أميركا في مساجد الكويت ... ومسرح الحسين!


تأثرت كثيرا وانا اقرأ بتمعن اهتمام الادارة الاميركية التفصيلي بأحوال السنة والشيعة في الكويت واحوال المسيحيين والبوذيين والهندوس والبهرة والبهائيين الذين يعيشون في الكويت. تأثرت جدا في الحقيقة كيف ان دولة عظمى قائدة واحدة وحيدة للعالم تنسى ازمتها المالية الضخمة وانتخاباتها المقبلة ومشاكل انتشارها الدولي وحربها ضد الارهاب العالمي وتهتم بإحصاء عدد مساجد السنة في الكويت وعدد مساجد الشيعة ودخول المسيحيين الى الكنائس وتعبد الاقليات في بيوتهم او في اماكن خاصة. بل اكثر من ذلك تأثرت جدا جدا جدا بما ورد في تقرير الخارجية الاميركية عن حرية العبادة في الكويت من ان السلطات الكويتية لم تأذن قبل عامين بإعادة تمثيل استشهاد سيد الشهداء الامام الحسين بن علي عليه السلام في ذكرى عاشوراء وانطلاق مسيرات في الشوارع رغم اشادة التقرير بتأمين السلطات كل المتطلبات الامنية اللازمة لإحياء الشيعة هذه المناسبة.
وسبب تأثري انني يستحيل ان اصدق ان العم سام عطوف رؤوم محب حنون مهتم بتفاصيل كل فرد في كل دولة مهما كانت ديانته او طائفته او جنسيته. مررت الادارة الاميركية في تقريرها عن الكويت الجملة التالية: «في الكويت قوانين ضد الكفر، والردة، والتبشير (انما) تبقى الحالات التي ينطبق عليها هذا القانون محدودة». هي تتحدث عن قانون صارم وواضح وفي المقابل عن نهج تسامحي، وكم كانت سعادتنا اكبر وعين الرضى اوسع لو ان الاهتمام الاميركي بـ «كافر» و«ملحد» و«مرتد» قابله اهتمام مماثل بـ «مؤمن» و«مظلوم» و«مقهور» سقط برصاص بندقية اميركية يحملها اسرائيلي او بـ «شهيد» قضى مع افراد اسرته تحت جنازير مدرعة «ام 113» الاميركية الشهيرة، او بمجموعات بشرية بكاملها اخذت بجريرة قلة ارهابية فدفعت ثمن انتمائها القومي والديني، او بمجتمع كامل يموت رويدا رويدا نتيجة الحصار والقمع والمعاناة، او بمقدسات اسلامية تنتهك في وضح النهار، او بتغيير اماكن عبادة تاريخية للمسلمين والمسيحيين بحفريات وانشاءات، او باصدار تقرير شديد اللهجة ضد هذا الجنوح الدولي الخطير للاساءة الى المعتقدات والشرائع تارة باسم الحرية وطورا باسم الابداع... ودائما دائما تحت مظلة التأثر بالحرب على الارهاب.
وسبب تأثري ايضا ان التقرير الاميركي يأتي في وقت يشتد فيه السجال بين سنة وشيعة على امور مضى عليها 1400 عام. كأن الحرب على الارهاب التي بدأت بـ «خطأ» التعبير عن «حرب صليبية» كانت اشبه بقنبلة عنقودية كبيرة تفجرت هنا وهناك على مستويات افقية وعامودية، اي بين الاديان والطوائف والمذاهب والمناطق والقبائل. فعندما تقود اميركا «العلمانية» حملة دولية دينية علينا ان ننتظر من مجتمعات وشعوب، ما زال الدين والمذهب والانتماء المناطقي والطائفي هو الغطاء الحقيقي لسياساتها، الكثير الكثير من الانقسام والتطرف.
سجال كبير انطلق بين سماحة الشيخ يوسف القرضاوي وسماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله ليتسع لاحقا الى دعاة آخرين عرب وايرانيين. ومع الاحترام الكبير لقامات العلماء والمفكرين الاسلاميين الا ان آخر ما يحتاج اليه العالم العربي والاسلامي هو البحث في قشور التميز التي وجدت قبل مئات السنين فنمضي الوقت في الحديث عن زمن الخلافة ومواقف مؤيدين لهذا الخليفة او ذاك فيما الادارة الاميركية التي اصدرت تقريرها عن الحريات الدينية في العالم تأخذ العالم الى ازمة مالية واقتصادية تاريخية نتيجة افلاس كبريات بنوكها وشركاتها، وتخصص تريليون دولار (الف مليار دولار) لوقف النزيف المالي الداخلي في ما عرف بأزمة القرن، تاركة مجتمعا عربيا واسلاميا يكرس اهتمامه لما حدث في زمن الخلافة يتلقى توابع الزلزال المالي اليوم او غدا من دون اي خطة او رؤية او قدرة... اذا لم نقل من دون ان يكون هناك استيعاب لما جرى.
إلهنا واحد، نبينا واحد، قرآننا واحد، ديننا واحد. نترك كل هذا التوافق الذي اسس امبراطوريات في ما مضى وننغمس في إعلاء شأن «الخرابيط»، وصولا الى التفرقة والانقسام والتطرف والتخلف. واذا كان السجال الذي فجرته مقابلة للشيخ القرضاوي يدور الآن بين السنة والشيعة فإن القرضاوي نفسه قال ان الخلافات بين السنة والشيعة هي اقل احيانا من الخلافات بين مذاهب السنة نفسها، ما يعني اننا قد نشهد سجالا مماثلا لاحقا في حال قال احد العلماء الشافعيين رأيا في المذهب الحنبلي او المالكي او بالعكس... لننتقل من الانقسام الى التفتيت وبالتالي الى الطيران في فضاءات الآخرين مع اي ذرة ريح.
تبذل اميركا جهدا في احصاء عدد مساجدنا وطرق تعبدنا. صدرنا اليها همومنا فزادتها هموما، وصدرت الينا تقريرا عن الحريات فزدناها انتكاسا. لكنها لم تصدر الينا مواقف عادلة ومعايير مبدئية واحدة تصون السيادة والحريات، ولم تصدر بالطبع ما يساعدنا على الانجاز العلمي والتطوير القانوني والشفافية الادارية والتحديث التنموي وغيرها من العناصر الكفيلة بوضع مجتمعاتنا في الطريق الصحيح نحو المستقبل... سخية «ماما امريكا» في صفقات السلاح وتقارير الحرص على المساجد والمعتقدات والخصوصيات الطائفية والمذهبية (وقد يقول خبيث ان السلاح ضرورة لخدمة الانقسامات الطائفية) لكنها بخيلة جدا في الصفقات الانسانية والعطاء الحضاري.
اميركا الحريصة على زيادة عدد مساجد الشيعة في الكويت وحرية ممارستهم لمعتقداتهم هي اميركا نفسها التي تعتبر التنظيمات الشيعية المجاهدة المقاومة لاسرائيل تنظيمات ارهابية.
واميركا المشيدة بمراقبة الدولة في الكويت لمساجد السنة هي اميركا نفسها التي تعتبر الجمعيات الخيرية السنية الاسلامية الكويتية جمعيات داعمة للارهاب ومساهمة في تمويل «القاعدة».
لا يغرنا الموقف ولا تعمينا المقاصد والاهداف... اللهم الا من ارتضى منا لنفسه، سنيا كان ام شيعيا، ان يكون رصاصة في بنادق الآخرين.
جاسم بودي
وسبب تأثري انني يستحيل ان اصدق ان العم سام عطوف رؤوم محب حنون مهتم بتفاصيل كل فرد في كل دولة مهما كانت ديانته او طائفته او جنسيته. مررت الادارة الاميركية في تقريرها عن الكويت الجملة التالية: «في الكويت قوانين ضد الكفر، والردة، والتبشير (انما) تبقى الحالات التي ينطبق عليها هذا القانون محدودة». هي تتحدث عن قانون صارم وواضح وفي المقابل عن نهج تسامحي، وكم كانت سعادتنا اكبر وعين الرضى اوسع لو ان الاهتمام الاميركي بـ «كافر» و«ملحد» و«مرتد» قابله اهتمام مماثل بـ «مؤمن» و«مظلوم» و«مقهور» سقط برصاص بندقية اميركية يحملها اسرائيلي او بـ «شهيد» قضى مع افراد اسرته تحت جنازير مدرعة «ام 113» الاميركية الشهيرة، او بمجموعات بشرية بكاملها اخذت بجريرة قلة ارهابية فدفعت ثمن انتمائها القومي والديني، او بمجتمع كامل يموت رويدا رويدا نتيجة الحصار والقمع والمعاناة، او بمقدسات اسلامية تنتهك في وضح النهار، او بتغيير اماكن عبادة تاريخية للمسلمين والمسيحيين بحفريات وانشاءات، او باصدار تقرير شديد اللهجة ضد هذا الجنوح الدولي الخطير للاساءة الى المعتقدات والشرائع تارة باسم الحرية وطورا باسم الابداع... ودائما دائما تحت مظلة التأثر بالحرب على الارهاب.
وسبب تأثري ايضا ان التقرير الاميركي يأتي في وقت يشتد فيه السجال بين سنة وشيعة على امور مضى عليها 1400 عام. كأن الحرب على الارهاب التي بدأت بـ «خطأ» التعبير عن «حرب صليبية» كانت اشبه بقنبلة عنقودية كبيرة تفجرت هنا وهناك على مستويات افقية وعامودية، اي بين الاديان والطوائف والمذاهب والمناطق والقبائل. فعندما تقود اميركا «العلمانية» حملة دولية دينية علينا ان ننتظر من مجتمعات وشعوب، ما زال الدين والمذهب والانتماء المناطقي والطائفي هو الغطاء الحقيقي لسياساتها، الكثير الكثير من الانقسام والتطرف.
سجال كبير انطلق بين سماحة الشيخ يوسف القرضاوي وسماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله ليتسع لاحقا الى دعاة آخرين عرب وايرانيين. ومع الاحترام الكبير لقامات العلماء والمفكرين الاسلاميين الا ان آخر ما يحتاج اليه العالم العربي والاسلامي هو البحث في قشور التميز التي وجدت قبل مئات السنين فنمضي الوقت في الحديث عن زمن الخلافة ومواقف مؤيدين لهذا الخليفة او ذاك فيما الادارة الاميركية التي اصدرت تقريرها عن الحريات الدينية في العالم تأخذ العالم الى ازمة مالية واقتصادية تاريخية نتيجة افلاس كبريات بنوكها وشركاتها، وتخصص تريليون دولار (الف مليار دولار) لوقف النزيف المالي الداخلي في ما عرف بأزمة القرن، تاركة مجتمعا عربيا واسلاميا يكرس اهتمامه لما حدث في زمن الخلافة يتلقى توابع الزلزال المالي اليوم او غدا من دون اي خطة او رؤية او قدرة... اذا لم نقل من دون ان يكون هناك استيعاب لما جرى.
إلهنا واحد، نبينا واحد، قرآننا واحد، ديننا واحد. نترك كل هذا التوافق الذي اسس امبراطوريات في ما مضى وننغمس في إعلاء شأن «الخرابيط»، وصولا الى التفرقة والانقسام والتطرف والتخلف. واذا كان السجال الذي فجرته مقابلة للشيخ القرضاوي يدور الآن بين السنة والشيعة فإن القرضاوي نفسه قال ان الخلافات بين السنة والشيعة هي اقل احيانا من الخلافات بين مذاهب السنة نفسها، ما يعني اننا قد نشهد سجالا مماثلا لاحقا في حال قال احد العلماء الشافعيين رأيا في المذهب الحنبلي او المالكي او بالعكس... لننتقل من الانقسام الى التفتيت وبالتالي الى الطيران في فضاءات الآخرين مع اي ذرة ريح.
تبذل اميركا جهدا في احصاء عدد مساجدنا وطرق تعبدنا. صدرنا اليها همومنا فزادتها هموما، وصدرت الينا تقريرا عن الحريات فزدناها انتكاسا. لكنها لم تصدر الينا مواقف عادلة ومعايير مبدئية واحدة تصون السيادة والحريات، ولم تصدر بالطبع ما يساعدنا على الانجاز العلمي والتطوير القانوني والشفافية الادارية والتحديث التنموي وغيرها من العناصر الكفيلة بوضع مجتمعاتنا في الطريق الصحيح نحو المستقبل... سخية «ماما امريكا» في صفقات السلاح وتقارير الحرص على المساجد والمعتقدات والخصوصيات الطائفية والمذهبية (وقد يقول خبيث ان السلاح ضرورة لخدمة الانقسامات الطائفية) لكنها بخيلة جدا في الصفقات الانسانية والعطاء الحضاري.
اميركا الحريصة على زيادة عدد مساجد الشيعة في الكويت وحرية ممارستهم لمعتقداتهم هي اميركا نفسها التي تعتبر التنظيمات الشيعية المجاهدة المقاومة لاسرائيل تنظيمات ارهابية.
واميركا المشيدة بمراقبة الدولة في الكويت لمساجد السنة هي اميركا نفسها التي تعتبر الجمعيات الخيرية السنية الاسلامية الكويتية جمعيات داعمة للارهاب ومساهمة في تمويل «القاعدة».
لا يغرنا الموقف ولا تعمينا المقاصد والاهداف... اللهم الا من ارتضى منا لنفسه، سنيا كان ام شيعيا، ان يكون رصاصة في بنادق الآخرين.
جاسم بودي