في رياض الصالحين

عمر بن عبدالعزيز (رحمه الله تعالى)

تصغير
تكبير
لما حضر الموت ابنه عبد الملك، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لابنه عبد الملك: كيف تجدك يا بني؟ قال: أجدني في الموت فاحتسبني، فإن ثواب الله خيرًا لك منِّي، قال: والله يا بُنَّي لئن تَكُن في ميزاني أحب إليَّ من أن أكون في ميزانك، قال: وأنا والله لئن يَكُن ما تحِبُّ أحبُّ إليَّ من أن يكون ما أُحِبُّ ثُمَّ تُوُفِّي في ذلك المرض فذهب به عمر بن عبد العزيز وغسله وصلى عليه ودفنه وسوَّى عليه التراب، وسوُّوا قبره بالأرض، ووضعوا عنده خشبتين من زيتون: إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه، ثم جعل قبره بينه وبين القبلة، فاستوى قائمًا وأحاط به الناس فقال: رحمك الله يا بُنَيَّ فقد كنتَ بَرًّأ بأبيك، والله ما زلت منذ وهبك الله لي مسرورًا بك، ولا والله ما كنت قطّ أشد بك ولا أزجي لحظي من الله تعالى فيك منذ وضعتك في هذا المنزل الذي صيَّرك الله إليه، فرحمك الله وغفر لك ذنبك، وجزاك بأحسن عملك، ورحم كل شافع يشفع لك بخير من شاهد أو غائب، رضينا بقضاء الله وسلمنا لأمره، والحمد لله رب العالمين،ثُمَّ انصرف.

وعندما رجع إلى ديوانه كتب إلى عُمَّاله: (إن عبد الملك كان عبدًا من عبيد الله، أحسن الله إليه وإليَّ فيه، أعاشه ما شاء، وقبضه حين شاء، وكان ما علمت من صالحي شباب أهل بيته قراءة للقرآن، وتحريًا للخير، وأعوذ بالله أن تكون لي محبة أخالف فيها محبة الله، فإن ذلك لا يَحْسُن في إحسانه إليَّ، وتتابعِ نِعَمِه عليَّ، ولأعلمن ما بكت عليه باكية، ولا ناحت عليه نائحة، قد نهينا أهله الذين هم أحق بالبكاء عليه.

وكان قبل وفاة ابنه عبد الملك، قد هلك أخوه سهل وهو من أحبِّ إخوته، وهلك مولاه مزاحم وهو عزيز عليه، كل ذلك في أوقات متتابعة، فلمَّا استوى في مجلسه، جاء الربيع بن سبرة عليه رحمة الله، فقال: عظَّم الله أجرك يا أمير المؤمنين ما رأيت أحدًا أصيب بأعظم من مصيبتك، ما رأيت مثل ابنك ابنًا، ولا مثل أخيك أخًا، ولا مثل مولاك مولى قط، فطأطأ عمر رحمه الله رأسه، فقال أحد الحاضرين: لقد هيجت عليه، فرفع عمر بن عبد العزيز رحمه الله رأسه، فقال: كيف قلت يا ربيع أَعِد.

قال فأعدت عليه، فقال: لا والذي قضى عليهم الموت ما أُحِبُّ أن شيئًا ممَّا كان لم يكن.

وفاته رحمه الله

قالت فاطمة بنت عبد الملك وهي زوجة عمر بن عبد العزيز رحمهما الله: كنت أسمع عمر بن عبد العزيز رحمه الله في مرضه يقول: اللهم أخف عليهم أمري ولو ساعة، قال: قلت له: ألا أخرج عنك، فإنك لم تنم، فخرجت، فجعلت اسمعه يقول: ?تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ? [القصص: 83].

فكررها مرارًا، ثم أطرق، فلبثت طويلاً لا أسمع له حسا، فقلت لوصيف: ويحك انظر، فلما دخل صاح، فدخلت فوجدته ميتًا، وقد أقبل بوجهه على القبلة، ووضع إحدى يديه على فيه، والأخرى على عينيه.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي