مصدرعسكري كبير: «داعش» تحكّم بأقاليم في المنطقة ولم ينجح باختطاف شارع واحد عندنا
لبنان يسيطر «تكتيكياً» على الحدود مع سورية ويستبعد حرباً إسرائيلية... راهناً
تمارين بحث وإنقاذ في قاعدة حامات الجوية والبقعة البحرية المقابلة لها بين الجيشين اللبناني والبريطاني
لم تطمس الضوضاء السياسية - الانتخابية في لبنان حقيقةً تزداد سطوعاً، وهي ان ثمة مَن يقف «على سلاحه» لحراسة اللعبة السياسية و«حربها» في صناديق الاقتراع، في الوقت الذي تشتدّ لعبة الموت على مرمى العين في سورية وتشتعل صناديق الرصاص في غير مكان في المنطقة.
صحيحٌ ان الاستقرار في لبنان خطٌ أحمر بقرار دولي - إقليمي كبير، لكن الأصحّ ايضاً ان الجيش اللبناني ومعه القوى الأمنية الأخرى أثبتوا جدارةً ما فوق عادية في حماية الأمن الوطني، على الحدود وفي الداخل، رغم الاحتضار الخطير للدولة التي فقدتْ رأسها منذ عامين وتلاشتْ مؤسساتها الواحدة تلو الأخرى.
من الحرب في مواجهة الإرهاب وعليه، الى حراسة القرار 1701 على الحدود مع اسرائيل، ومن صوْن الاستقرار الداخلي الى حماية حق الانتخاب، ومن الحرب الاستباقية ضد التطرّف العابر للحدود، الى الانتشار بين الزواريب لإطفاء الصواعق الفتنوية... كلّها مهمات على عاتق الجيش والقوى الأمنية التي تسجّل وعلى نحو يومي إنجازات لا يستهان بها.
في لبنان، الوطن المسكون بالتنوّع والتعدّد والمُصاب بـ «السياسة» من رأسه حتى أخمص قدميه، العسكر لا يشبه «العسكريتاريا»، فهذا العسكر من هذا المجتمع بـ «حُلوه ومُرّه». ولكن رغم أثقال الانقسامات ومظاهر التناحر، بقي الجيش ومعه القوى الأمنية، عصياً معافى وحصيناً، ربما لأنه ليس جيش نظام او طائفة او غالبية أو أقلية.
وبعيداً عن الأسماء والألقاب والنجوم، يعرض مصدر عسكري كبير في «جلسة ودّية» شاركت فيها «الراي» خريطة الأخطار والتحديات التي تواجه لبنان وحجم الإنجازات التي تحققها المؤسسة العسكرية بالتكافل والتضامن مع القوى الأمنية اللبنانية الأخرى، وبالتعاون أيضاً مع الأجهزة الصديقة.
يفاخر المصدر العسكري بأن تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) الذي احتلّ مدناً ومحافظات وأقاليم في بعض الدول، لم يستطع احتلال شارع واحد في لبنان، بعدما نجح الجيش، عبر قراره الحاسم، في وأد محاولات، جرت قبل ان تبصر النور، وفي تعقّب اي تحرّكات، وفي إلقاء القبض على رؤوس مدبّرة وخلايا صارت بيد القضاء.
لم يقلّل العسكري الرفيع من ديمومة الخطر المتمثل بـ «داعش وأخواته»، فالمفاجئ في هؤلاء حركتهم السريعة في التنقّل العابر للحدود، وهم مجموعة أشرار وعصابات كابتاغون، قادَتُهم شُذّاذ آفاق وأصحاب مصالح مافيوية وتجّار مخدرات ويديرون بعض مَن تمّ غسْل أدمغتهم الى درجة يريدون معها تفجير أنفسهم كيفما كان وأينما كان.
لا بيئة حاضنة لهؤلاء في لبنان، يقول المصدر العسكري الذي كشف عن ان حالات الفرار من الجيش اللبناني الذي يضمّ عشرات الآلاف اقتصرت على جندييْن، واحد قُتل لاحقاً في سورية وآخر في الشمال، ملاحِظاً ان اي بناية سكنية تشبه في اختلاط قاطنيها لبنان برمّته، وتالياً فإن هذا التنوّع هو نقيض التطرف.
وفي تقدير المصدر العسكري عيْنه، ان النزوح السوري تحوّل الى ما يشبه واحد من صمامات الأمان في حفظ الاستقرار في لبنان، نتيجة العناية الدولية التي نحظى بها، فالعالم يأتي الينا للمساعدة رغبةً منه في تجنيب لبنان أيّ مشكلات، من شأنها تهجير النازحين الى شواطئ المجتمع الدولي، مع تأكيد موقف لبنان بكل فئاته وقواه على رفض اي توطين لأيّ نازح في أراضيه.
ويُطَمْئن المصدر العسكري الرفيع الذي يَعرف ما لا يعرفه الآخرون بحكم موقعه، الى ان النزوح السوري لا يهدّد مصير لبنان، يؤثر سلباً على النواحي الاقتصادية والأمنية والبيئية لكنه لا ينطوي على تهديد كياني او ما شابه، وخصوصاً ان واقع النزوح على ضخامته يبقى تحت السيطرة.
الأكثر مثاراً للقلق في رأي المصدر العسكري، ربما يهبّ من مخيم عين الحلوة الفلسطيني (القريب من صيدا) نتيجة وجود مجموعة لـ «داعش» تعمل في اتجاهين: ترغيب عبر السعي لتطويع المزيد، وترهيب على طريقة اغتيال أحد أهمّ ضباط «فتح» فتحي زيدان قبل شهر.
ورغم هذا القلق، فإن الجيش، وبحسب المصدر العسكري، في كامل جهوزيته لمواجهة أيّ حالات تفلّت... التنسيق قائم مع الجهات الفلسطينية المسؤولة عن المخيّم، التدابير مشدَّدة على مداخله، والإرادة حاضرة لمنع تَمدُّد ايّ خطر داخل «عين الحلوة» او خارجه.
هذا النوع من التحديات لم يحرف أنظار الجيش عن مهمات ذات طبيعة استراتيجية يلخّصها المصدر العسكري حالياً بالآتي:
- السيطرة التكتيكية للجيش على الحدود الشرقية والشمالية المتاخمة لسورية لإبعاد خطر ايّ اختراق من «داعش» في اتجاه لبنان، وهو سجّل نجاحات مشهود لها من خلال العمليات الاستباقية والرصد والمتابعة وما شابه.
- البقاء على الجهوزية في جنوب لبنان ومواصلة العمل على ترسيم الخط الأزرق والسهر على احترام القرار 1701 بالتعاون مع قوات «اليونيفيل» المعزَّزة. واذا كانت التجارب دلّت على ان إسرائيل لن تتورّع عن ممارسة عدوانيتها، لكن من المستبعد وفق التوازنات الحالية قيام العدو بأي حرب في اللحظة الراهنة.
- العمل على استكمال تجهيز الجيش الذي تَضاعفت مهماته مع التحديات الناجمة عن الإرهاب والخطر الإسرائيلي، وثمة بارقة أملٍ في إمكان إعادة تحريك الهبة السعودية المخصصة لتسليح الجيش اللبناني.
... وينزلق إلى «التخنْدق الطائفي» من بوابة «البلدية»
| بيروت - «الراي» |
لا تكتم أوساط سياسيّة لبنانيّة بارزة في فريق «14 آذار» قلقها من تصاعد التداعيات التي تركتها وستتركها الانتخابات البلدية والاختيارية الجارية طوال شهر مايو الجاري في لبنان على واقعٍ سياسي يُخشى ان تصبح العشوائية والفوضى ميزته الأساسية.
وتلفت هذه الاوساط عبر «الراي» الى ان الجولة الأولى من هذه الانتخابات في بيروت والبقاع وحدها بدت كفيلة بقلب الحسابات السياسية رأساً على عقب لدى كل الأفرقاء السياسيين، فكيف حين تتوالى نتائج الجولات الثلاث المتبقية في جبل لبنان (بعد غد) والجنوب (في 22 الجاري) والشمال (في 29 منه)؟
ولعل المفارقة البارزة تمثّلت في انفجار أزمةٍ كبيرة وخطيرة جديدة بين «تيار المستقبل» الذي يقوده الرئيس سعد الحريري وبين حلفائه المسيحيين في موازاة صعود ملامح أزمةٍ مماثلة بين «حزب الله» وبين «التيار الوطني الحر» الذي يتزعّمه العماد ميشال عون.
واذا كانت ملامح الأزمتيْن تتشابه مبدئياً مع شيء مماثل حصل قبل اشهر لدى ترشيح الحريري لرئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية وما أثاره ذلك من تداعيات قوية على علاقته بحزب «القوات اللبنانية» (بقيادة سمير جعجع) الذي ذهب بعدها الى ترشيح العماد عون للرئاسة، فان الأوساط السياسية البارزة نفسها تعتقد ان الأثَر السياسي لما أعقب انتخابات الاحد الماضي يرسم علامات خطر أكبر من السابق بحيث تبدو علاقات القوى المسيحية في «14 آذار» عموماً وتيار «المستقبل» على محك امتحانٍ شديد الخطورة يبلغ حد احتمال الفراق السياسي وتاليا انتهاء معسكر «14 آذار» تماماً. وبرز هذا الخطر من خلال تَبادُل الحملات والاتهامات بين الفريقين بعدم التزام التعهدات المقطوعة بين الحلفاء في انتخابات بيروت التي أدّت الى بروز اللائحة المنافِسة للائحة التحالف الحزبي كأنها هي المنتصرة في النهاية بفعل نيلها أكثر من أربعين في المئة من الاصوات وخصوصاً من المناطق المسيحية.
وتخشى الاوساط، في ظل تركيز يومي وواسع للإعلام القريب من «حزب الله» وقوى «8 آذار» على الخلافات الناشبة بين «المستقبل» والاطراف المسيحيين، ان تنهار واقعياً كل عوامل إمكانات احتواء الأزمة الجديدة ونشوء حالات انقطاع سياسي بين حلفاء «14 آذار».
وتقول الأوساط عيْنها انه صحيح ان «حزب الله» لا يخرج مرتاحاً بدوره من الاستحقاق الانتخابي الذي كشفت نسب اللوائح المعارِضة له في بعلبك مدى تَراجُع قوته في قلب بيئته الشيعية كما نشأت أمامه عقبة اهتزاز في علاقته بـ «التيار الوطني الحر» الذي أبدى انزعاجاً قوياً من توزيع الحزب دعمه في زحلة على اللوائح الثلاث التي تنافست ولم يخصّه وحده بهذا الدعم، إلا ان الأزمة في ملعب «8 آذار» تبدو أقل خطورة أقلّه بما توحيه المعطيات القائمة حالياً مقارنةً بالتداعيات التي تصيب مناخ العلاقات بين تيار «المستقبل» وأفرقاء مسيحيين وسط تبادل الاتهامات بينهم وتهاوي آخر جسور الثقة.
وتضيف هذه الأوساط أن ما يثير الخشية من تَفاقُم الأمور هو توقف كل الوساطات والمشاورات والاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين الحريري والقوى المسيحية الأخرى منذ الاحد الماضي ما يعني ان الأزمة أكثر من جدية وأصعب من ان تُحلّ قبل مراجعة واسعة لكل ما اعترى العلاقات داخل فريق «14 آذار».
وفيما تعرب الأوساط البارزة عن المخاوف من ان المناخ الذي تلا انتخابات بيروت والبقاع يشي بمزيد من «التخندق الطائفي» المسيحي - الاسلامي وسط الخشية من تداعيات لذلك على المراحل المقبلة من الانتخابات البلدية كما الانتخابات النيابية الفرعية في جزين التي تجري بالتزامن مع الاستحقاق البلدي في 22 مايو، فإنها لا تكتم القلق من ان تأتي تطورات أخرى على نار الاستحقاق الانتخابي الجاري لتُحدِث مزيداً من التباعد بين الحلفاء القدامى مثل الموقف من قانون الانتخابات النيابية الذي سترفع وتيرة البحث فيه كأولوية ملحة من الآن فصاعداً.
صحيحٌ ان الاستقرار في لبنان خطٌ أحمر بقرار دولي - إقليمي كبير، لكن الأصحّ ايضاً ان الجيش اللبناني ومعه القوى الأمنية الأخرى أثبتوا جدارةً ما فوق عادية في حماية الأمن الوطني، على الحدود وفي الداخل، رغم الاحتضار الخطير للدولة التي فقدتْ رأسها منذ عامين وتلاشتْ مؤسساتها الواحدة تلو الأخرى.
من الحرب في مواجهة الإرهاب وعليه، الى حراسة القرار 1701 على الحدود مع اسرائيل، ومن صوْن الاستقرار الداخلي الى حماية حق الانتخاب، ومن الحرب الاستباقية ضد التطرّف العابر للحدود، الى الانتشار بين الزواريب لإطفاء الصواعق الفتنوية... كلّها مهمات على عاتق الجيش والقوى الأمنية التي تسجّل وعلى نحو يومي إنجازات لا يستهان بها.
في لبنان، الوطن المسكون بالتنوّع والتعدّد والمُصاب بـ «السياسة» من رأسه حتى أخمص قدميه، العسكر لا يشبه «العسكريتاريا»، فهذا العسكر من هذا المجتمع بـ «حُلوه ومُرّه». ولكن رغم أثقال الانقسامات ومظاهر التناحر، بقي الجيش ومعه القوى الأمنية، عصياً معافى وحصيناً، ربما لأنه ليس جيش نظام او طائفة او غالبية أو أقلية.
وبعيداً عن الأسماء والألقاب والنجوم، يعرض مصدر عسكري كبير في «جلسة ودّية» شاركت فيها «الراي» خريطة الأخطار والتحديات التي تواجه لبنان وحجم الإنجازات التي تحققها المؤسسة العسكرية بالتكافل والتضامن مع القوى الأمنية اللبنانية الأخرى، وبالتعاون أيضاً مع الأجهزة الصديقة.
يفاخر المصدر العسكري بأن تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) الذي احتلّ مدناً ومحافظات وأقاليم في بعض الدول، لم يستطع احتلال شارع واحد في لبنان، بعدما نجح الجيش، عبر قراره الحاسم، في وأد محاولات، جرت قبل ان تبصر النور، وفي تعقّب اي تحرّكات، وفي إلقاء القبض على رؤوس مدبّرة وخلايا صارت بيد القضاء.
لم يقلّل العسكري الرفيع من ديمومة الخطر المتمثل بـ «داعش وأخواته»، فالمفاجئ في هؤلاء حركتهم السريعة في التنقّل العابر للحدود، وهم مجموعة أشرار وعصابات كابتاغون، قادَتُهم شُذّاذ آفاق وأصحاب مصالح مافيوية وتجّار مخدرات ويديرون بعض مَن تمّ غسْل أدمغتهم الى درجة يريدون معها تفجير أنفسهم كيفما كان وأينما كان.
لا بيئة حاضنة لهؤلاء في لبنان، يقول المصدر العسكري الذي كشف عن ان حالات الفرار من الجيش اللبناني الذي يضمّ عشرات الآلاف اقتصرت على جندييْن، واحد قُتل لاحقاً في سورية وآخر في الشمال، ملاحِظاً ان اي بناية سكنية تشبه في اختلاط قاطنيها لبنان برمّته، وتالياً فإن هذا التنوّع هو نقيض التطرف.
وفي تقدير المصدر العسكري عيْنه، ان النزوح السوري تحوّل الى ما يشبه واحد من صمامات الأمان في حفظ الاستقرار في لبنان، نتيجة العناية الدولية التي نحظى بها، فالعالم يأتي الينا للمساعدة رغبةً منه في تجنيب لبنان أيّ مشكلات، من شأنها تهجير النازحين الى شواطئ المجتمع الدولي، مع تأكيد موقف لبنان بكل فئاته وقواه على رفض اي توطين لأيّ نازح في أراضيه.
ويُطَمْئن المصدر العسكري الرفيع الذي يَعرف ما لا يعرفه الآخرون بحكم موقعه، الى ان النزوح السوري لا يهدّد مصير لبنان، يؤثر سلباً على النواحي الاقتصادية والأمنية والبيئية لكنه لا ينطوي على تهديد كياني او ما شابه، وخصوصاً ان واقع النزوح على ضخامته يبقى تحت السيطرة.
الأكثر مثاراً للقلق في رأي المصدر العسكري، ربما يهبّ من مخيم عين الحلوة الفلسطيني (القريب من صيدا) نتيجة وجود مجموعة لـ «داعش» تعمل في اتجاهين: ترغيب عبر السعي لتطويع المزيد، وترهيب على طريقة اغتيال أحد أهمّ ضباط «فتح» فتحي زيدان قبل شهر.
ورغم هذا القلق، فإن الجيش، وبحسب المصدر العسكري، في كامل جهوزيته لمواجهة أيّ حالات تفلّت... التنسيق قائم مع الجهات الفلسطينية المسؤولة عن المخيّم، التدابير مشدَّدة على مداخله، والإرادة حاضرة لمنع تَمدُّد ايّ خطر داخل «عين الحلوة» او خارجه.
هذا النوع من التحديات لم يحرف أنظار الجيش عن مهمات ذات طبيعة استراتيجية يلخّصها المصدر العسكري حالياً بالآتي:
- السيطرة التكتيكية للجيش على الحدود الشرقية والشمالية المتاخمة لسورية لإبعاد خطر ايّ اختراق من «داعش» في اتجاه لبنان، وهو سجّل نجاحات مشهود لها من خلال العمليات الاستباقية والرصد والمتابعة وما شابه.
- البقاء على الجهوزية في جنوب لبنان ومواصلة العمل على ترسيم الخط الأزرق والسهر على احترام القرار 1701 بالتعاون مع قوات «اليونيفيل» المعزَّزة. واذا كانت التجارب دلّت على ان إسرائيل لن تتورّع عن ممارسة عدوانيتها، لكن من المستبعد وفق التوازنات الحالية قيام العدو بأي حرب في اللحظة الراهنة.
- العمل على استكمال تجهيز الجيش الذي تَضاعفت مهماته مع التحديات الناجمة عن الإرهاب والخطر الإسرائيلي، وثمة بارقة أملٍ في إمكان إعادة تحريك الهبة السعودية المخصصة لتسليح الجيش اللبناني.
... وينزلق إلى «التخنْدق الطائفي» من بوابة «البلدية»
| بيروت - «الراي» |
لا تكتم أوساط سياسيّة لبنانيّة بارزة في فريق «14 آذار» قلقها من تصاعد التداعيات التي تركتها وستتركها الانتخابات البلدية والاختيارية الجارية طوال شهر مايو الجاري في لبنان على واقعٍ سياسي يُخشى ان تصبح العشوائية والفوضى ميزته الأساسية.
وتلفت هذه الاوساط عبر «الراي» الى ان الجولة الأولى من هذه الانتخابات في بيروت والبقاع وحدها بدت كفيلة بقلب الحسابات السياسية رأساً على عقب لدى كل الأفرقاء السياسيين، فكيف حين تتوالى نتائج الجولات الثلاث المتبقية في جبل لبنان (بعد غد) والجنوب (في 22 الجاري) والشمال (في 29 منه)؟
ولعل المفارقة البارزة تمثّلت في انفجار أزمةٍ كبيرة وخطيرة جديدة بين «تيار المستقبل» الذي يقوده الرئيس سعد الحريري وبين حلفائه المسيحيين في موازاة صعود ملامح أزمةٍ مماثلة بين «حزب الله» وبين «التيار الوطني الحر» الذي يتزعّمه العماد ميشال عون.
واذا كانت ملامح الأزمتيْن تتشابه مبدئياً مع شيء مماثل حصل قبل اشهر لدى ترشيح الحريري لرئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية وما أثاره ذلك من تداعيات قوية على علاقته بحزب «القوات اللبنانية» (بقيادة سمير جعجع) الذي ذهب بعدها الى ترشيح العماد عون للرئاسة، فان الأوساط السياسية البارزة نفسها تعتقد ان الأثَر السياسي لما أعقب انتخابات الاحد الماضي يرسم علامات خطر أكبر من السابق بحيث تبدو علاقات القوى المسيحية في «14 آذار» عموماً وتيار «المستقبل» على محك امتحانٍ شديد الخطورة يبلغ حد احتمال الفراق السياسي وتاليا انتهاء معسكر «14 آذار» تماماً. وبرز هذا الخطر من خلال تَبادُل الحملات والاتهامات بين الفريقين بعدم التزام التعهدات المقطوعة بين الحلفاء في انتخابات بيروت التي أدّت الى بروز اللائحة المنافِسة للائحة التحالف الحزبي كأنها هي المنتصرة في النهاية بفعل نيلها أكثر من أربعين في المئة من الاصوات وخصوصاً من المناطق المسيحية.
وتخشى الاوساط، في ظل تركيز يومي وواسع للإعلام القريب من «حزب الله» وقوى «8 آذار» على الخلافات الناشبة بين «المستقبل» والاطراف المسيحيين، ان تنهار واقعياً كل عوامل إمكانات احتواء الأزمة الجديدة ونشوء حالات انقطاع سياسي بين حلفاء «14 آذار».
وتقول الأوساط عيْنها انه صحيح ان «حزب الله» لا يخرج مرتاحاً بدوره من الاستحقاق الانتخابي الذي كشفت نسب اللوائح المعارِضة له في بعلبك مدى تَراجُع قوته في قلب بيئته الشيعية كما نشأت أمامه عقبة اهتزاز في علاقته بـ «التيار الوطني الحر» الذي أبدى انزعاجاً قوياً من توزيع الحزب دعمه في زحلة على اللوائح الثلاث التي تنافست ولم يخصّه وحده بهذا الدعم، إلا ان الأزمة في ملعب «8 آذار» تبدو أقل خطورة أقلّه بما توحيه المعطيات القائمة حالياً مقارنةً بالتداعيات التي تصيب مناخ العلاقات بين تيار «المستقبل» وأفرقاء مسيحيين وسط تبادل الاتهامات بينهم وتهاوي آخر جسور الثقة.
وتضيف هذه الأوساط أن ما يثير الخشية من تَفاقُم الأمور هو توقف كل الوساطات والمشاورات والاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين الحريري والقوى المسيحية الأخرى منذ الاحد الماضي ما يعني ان الأزمة أكثر من جدية وأصعب من ان تُحلّ قبل مراجعة واسعة لكل ما اعترى العلاقات داخل فريق «14 آذار».
وفيما تعرب الأوساط البارزة عن المخاوف من ان المناخ الذي تلا انتخابات بيروت والبقاع يشي بمزيد من «التخندق الطائفي» المسيحي - الاسلامي وسط الخشية من تداعيات لذلك على المراحل المقبلة من الانتخابات البلدية كما الانتخابات النيابية الفرعية في جزين التي تجري بالتزامن مع الاستحقاق البلدي في 22 مايو، فإنها لا تكتم القلق من ان تأتي تطورات أخرى على نار الاستحقاق الانتخابي الجاري لتُحدِث مزيداً من التباعد بين الحلفاء القدامى مثل الموقف من قانون الانتخابات النيابية الذي سترفع وتيرة البحث فيه كأولوية ملحة من الآن فصاعداً.