أدوية «مُبرمَجة» و«عُنصرية» و«مُشخْصنة»... علاجات «ثورية» تُبشِّر بمستقبل طبي أفضل

تصغير
تكبير
مخدرات تعالج «إدمان المخدرات» وإنسولين يمكن استنشاقه وأغذية تحوي أدوية

قرص علاجي متعدد القدرات وبروتينات دوائية وقتل السرطان بالذهب
ملف أسبوعي
من إعداد: عبدالعليم الحجار

في ضوء التطورات المستمرة والمتلاحقة في شتى مجالات العلوم الطبية، يزداد يوما بعد يوم وضوح ملامح المعركة الشرسة التي يخوضها العلماء والباحثون ضد الأمراض، حيث يحاولون دائما احراز بعض التقدم على جبهة الوقاية من الأمراض ومنع انتشارها.

ورغم ذلك، ما زالت تلك التطورات بعيدة نسبيا عن تحقيق الانتصار الحاسم على أي مرض. فصحيح أن هناك أدوية وعلاجات نجحت خلال القرنين الماضيين في انقاذ البشرية من ويلات أوبئة خطيرة كالجدري والسل وشلل الاطفال والتيفوئيد، لكن ظهور عوامل أخرى - كالتلوث البيئي والاشعاعي وانتشار أنواع واجيال جديدة من الكائنات الدقيقة كالفيروسات وتزايد مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية - أصبح الطب يواجه مصاعب متنامية في إيجاد حلول وأدوية لمجابهة ما خلقته تلك العوامل من أمراض ومشاكل صحية جديدة ولم تكن شائعة في السابق.

فيوما بعد يوم، تنجح جهود أولئك العلماء في تحقيق تقدم جديد في اتجاه مثل تلك الأدوية، وهي الجهود التي يمكننا بفضلها أن نقول إن رحم المستقبل يبشر بميلاد عدد كبير من الأدوية المبتكرة التي يؤمل أن يكون لها دور فعال في معالجة أمراض كثيرة منتشرة على نطاق واسع.

في التالي نلقي نظرة من ثقب باب التفاؤل بالمستقبل على عدد من الأدوية الثورية التي من المتوقع لها أن تظهر في المستقبل القريب، أو حتى باتت في طريقها فعليا إلى الظهور في أسواق منطقة الشرق الأوسط بعد أن أثبتت نجاحها فعليا في دول غربية.

فيروسات «مُبرمجة»

ناقلة للدواء!

لطالما راودت العلماء فكرة استخدام الكائنات الدقيقة كـ «وسائل نقل» لإيصال الأدوية إلى أهدافها مباشرة وبدقة في داخل الجسم. ورشح كثيرون منهم الفيروسات للقيام بهذه المهمة، وذلك نظرا لما تمتاز به الفيروسات من قدرة على اختراق الخلايا الحية، من دون أن تعترضها الخلايا المناعية في كثير من الأحيان. ويعكف علماء وباحثون حاليا على محاولة تطوير تقنيات مستقبلية تعتمد على هذا المبدأ وبخاصة من أجل قتل الخلايا السرطانية من دون إلحاق الأذى بالخلايا السليمة، وهو الأمر الذي سيعني تقليص التأثيرت الجانبية السيئة التي تنجم عن أدوية السرطان التقليدية. ويحاول العلماء التوصل الى ذلك من خلال «إعادة برمجة» الفيروسات بطريقة تشل قدراتها التكاثرية وخواصها المسببة للمرض، وذلك من أجل منع تكاثرها وتسببها في إمراض الجسم، والاستفادة منها كوسائل ناقلة للدواء تستهدف الأعضاء المريضة فقط دون غيرها.

الذهب يقتل السرطان!

يواصل علماء وباحثون حاليا محاولاتهم لاستكشاف سبل جديدة لمحاربة الأمراض السرطانية التي ما زالت تمثل العدو الأكبر للبشرية. ومن بين التقنيات المبشرة التي باتوا قاب قوسين أو أدنى من تعميمها نجاحهم في ابتكار وتطوير كبسولات صغيرة خاصة توضع في داخلها مادة فعالة قاتلة للخلايا السرطانية، وهي مادة تتألف عادة من جزيئات ذهب دقيقة مرتبط بها جسيمات مضادة للأورام السرطانية. ويتم «تفجير» تلك الكبسولات بنبضات ليزرية لدى وصولها إلى مكان وجود الورم السرطاني في الجسم، فتنصهر جزيئات الذهب مع انطلاق الجسيمات المضادة مسببةً تدميرا للخلايا السرطانية من دون إلحاق أذى بالأنسجة والخلايا السليمة المحيطة.

إنسولين عن طريق الشم

كان وما زال حلما لدى مرضى السكري أن يتخلصوا من آلام ومعاناة وخز إبر حقن الإنسولين، وقد اقترب هذا الحلم من التحقق. فمن المتوقع أن يشهد المستقبل القريب بدء انتاج وتسويق بخاخ لتعاطي الإنسولين بالاستنشاق بدلا من حقنه. ويتواصل حاليا العمل على تطوير هذا المشروع الذي بات في مراحله الأخيرة بل انه بدأ استخدامه تجريبيا.

وستسهم تقنية تعاطي الإنسولين عن طريق الشم في توفير الكثير من المعاناة على ملايين المصابين بالسكري. لكن من بين المشاكل التي تعترض هذا المشروع حاليا التأثيرات المحتملة للإنسولين على الرئتين ولا سيما بالنسبة لمصابي الربو والالتهاب الرئوي المزمن، علاوة على تأثيراته المتوقعة على الاطفال والمدخنين. لذا، ستتواصل الأبحاث والدراسات حول هذه المشاكل حتى بعد انتاج وتسويق بخاخات الإنسولين المرتقبة.

القُرص متعدد القدرات

حلم يأمل العديد من الأطباء والعلماء الوصول اليه، فتتم حاليا الدراسات النهائية على العديد من التجارب التي تتضمن انتاج قرص دوائي متعدد القدرات، بحيث يمكن للمريض أن يتعاطى قرصا واحدا لمعالجة أمراض عدة عوضا عن استعمال قرص أو أكثر لكل مرض على حدة.

وتمثلت أولى خطوات هذا المشروع في تطوير قرص يأمل الباحثون في توظيفه للوقاية من سلسلة أمراض في آن واحد معا، وعلى رأسها الأزمات القلبية والسكتات الدماغية وضغط الدم. فمثل هذه السلسلة من الأمراض تصيب مجتمعة من هم في الخمسينات من أعمارهم. ومن المتوقع لمثل هذا القرص أن يسهم في تقليص تكاليف الأدوية وتأثيراتها الجانبية، كما سيسهل على المريض مهمة تناول أدويته. ومبدئيا، ستشمل المكونات الأساسية لذلك قرص اسبرين لتخفيف لزوجة الدم ومخفض للكوليسترول، وثلاثة أنواع من العقاقير المخفضة لضغط الدم بالاضافة إلى حمض الفوليك وحامض ب 12.

وبهذا فإنه يمكن لهذا القرص أن يخفض ضغط الدم ومستوى الكوليسترول، كما سيسهم في تخفيض مستويات مادة هوموسيستين التي تنشأ في مجرى الدم وتلعب دورا في خلق مشاكل تثير أمراض القلب.

الأدوية «المُشخصنة»

هناك تقنية ذكية جديدة ستدخل الى عالم الصيدلة في المستقبل القريب جدا، وهي تتمثل في ما يسمى بالـ «نوكليوتيد المفرد متعدد الأشكال». وتعتمد فاعلية هذه التقنية على رصد الفروقات الجينية التي يتميز بها كل فرد في استجابته للأدوية، والتي هي اختلافات في سلسلة الحامض النووي (DNA تظهر نتيجة فقدان أو تغير موقع أحد النيوكليوتيدات في السلسلة الجينية بما يؤدي إلى التأثير على الوظائف الحيوية للخلايا وعلى إفرازات الجسم من الهورمونات والإنزيمات.

ومن المرتقب لهذه التقنية أن تدخل في كثير من التطبيقات الدوائية، بما في ذلك المساعدة في الاختبارات الدوائية التي تجري لإثبات درجة فعالية وأمان الدواء بالنسبة إلى مريض بعينه، وذلك من خلال التعرف على بصمته الجينية الخاصة به ومدى استجابتها لتركيبة الدواء. لكن أهم هذه التطبيقات سيتمثل في إمكانية «تصميم» دواء «مشخصن» من خلال تقنية النوكليوتيد المفرد متعدد الاشكال، حيث سيتم أولا تحديد الاشكال الجينية المميزة للشخص المريض وبالتالي تصميم تركيبة دوائية مناسبة له تحديا أكثر من غيره.

علاج ناجع لـ «سرعة القذف»

ما زالت مشكلة «سرعة القذف» تؤرق أزواج كثيرين حول العالم رغم وجود علاجات نفسية ودوائية تقليدية لها، بما في ذلك المراهم والبخاخات المخدرة موضعيا. فنسبة الرضا عنها ليست على المستوى المأمول. وتجرى حاليا تجارب نهائية على أدوية لمعالجة هذه المشكلة، وهي الأدوية التي تبشر بتطور غير مسبوق في هذا المضمار، إذ إنها تعتمد للمرة الاولى على إعادة ترتيب تفاعل مراكز الدماغ مع مراحل العملية الجنسية بما يمكّن المصاب من أن يتحكم في توقيت القذف بطريقة ترضيه هو وشريكته.

مخدرات لمعالجة

«إدمان المخدرات»

تطبيقا لمقولة «لا يفل الحديد إلا الحديد»، يبدو أنه من المرجح أن يكون السلاح المستقبلي في الحرب على إدمان المخدرات هو المخدرات ذاتها! فهناك باحثون متفائلون حاليا إزاء إمكانية ابتكار وانتاج عقاقير جديدة وغير مسبوقة تستمد مكوناتها من عناصر معينة توجد أساسا في المخدرات، وهي العناصر التي ستستهدف إبطاء وإيقاف الدورة الكيماوية للادمان، كما أنه ستسهم في منع مشاعر اللذة والبهجة التي يستمدها المدمن من مخدرات مثل الهيرويين، إلى جانب أنها ستكبح جماح التأثيرات المؤلمة التي تحصل في الدماغ خلال فترة انسحاب المدمن. وتكمن ميزة تلك العقاقير الجديدة في أنها ستتغلب على واحدة من أكبر المشاكل في العلاج، ألا وهي رفض المدمنين غالبا تعاطي الأدوية التقليدية. فالعقاقير المستقبلية هذه ستكون في نظرهم كالمخدرات تماما بينما ستكون تأثيراتها علاجية.

البروتينات العلاجية

البروتينات العلاجية ليس المقصود بها تلك الموجودة في الأغذية ولا تلك التي يستعملها الرياضيون لبناء عضلاتهم، بل هي بروتينات يسعى العلماء إلى تطوير عقاقيريا من أجل معالجة عدد من الأمراض التي تحدث بسبب نقص في انتاج الجسم لبروتين معين أو بسبب انتاج بروتين مشوه التركيب.

ويعكف العلماء حاليا على العمل في هذا الاتجاه معتمدين في ذلك على استخدام مستعمرات من الجراثيم المعدلة وراثيا وزراعتها في الأحشاء كي تتكاثر منتجة أنواعا محددة من البروتينات العلاجية من دون احداث أي تأثيرات جانبية سيئة. وستخفف مثل هذه البروتينات العلاجية مشاكل صحية كثيرة من خلال معالجة الأمراض التي يكون السبب الرئيسي فيها هو عدم انتاج الجسم لتلك البروتينات بالكميات أو الوتيرة المناسبة. ومن بين الأمراض التي ستشكل هذه البروتينات أملا في علاجها مرض القولون التقرحي و«مرض كروهن» الذي يصيب الامعاء الدقيقة عادة ويكون عبارة عن تقرحات عميقة بطانة الأمعاء، إلى جانب بعض اضطرابات الجهاز المناعي.

الأغذية الدوائية

هناك آمال واعدة في مجال أفكار تطمح إلى تطوير تقنية ثورية لإنتاج نباتات وحيوانات تتمتع خلاياها وأنسجتها بخواص بيولوجية تعالج الأمراض. ويمكن القول إن المعطيات الحالية تبشر بأن المستقبل ينطوي على امكانية التوصل إلى هندسة أغذية دوائية، أي تجمع بين خواصها الغذائية وخواص دوائية الفعالة.

ففي هذا الاطار، أجريت فعليا تجارب واعدة، بما في ذلك تطوير صنف جديد من الموز يتمتع بالقدرة على إفراز لقاح بيولوجي طبيعي مضاد لالتهابات الكبد الوبائى والكوليرا. وقد بشرت نتائج دراسات باقتراب انتاج هذا الصنف من الموز بكميات تجارية. كما أن هناك تجارب أخرى تسعى إلى إضافة مضادات حيوية مستخلصة من أصول نباتية إلى منظفات أسنان لتوفير بديل آمن صحيا لمحاربة التسوس وأمراض اللثة. وفي موازاة ذلك، تجرى أيضا تجارب واعدة تسعى إلى انتاج لقاحات حيوية من الذرة، بما في ذلك لقاح مضاد لالتهاب الكبد الوبائي. ويأمل باحثون أن يتمكنوا قريبا من استخلاص مضادات فيروسية من نباتات التبغ والطماطم.

وإجمالا، يرى بعض الخبراء في هذا المجال أن مستقبل انتاج الأدوية والعقاقير العلاجية قد يتحول إلى الاعتماد بشكل أساسي على الكائنات الحية بما في ذلك النباتات والحيوانات بل والميكروبات والفيروسات أيضا، حيث من المتوقع أن يتم تخصيص مختبرات ومزارع لإنتاج أغذية ومستحضرات بيولوجية دوائية.

أدوية عُنصرية

ثارت موجة من الجدل عندما أقرت إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية قبل فترة قصيرة أول دواء لمعالجة أمراض القلب لدى «المرضى السود» على وجه الخصوص. والواقع أن مثل هذا الدواء يؤذن بتدشين ظاهرة غير مسبوقة في عالم العقاقير الطبية إذ إنه يبشر بإمكانية تحقيق تقدم كبير على صعيد تطوير «أدوية عنصرية» لكن ليس بالدلالة السلبية لكلمة «عنصري» بل بمعنى أن كل دواء سيستهدف عنصرا بشريا معينا استنادا إلى العناصر والعوامل البيولوجية الفريدة التي تميز أفراد كل عنصر عن الآخر.

وهناك دراسات تجري حاليا من أجل تطويرأدوية وعقاقير عدة في هذا الاتجاه، بما في ذلك دواء لعلاج مرض الايدز، وهو الدواء الذي تشير نتائج أولية إلى أنه أكثر فعالية في معالجة المصابين ذوي البشرة السمراء والآسيويين، حيث بلغت نسبة نجاحه لدى عناصر السود الى نحو 80 في المئة، ونحو 65 في المئة لدى المرضى من العناصر الآسيوية بينما بلغت النسب أقل من ذلك بكثير لدى الأعراق والعناصر البشرية الأخرى.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي