من خلال تعاملنا مع الآخرين - ولطبيعتنا البشرية - فقد يقع منّا أذى تجاههم، سواء كان بدنيا أو معنويا، وقد يكون متعمدا أو عن طريق الخطأ.
والشجاعة الأدبية والأخلاقية تستلزم من الإنسان أن يبادر إلى الاعتذار، لأن ذلك خلق إسلامي، ولما في الاعتذار من ترضية للطرف الآخر وكسب لقلبه وتعويضا لما لحق به من أذى.
وتاريخنا الإسلامي حافلٌ بالأمثلة الرائعة التي نتعلم منها، فموقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابي سواد بن غزية في معركة بدر حينما كان عليه الصلاة والسلام يساوي صفوف الجيش، فدفع الصحابي في بطنه، فقال الصحابي أوجعتني يا رسول الله، فكشف النبي عليه الصلاة والسلام عن بطنه ليأخذ الصحابي حقه... إلى آخر الموقف.
وها هو أبو ذر الغفاري يُعيّر بلال بن رباح بأمه السوداء، فلما عاتبه الرسول صلى الله عليه وسلم على كلمته، اعتذر من بلال ووضع رأسه على الأرض، وقال: «طأ على رأسي حتى تأخذ حقك».
إنها نفوس لا تعرف الكبر أو التعالي، ولا تتردد في الاعتذار عند الخطأ، لأنها تتعامل مع الله وتبتغي رضاه.
وفي المقابل، قد نجد نفوسا تأبى أن تعتذر عن خطئها، وتأخذها العزة بالإثم من أمثال جبلة بن الأيهم، وهو أحد ملوك الغساسنة في الشام، كان نصرانيا ثم أسلم وقدم المدينة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وفي موسم الحج، داس رجل فقير على إزار جبلة، فالتفت إليه غاضباً ولطمه على وجهه فهشّم أنفه. فاشتكى الرجل إلى عمر، الذي استدعى جبلة وسأله، فأقر بفعلته.
فقال عمر: «إما أن ترضي الرجل وتعتذر منه، وإلا نقتص منك بأن يلطمك على وجهك».
فقال جبلة: «يقتص مني وأنا ملك وهو من السوقة (أي العامة والفقراء)»؟
فقال عمر «إن الإسلام ساوى بينك وبينه». فرد جبلة: «أمهلني إلى الغد».
ثم خرج هاربا من مكة، وسار إلى أن وصل إلى القسطنطينية ثم غيّر دينه وتنصّر، ثم ما زال على النصرانية حتى مات.
قد يصدر الخطأ منك تجاه فرد أو مجموعة، فلابد أن تمتلك شجاعة الاعتذار، وقد يقع الخطأ من فرد أو جماعة أو حزب أو فئة، تجاه فرد أو مجتمع، وهؤلاء لابد أن يقدموا الاعتذار.
تستغرب عندما يستقيل وزير أجنبي عند وقوع خطأ جسيم تتحمل مسؤوليته الوزارة التي يتولى مسؤوليتها ويعتذر، في وقت تقع كوارث يتسبب فيها بعض الوزارات في عالمنا العربي، ويندر أن ترى مسؤولا يتخلى عن كرسيه أو يقدم اعتذاره!
أعجبني الموقف الذي قام به رئيس الخطوط الجوية الكورية عندما قدم اعتذاره وجعل ابنته تعتذر أمام الملأ وأمام وسائل الإعلام لأنها تسببت في تأخير إحدى الرحلات لمدة 11 دقيقة فقط، جراء إهانتها لأحد المضيفين، وقال: «أعتذر جدا لأننّي لم أُربِّها تربية حسنة، وأطلب منكم الصفح والمغفرة».
لو حصلت هذه الإساءة والخطأ في بلد عربي، يا ترى هل سنرى الموقف نفسه؟
أثمّن شجاعة من أيدوا الانقلابات ثم اعتذروا بعد أن تبينت لهم الحقيقة، وأثني على شجاعة من انخدعوا في «حزب الله»، فأيدوه وناصروه ثم اعتذروا بعد أن تكشّفت حقيقة الحزب بعد تدخله السافر في سورية ودعمه النظام الذي يقتل المدنيين الأبرياء.
شجاعة الاعتذار لا يملكها كل إنسان، وقبول الاعتذار لا يتم إلا من أصحاب الفضل:
أقبل معاذير من يأتيك معتذرا... إن برّ عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من يرضيك ظاهره... وقد أجلّك من يعصيك مستترا
Twitter:@abdulaziz2002