بالأمس دخلت القوات الحكومية العراقية مدينة الرطبة في الأنبار، وهي آخر بلدة عراقية مأهولة على الطريق الرئيسي الذي يصل العاصمة العراقية بمعبري الوليد مع سورية وطريبيل مع الأردن، أي مع دمشق وعمان، واللذين ما زالا تحت سيطرة «داعش».
وبالأمس أيضا أعادت الحكومة السورية الحركة جزئيا أمام نقل البضائع بين دمشق وبغداد، بعد انتهاء المعارك بين الجيش النظامي السوري و«داعش» في محيط مطار الضمير العسكري شمال شرقي دمشق، وعودة تطبيق الهدنة في المدينة، لكن عبر طريق فرعية تلتف على معبر الوليد. لم يكن ذلك ممكنا لولا استعادة النظام السوري قبل ذلك مدينتي تدمر والقريتين اللتين تحميان طريق دمشق - بغداد في البادية السورية من جهة مناطق تواجد التنظيم في دير الزور والرقة، بحيث تصبح الطريق مؤمنة على الجانب السوري، ولا يبقى سوى طرد «داعش» من معبر الوليد لتصبح الطريق البرية الرئيسية مفتوحة ومؤمنة بالكامل من جانب قوى حليفة لإيران، من بغداد إلى دمشق، واستطرادا من طهران إلى بيروت.
يأتي ذلك في ظل تراجع واضح لـ «داعش» دفعه إلى إعادة إطلاق ماكينة العمليات الانتحارية ضد أهداف مدنية بالوتيرة التي كانت تحدث قبل إقامة «الخلافة»، حين كان يسقط نحو ألف قتيل شهريا في العراق في مثل هذه العمليات. وإذا أضيف إلى ذلك الإعلان الأميركي عن أن «عملية عزل التنظيم وسحقه في الموصل بدأت»، فيمكن أن يكون أوان حصر إرث التنظيم لتوزيعه على القوى التي تقاتله قد اقترب.
هذا يعني أن معركة الرطبة محورية لربط الأجزاء التي تقع تحت النفوذ الإيراني في كل من العراق وسورية ولبنان بطريق بري، مع استحالة سيطرة طهران التامة على كامل هذه البلدان، وذلك لتسهيل نقل المقاتلين والسلاح والبضائع بين مناطق النفوذ هذه، بما يعزز قوة إيران فيها، لا سيما حين يحين موعد الحديث عن التسويات.
وفي حال وقعت الخيارات الدولية على الحلول التقسيمية، كما يجري الترويج له في مراكز الأبحاث والإعلام وحتى من قبل السياسيين في دول الغرب، بمناسبة مرور 100 عام على معاهدة سايكس - بيكو التي تُلصق بها تهمة التسبب في الحروب الدائمة الدامية التي لم تغب عن هذه المنطقة منذ ذلك التقسيم، فإن هذه الطريق ستربط بين الكيانات التي تدور في الفلك الإيراني، بحيث يصبح لها منفذ على البحر المتوسط يمتد على طول الشاطئين اللبناني والسوري.
ألم يكن ممكنا إقامة هذا الوصل من دون كل هذه المعارك؟ الجواب ببساطة هو لا. كانت هناك حاجة إلى ترتيب الوضع في كل من سورية ولبنان والعراق.
في العراق احتاج الأمر إلى إبعاد «داعش» عن الرمادي وهيت من الجهة الشمالية لطريق بغداد - دمشق، بعد استعادة تكريت وبيجي، وعن المنطقة الممتدة من جرف الصخر حتى النخيب من الجهة الجنوبية، وكلها معارك استغرقت وقتا طويلا وكانت كلفتها عالية على المهاجمين.
وفي سورية لم يكن ممكنا ضمان السيطرة على الطريق حتى معبر الوليد الحدودي، إلا باستعادة مناطق عديدة في ريف دمشق إضافة إلى القريتين وتدمر في ريف حمص وتحييد الضمير إلى الشمال الشرقي من العاصمة السورية، فضلا تأمين هذه المناطق استراتيجيا من خلال السيطرة على بعض المناطق في أرياف اللاذقية وحماة وإدلب وحلب لجعل الوسط السوري وحتى البحر كله منطقة سيطرة واحدة، وهو ما لم يكن ممكنا بأي شكل لولا التدخل الجوي والبري الروسي، الذي أضيف إلى دخول طهران و«حزب الله» بكل ثقلهما في الحرب.
وفي لبنان كانت هناك ضرورة لتأمين الطريق بين دمشق وبيروت، والسيطرة على أجزاء من لبنان وسورية لحماية هذه الطريق بالمعنى الاستراتيجي، وهي كل الأجزاء الواقعة على جانبي الحدود السورية - اللبنانية، من تلكلخ حتى سفوح جبل الشيخ بما يشمل مدينة طرابلس اللبنانية وجبال القلمون السورية، وهي مناطق تطلبت السيطرة عليها سنوات، وما زالت هذه السيطرة غير كاملة، رغم ان المناطق الخارجة عنها معزولة ومحاصرة، مثل بلدة عرسال اللبنانية وبلدتي الزبداني ومضايا السوريتين وبعض جرود القلمون وعرسال.
يحتاج تأمين طريق مباشر بين طهران وبيروت إلى كل هذا، زائداً إدارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني للحرب.
husseinibr1@hotmail.com