الاستحمار ضيّع الاستعمار... والإسبان حافظوا على شكل الأندلس وغيّروا المضمون
خوسيه «الحمصي» الإشبيلي... من هو جدك؟
الجيرالدا... التي تحوّلت من مسجد إلى أكبر كاتدرائية في أوروبا في القرون الوسطى بعد استرداد الإفرنج لإشبيلية
كل ما في المثلث العربي في الأندلس، غرناطة وقرطبة وإشبيلية، يدل على قدرة إسبانية فائقة في الاستفادة من الشكل مع تغيير المضمون. فالدليل السياحي يملأ أذنيك بعبارات الإعجاب بكل الهندسة والمباني والقصور والنقوش الإسلامية التي تراها، ثم يحدثك عن كيفية تحول المساجد إلى كنائس ويدلك على المناطق التي كان يسكنها المسلمون واليهود وكيف تعرّضت لحملات التهجير والتطهير بعدما كان محمد الثاني عشر اتفق مع فرديناند في اتفاقية الاستسلام على إبقاء حرية العبادة فيها... باختصار، تعامل الايبيريون بعين ذكية مع تاريخ لم نحسن قراءته إلا بعين غبية.
في قصر الحمراء، أو قصور الأمراء والخلفاء في إشبيلية وقرطبة، مآذن وأبراج ونقوش إسلامية وأخرى تعظّم السلاطين، لكن التمعن فيها يكشف أن الاستعمار العربي الذي استمر قروناً في تلك البقعة الرائعة الجمال إنما أنهاه «الاستحمار» وليس جيوش الإفرنج، فحروب ملوك الطوائف مثل الافطس وبنو عامر والقاسم والأحمر وحمود والمرابطون والموحدون كانت أكثر قسوةً من حروب الآخرين على إمارة الأندلس، حتى إن «أبو عبد الله الأحمر» الذي ملأ شعاره «لا غالب إلا الله» جدران وأعمدة قصر الحمراء إنما قصد به الموحدين المسلمين الذين قاتلهم.
المهم أضاعوها، وربما كان جيداً أنهم فعلوا ذلك وفق قراءات الحاضر حيث لا يعرف العرب إدارة مشروع عمراني واحد ويعجزون عن تغيير ما في أنفسهم. ومن يقارن بين شوارع ومناطق المثلث الأندلسي وشوارعنا ومناطقنا يدرك قدرتنا، حالياً، على زراعة القبح وحصد خيباته وقدرة الآخرين على زراعة الجمال وحصد خيراته.
لكن البشر بشر، والنصابون طائفة واحدة خصوصاً إذا كانوا من أصحاب الدم الخفيف. في إشبيلية وقرب الكاتدرائية التي كانت مسجداً، يتحلّق السياح حول رجل طاعن في السن وأمامه خرائط قديمة وأحجار كريمة، لكنه لا يأبه لهم بل لذوات السحنات العربية مثلنا. يتمتم بكلمات كأنها نحيب ثم يومئ بيده أن نقترب فنفعل، يرحب بكلمتين عربيتين ثم يخبرك إن إشبيلية كانت تسمى «حمص»،لأن القادة الذين فتحوها كانوا من حمص والشام ووطنوا عائلاتهم فيها، ثم يسألك: ما اسم جدك؟ تخبره فيبدأ البحث في الخرائط القديمة ليعلن النتيجة: جد جد جد جدك اسمه منصور بن بلقن أو باقين دلف الى الأندلس في حملة يوسف بن تاشفبن لقتال القشتاليين وكان مسؤولاً عن تنظيف السيوف وغرفة نوم الأمير في معركة الزلاقة حوالي 1087 ميلادية. يلمس أنك بدأت تنزعج، يعني تدفع عشرة يوروات ويطلع جدك «منظفاتي»؟، فيرقعها: «إنما أعجب الأمير بشجاعة ابنه ناصر فولاه مهمة حمايته الشخصية ثم أعطاه ولاية يديرها بين قرطبة وإشبيلية وهذا جدك الحقيقي الذي أطاح به أحد قادة الفونسو البرتغالي».
افا يا الفونسو، أطحت بجدي ناصر؟ يجي منك أكثر، تضحك في سرك وتقول لو أعطيته عشرين يورو لكان جدي طارق بن زياد نفسه، تبتسم وتسأله عن اسمه فيقول: خوسيه، ترد: خوسيه بالعربي يمكن أن تكون حسن أو حسين أو يوسف أو حسني أو حسنين أو حسونة، اعطني خمسة يوروات فأقول لك من هو جدك. يدير وجهه شطر سائح آخر ويعود إلى تمتمته التي تشبه النحيب.
ما زالت هناك أشياء مشتركة بيننا وبين الإسبان.
في قصر الحمراء، أو قصور الأمراء والخلفاء في إشبيلية وقرطبة، مآذن وأبراج ونقوش إسلامية وأخرى تعظّم السلاطين، لكن التمعن فيها يكشف أن الاستعمار العربي الذي استمر قروناً في تلك البقعة الرائعة الجمال إنما أنهاه «الاستحمار» وليس جيوش الإفرنج، فحروب ملوك الطوائف مثل الافطس وبنو عامر والقاسم والأحمر وحمود والمرابطون والموحدون كانت أكثر قسوةً من حروب الآخرين على إمارة الأندلس، حتى إن «أبو عبد الله الأحمر» الذي ملأ شعاره «لا غالب إلا الله» جدران وأعمدة قصر الحمراء إنما قصد به الموحدين المسلمين الذين قاتلهم.
المهم أضاعوها، وربما كان جيداً أنهم فعلوا ذلك وفق قراءات الحاضر حيث لا يعرف العرب إدارة مشروع عمراني واحد ويعجزون عن تغيير ما في أنفسهم. ومن يقارن بين شوارع ومناطق المثلث الأندلسي وشوارعنا ومناطقنا يدرك قدرتنا، حالياً، على زراعة القبح وحصد خيباته وقدرة الآخرين على زراعة الجمال وحصد خيراته.
لكن البشر بشر، والنصابون طائفة واحدة خصوصاً إذا كانوا من أصحاب الدم الخفيف. في إشبيلية وقرب الكاتدرائية التي كانت مسجداً، يتحلّق السياح حول رجل طاعن في السن وأمامه خرائط قديمة وأحجار كريمة، لكنه لا يأبه لهم بل لذوات السحنات العربية مثلنا. يتمتم بكلمات كأنها نحيب ثم يومئ بيده أن نقترب فنفعل، يرحب بكلمتين عربيتين ثم يخبرك إن إشبيلية كانت تسمى «حمص»،لأن القادة الذين فتحوها كانوا من حمص والشام ووطنوا عائلاتهم فيها، ثم يسألك: ما اسم جدك؟ تخبره فيبدأ البحث في الخرائط القديمة ليعلن النتيجة: جد جد جد جدك اسمه منصور بن بلقن أو باقين دلف الى الأندلس في حملة يوسف بن تاشفبن لقتال القشتاليين وكان مسؤولاً عن تنظيف السيوف وغرفة نوم الأمير في معركة الزلاقة حوالي 1087 ميلادية. يلمس أنك بدأت تنزعج، يعني تدفع عشرة يوروات ويطلع جدك «منظفاتي»؟، فيرقعها: «إنما أعجب الأمير بشجاعة ابنه ناصر فولاه مهمة حمايته الشخصية ثم أعطاه ولاية يديرها بين قرطبة وإشبيلية وهذا جدك الحقيقي الذي أطاح به أحد قادة الفونسو البرتغالي».
افا يا الفونسو، أطحت بجدي ناصر؟ يجي منك أكثر، تضحك في سرك وتقول لو أعطيته عشرين يورو لكان جدي طارق بن زياد نفسه، تبتسم وتسأله عن اسمه فيقول: خوسيه، ترد: خوسيه بالعربي يمكن أن تكون حسن أو حسين أو يوسف أو حسني أو حسنين أو حسونة، اعطني خمسة يوروات فأقول لك من هو جدك. يدير وجهه شطر سائح آخر ويعود إلى تمتمته التي تشبه النحيب.
ما زالت هناك أشياء مشتركة بيننا وبين الإسبان.