الشعبوية في الغرب... هل سبّبها الإرهاب أم الاقتصاد؟

تصغير
تكبير
في تحقيق لها نشرته أخيراً، أقامت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية مقارنات بين ما يحصل حاليا من صعود للنزعة الشعبوية في الغرب، وبين إمساك أنظمة فاشية بالحكم في أوروبا في ثلاثينات القرن الماضي، ما أدى إلى الحرب العالمية الثانية.

رد مسؤولون كثيرون حول العالم في الأشهر الأخيرة أو السنة أو السنتين الماضيتين، صعود الشعبوية إلى تنامي الإرهاب العابر للحدود، وموجة المهاجرين التي اجتاحت أوروبا، كنتيجة لأزمات الشرق الأوسط ولا سيما منها الأزمة السورية.


لكن مدير المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية مارك ليونارد عزا في تحليل لافت للصحيفة السبب إلى الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في العام 2008 والتي أظهرت، وفق رأيه، كيف أدت العولمة إلى تجميد أجور أفراد الطبقة الوسطى في معظم بلدان العالم، وحوّلت السياسة إلى معركة على كعكة تزداد تقلصا، الأمر الذي استغله الشعبويون لإثارة غضب الشعوب التي تضررت من العولمة على النخب العالمية التي استفادت منها.

هذا التحليل يشبه التحليلات الكثيرة التي تقول ان من الأسباب الرئيسية التي يُنسب صعود هتلر وأقرانه من الفاشيين اليها في ثلاثينات القرن الماضي، وربما السبب الأول، هو الكساد العظيم الذي ضرب العالم في العام 1929، بعد انهيار سوق الأسهم الأميركية، تماما كما حصل في العام 2008 عندما انهار مصرف الاستثمار «ليمان براذرز» وانفجرت أزمة الرهن العقاري وتدهورت البورصات العالمية، ما أدى إلى أكبر ركود عالمي منذ أزمة 1929. في الأزمة الأولى لم يكن هناك أرهاب إسلامي، ولا مشكلة لاجئين من الشرق الأوسط إلى الغرب.

في الشهر الماضي، خسر اليمين المتطرف الانتخابات الرئاسية النمسوية بفارق ستة أعشار من النقطة المئوية (50.3 إلى 49.7). وفي إيطاليا حققت «حركة خمس نجوم» الشعبوية بالامس، مكاسب قوية في الجولة الأولى من الانتخابات المحلية على حساب الحزب الديموقراطي بزعامة رئيس الوزراء ماتيو رينزي. وفي بلدان اكثر تاثيرا مثل المانيا وفرنسا، يواصل اليمين المتطرف كسب ارضية اكبر، بحيث اصبح يشكل تهديدا جديا ليمين الوسط واليسار معا.

لكن الأكثر إثارة للخوف يبقى احتمال فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، لا سيما بسبب وعدين أطلقهما في حملته الانتخابية، الأول بناء جدار مع المكسيك (على حسابها) لصد المهاجرين، والثاني منع المسلمين كافة (باستثناء رئيس بلدية لندن حتى الآن) من دخول البلاد «موقتا».

تردد تشبيه ترامب بهتلر وموسوليني على ألسنة كثيرين من الشخصيات العالمية المرموقة، وبينهم رؤساء دول.

والمرشح الجمهوري نفسه فعل ما شجع هؤلاء على ذلك، فهو كان قد أعاد تغريدة تنقل قولا لموسوليني مفاده أنه «من الأفضل لك أن تعيش اسدا ليوم واحد، من أن تعيش خروفا لمئة سنة»، وعندما سئل عنها رد بالتقليل من أهمية هوية القائل، مضيفا: «ما الفرق إن كان القائل موسوليني أو أي شخص آخر؟»

ومثلما صعدت الأنظمة الفاشية على ظهر الكساد الاقتصادي في ثلاثينات القرن الماضي، يتهم ترامب اليوم العولمة بالتردي الذي وصل إليه الوضع في بلاده، فالعولمة بنظره هي التي نقلت الوظائف من الأميركيين إلى الصينيين، وهي التي سمحت للمهاجرين المكسيكيين وغيرهم من أبناء القارة الأميركية باجتياح بلاده.

هل يدفع غصب الأميركيين على المؤسسة الحاكمة إلى إيصال شخص مثل ترامب إلى الرئاسة في الدولة التي يفترض أنها تساهم بديبلوماسيتها وتدخلاتها العسكرية في ضبط إيقاع السياسة العالمية؟ وكيف سيختل التوازن الذي يقوم عليه العالم في مثل هذه الحالة؟ لكن قبل ذلك هل يمكن وصف ترامب بأنه فاشي؟ أم أنه يعبر فقط عن غضب من الوضع القائم وإنه إذا وصل للرئاسة سيخفف لهجته ويتعامل مع الأمور بواقعية أكبر؟

تحصل بين الحين والآخر اشتباكات بالأيدي في مهرجانات ترامب، لكن في بعض الحالات يكون أنصاره هم المعتدى عليهم، كما إنه لا يقود جماعات شبابية تهاجم الأجانب كما فعل الفاشيون، لكنه في المقابل سبق أن أبدى إعجابه بعصابة «كو كلاكس كلان» العنصرية.

هل يتحول العالم إلى ارض صراع بين فاشيات ردا على العولمة فنعود إلى وضع مماثل لما كانت عليه أوروبا في ثلاثينات القرن الماضي؟ الانتخابات الأميركية في نوفمبر تحمل جزءاً من الجواب.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي