حكم الأكل إلى الشِّبَع... وهل يُعدُّ إسرافاً؟ (1 من 2)

تصغير
تكبير
الإسرافُ مذموم في الأكل وغيره. قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/‏31، وقال تعالى: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/‏141، وقال سبحانه: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوما مَحْسُورا) الإسراء/‏29، وقال: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/‏26، 27.

والفرق بين الإسراف والتبذير: «أن السرف صرف الشيء فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي. والتبذير صرفه فيما لا ينبغي» قاله المناوي في «فيض القدير» (1/‏ 50).

والإسراف هو مجاوزة الحد، ويكون ذلك بالأكل فوق الشبع، وهذا لا يتحدد بوجبة أو وجبتين أو ثلاث، فقد يأكل الإنسان وجبة واحدة في اليوم ويسرف فيها. وقد يأكل ثلاث وجبات بغير إسراف.

وحديث المقداد فيه الحث على التقليل من الطعام والاكتفاء بما يقيم الصلب، وليس فيه تعرض لعدد الوجبات، فقد يأكل هذه اللقيمات ثلاث مرات في فطوره وغدائه وعشائه، ويكون مقتصدا مقلا، فإن أراد أن يتجاوز اللقيمات - في وجبته - فليجعل ثلثا لطعامه، وثلثا لشرابه، وثلثا لنفَسه، فإن احتاج إلى وجبة أخرى - كما هو غالب حال الناس - فلا حرج في ذلك، ويراعي فيها ما سبق أيضا، وهكذا لو احتاج إلى ثلاث وجبات أو أربع، وعدد الوجبات يختلف باختلاف الشخص، ونوع الطعام، وطبيعة المجهود الذي يبذله.

والمقصود هو حفظ البدن، وعدم الإضرار به، سواء بالشبع أو بالجوع.

والمقصود أيضا: التقوي على الطاعة، وهذا يحصل بالأكل المعتدل، لا بالتخمة المُثقلة، ولا بالجوع المنهك.

قال القرطبي رحمه الله في تفسير آية آل عمران: «قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) قال ابن عباس: أحل الله في هذه الآية الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة. فأما ما تدعو الحاجة إليه، وهو ما سد الجوعة وسكن الظمأ، فمندوب إليه عقلا وشرعا، لما فيه من حفظ النفس وحراسة الحواس، ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال، لأنه يضعف الجسد ويميت النفس، ويضعف عن العبادة، وذلك يمنع منه الشرع وتدفعه العقل. وليس لمن منع نفسه قدر الحاجة حظ من بر ولا نصيب من زهد، لأن ما حرمها من فعل الطاعة بالعجز والضعف أكثر ثوابا وأعظم أجرا.

وقد اختُلف في الزائد على قدر الحاجة على قولين: فقيل حرام، وقيل مكروه. قال ابن العربي: وهو الصحيح، فإنّ قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان والأزمان والأسنان والطعمان. ثم قيل: في قلة الأكل منافع كثيرة، منها أن يكون الرجل أصح جسما وأجود حفظا وأزكى فهما وأقل نوما وأخف نفسا. وفي كثرة الأكل كظ المعدة ونتن التخمة، ويتولد منه الأمراض المختلفة، فيحتاج من العلاج أكثر مما يحتاج إليه القليل الأكل. وقال بعض الحكماء: أكبر الدواء تقدير الغذاء» انتهى من «تفسير القرطبي» (7/‏ 191).

وفي الموسوعة الفقهية (25/‏ 332): «من آداب الأكل: الاعتدال في الطعام، وعدم ملء البطن، وأكثر ما يسوغ في ذلك أن يجعل المسلم بطنه أثلاثا: ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس؛ لحديث: (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه). ولاعتدال الجسد وخفته؛ لأنه يترتب على الشبع ثقل البدن، وهو يورث الكسل عن العبادة والعمل. ويُعرف الثلث بالاقتصار على ثلث ما كان يشبع به. وقيل: يعرف بالاقتصار على نصف المد، واستظهر النفراوي الأول لاختلاف الناس. وهذا كله في حق من لا يضعفه قلة الشبع، وإلا فالأفضل في حقه استعمال ما يحصل له به النشاط للعبادة، واعتدال البدن.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي