإصلاح يبدأ به هو تحديداً من خلال حسن اختياره لممثله إلى السلطة التشريعية.

مع الاحترام الكامل لكل القبائل والطوائف والتكوينات الاجتماعية التي شكلت الكويت ولا يمكن أن نتخيل الكويت من دونها، انما على الناخب أن يقرر بعد تجربة العقود السابقة ما إذا كان سيكرر التصويت على قاعدة أن ابن القبيلة يمثلني أو ابن الطائفة يمثلني أو ابن المنطقة يمثلني أو ابن العائلة يمثلني... أو ما إذا كان سيختار من يرى أنه الأكفأ لتمثيل الأمة.

لنكن صريحين أكثر، فإن القبائل والطوائف في الكويت لا تعيش مشاكل خاصة بل المشاكل التي يعيشها كل كويتي مهما كان انتماؤه. لا نضحك على بعض ولا تسمحوا لأحد بأن يضحك علينا أكثر. النهج الفئوي الذي يزداد رسوخاً هو الذي سيخلق لاحقاً مشكلة قبلية أو طائفية أو مناطقية ويهدّد النسيج الوطني. هو نهج امتهنه كثيرون كوسيلة سريعة للوصول إلى كرسي البرلمان ووجد للأسف الشديد مناخاً متجاوباً من قواعد انتخابية رأت أنه يخدم مصالحها أكثر من مشروع الدولة المؤسساتية الشاملة... الحل هو بالالتفاف مجدداً حول مشروع محاربة سوء الإدارة وليس تكريس هذا السوء عبر خيارات فئوية ضيقة.

الأمر نفسه ينطبق على الخدمات والمعاملات، فالنائب يمثل الأمة ووظيفته التشريع والرقابة وليس «مطراشاً» يجول بين الإدارات. عشرات الاستجوابات لم يكن هدفها لا التغيير ولا الإصلاح بل نتيجة توقف معاملة هنا وترقية هناك ونقل وندب وعلاج في الخارج، وما دام هناك وزير يستجيب فإن سوء الإدارة يتجلّى بأبهى صوره. مؤسسات الدولة، طبيعياً، هي الكفيلة بإنجاز كل معاملات المواطن لكننا في زمن غير طبيعي طبعاً تتحمل الحكومة المسؤولية الأكبر منه لأنها ما زالت ترى أنها لن تحصل على ولاء نائب أو طاعته أو مهادنته أو كف شرّه إلا بورقة المعاملات... وكأن الكويت تحتاج حكومة «راشية» كي تستقر بدل الثورة الإدارية المطلوبة.

اليوم، المواطن هو مفتاح الحل والتغيير، فالشعب هو مصدر السلطات وعليه أن يختار المرشح الأكثر خبرة والأطهر سمعة والأقدر على الرقابة ومتابعة الأداء الحكومي. مرشح يتعهد بأن يكون صوت الناس من أجل الثورة الإدارية الموعودة، ومن أجل سيادة القانون وتكريس الديموقراطية وخلق نهج وطني محارب للنزعات الفئوية والطائفية والقبلية، ومن أجل التصدي للفساد وإعلاء حق المواطن في الانتفاع من الخدمات العامة بلا منّة أو واسطة أو اشتراطات.

هذا النهج إن حصل، وجاء بمجلس يتضمن غالبية من هذه النوعية فسيكون لزاماً على رئيس الوزراء ملاقاة ذلك بالتأني في اختيار الوزراء وانتقاء الأفضل والأقدر.

هذه هي المعادلة المطلوبة للانتقال إلى المرحلة الجديدة، وأساسها وسبب نجاحها أنتم... أنتم من سيختار، وأنتم من سيقود عملية التغيير، وأنتم المسؤولون الأولون عن ذلك. لا تسلموا مصدر سلطتكم إلى آخرين... فقد علّمتكم التجارب أنكم لم تكونوا سوى حطبٍ في مواقدهم.

«الراي»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي