لماذا تلقى دعوات تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) لتنفيذ هجمات في الغرب، هذا الصدى الواسع، ولا سيما من أشخاص ولدوا في الغرب بعد هجرة ذويهم، وبالكاد يعرفون بلدانهم الأصلية؟
فالهجوم على نادي مثليي الجنس في أورلاندو، تنطبق عليه مواصفات الاستجابة للدعوة التي أطلقها الناطق باسم التنظيم أبو محمد العدناني في شريط مسجل تم بثه في 22 مايو الماضي، لمهاجمة «الكفار» في كل مكان خلال شهر رمضان المبارك، ولا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا.
هناك شيء مشترك بين منفذي الهجمات التي وقعت في الغرب في الأشهر الأخيرة، من باريس إلى سان برناردينو إلى بروكسيل الى أورلاندو، هو أنهم لم يكونوا هم أنفسهم من أصحاب الحلم الاميركي أو الاوروبي، بل غالبا ممن ولدوا على فشل ذريع لذويهم في تحقيق هذا الحلم، بسبب عدم رغبتهم أو قدرتهم على الإندماج في المجتمعات التي حلّوا فيها، ليجدوا انفسهم في غربة ثقافية تبقيهم على ضفاف هذه المجتمعات، فيصبح الحلم لدى أولادهم معكوسا، اي حلم العودة الى الجذور، ولكنه يترجم بصورة مشوهة نتيجة عدم امتلاكهم ما يكفي من ثقافة الجذور، التي هي مثل ثقافات العالم الأخرى، تقوم في الأساس على التسامح ورفض العنف، وفق ما تقضي به الفطرة البشرية السوية.
التبرير الذي ساقه والد المهاجم الأفغاني الاصل عمر متين، هو أنه رأى مثليين جنسياً يتبادلان القبل في الشارع، بينما كان يصطحب طفله الصغير، فشعر باشمئزاز، وهو ما خالفته بعض الصحف الأميركية التي ذكرت أن متين نفسه كان مثليا وكان زبوناً منتظماً للنادي الذي هاجمه، كما أجرى اتصالات عبر تطبيقات هاتفية خاصة بالمثليين.
بغض النظر عن أي من الروايتين هي الصحيحة، فإن من يشتري رشاشا ويذهب إلى ناد للمثليين عند الثانية فجراً ويقتل 50 منهم ويجرح 50 آخرين قبل أن يُقتل، هو خارج عن الفطرة البشرية السوية، ويفعل ذلك تحت تأثير الخلل الذي أصيب به كونه يعيش على هامش المجتمع في الأصل. وفي هذه الحال يصبح المرتكب الذي يتغطى بالإسلام، مثل المتطرف اليميني الكاره للأجانب، الذي يطلق النار عشوائيا على مجموعة منهم ليقتل أكبر عدد ممكن، كما فعل المتطرف النروجي أندرس بريفيك الذي قتل 77 شخصا غالبيتهم من الأجانب في هجومه على مخيم شبابي في 2011، ومثل أي شخص من المختلين عقليا الذين يطلقون النار عشوائيا في المدارس أو الملاهي أو الثكنات في حوادث أصبحت تحصل بصفة شبه يومية في الغرب.
هذه هي العلاقة بين «داعش» وبين متين، وهذه هي العلاقة بين التنظيم وبين عناصر الخلايا التي هاجمت في باريس وبروكسيل وسان برناردينو، حتى لو كان بعض هؤلاء قد زاروا سورية والعراق، وانتموا فعليا إلى التنظيم وتدربوا على يديه. فبالنسبة للآلاف ممن تركوا حياتهم في الدول الغربية للقتال تحت راية التنظيم في سورية والعراق، جاء ذلك في سياق «الهجرة إلى أرض الخلافة»، أي العودة إلى الجذور. والكثير من هؤلاء يتشابهون في التقلّب الذي شهدته حياتهم، بين محاولات لمحاكاة نمط الحياة السائد في المجتمعات التي يعيشون فيها، تنتهي غالبا بالفشل وربما الانحراف، وبين اعتناق الأفكار المتطرفة في مسعى للخروج من غربتهم، نحو ما يعتقدون أنه مصالحة مع الذات الأصلية التي فشلوا في تغييرها.
لن تكون المعالجة، والحال هذه، سهلة أبدا. إذ كيف ستستطيع أجهزة الأمن في هذا البلد أو ذاك اكتشاف من الذي سينفذ الهجوم التالي من بين ملايين من تنطبق عليهم مواصفات الفشل في الاندماج؟ والدليل متين نفسه الذي استدعي مرتين إلى التحقيق لدى مكتب التحقيقات الفيديرالي في 2013 و2014 من دون أن يتمكن المكتب من استشراف أن هذا الرجل يمكن أن ينفذ في يوم من الأيام هجوما مثل الذي نفذه.
لكن الخطير في الأمر هو أن عدم قدرة المعالجات الأمنية على توقع وإحباط هذا النوع من الهجمات قبل حصولها، يعطي قوة لمقترحات مثل مقترح المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب بمنع المسلمين كافة من دخول الولايات المتحدة، أي الفصل الكامل مع المسلمين، ما عدا الذين يملكون حاليا الجنسية الأميركية، والذين يواجهون خيارات كلها مرة وصعبة، تتراوح بين العودة الطوعية إلى بلدانهم الأصلية، وبين البقاء حيث هم وتحمُّل نظرات الشك التي سينظر بها محيطهم إليهم.