استقالة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو من رئاسة حزب العدالة والتنمية، والتي ستعقبها استقالته كذلك من رئاسة الحكومة بسبب اختلاف بعض وجهات النظر مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، فيها بلا شك العديد من الدروس والعبر.
فداود أوغلو عقد مؤتمرا صحافيا أعلن فيه استقالته من رئاسة الحزب وعدم الرغبة في الترشح لهذا المنصب مرة أخرى، وبيّن أن أحد الأسباب هو اختلافه مع رئيس الجمهورية في بعض القضايا.
ومن الدروس المستفادة من هذه الاستقالة، حرصه على جمع كلمة الحزب وعدم شق صفوفه، وتفضيله التضحية بالمنصب على أن يخسر إخوانه وأصدقاءه ورفقاء دربه.
كما أن داود أوغلو حفظ لأردوغان مكانته ومنزلته، فقد قال في المؤتمر الصحافي: «لن أقبل أن تقال كلمة واحدة على أردوغان، وأن شرفه، شرفي». كما أنه اكد عدم سماحه لأي كلمة تُقال ضد حزب العدالة والتنمية، وبأنه سيستمر في عضويته ولن يترك رفقاء الطريق.
داود أوغلو يعلمنا دروسا في أدب الاختلاف، فاختلافي معك لا يعني أن أطعن فيك أو أشكك في نيتك أو ذمتك أو نزاهتك.
رحم الله تعالى سلف الأمة الذين كانوا يختلفون في المسائل السياسية والفقهية الاجتهادية، لكن قلوبهم كانت سليمة لبعض، وكان بعضهم يترحم على بعض.
لكن للأسف لدينا مشاهدات واقعية تدل على الفجور عند الاختلاف في الرؤى أو وجهات النظر، فنجد بعض المتديّنين يريد احتكار فهم العقيدة والدفاع عنها على مجموعته فقط، وأن غيره، مبتدعة وضلال. ويعتقد بأنه الوحيد الذي يفهم منهج السلف الصالح ويسير عليه وأن غيره هم من الفرق الضالة الهالكة!
والبعض يعتقد بأنه الوحيد المؤهل لمواجهة فكر التطرف، وأن غيره ممن يدعو إلى الإصلاحات في المجتمع عبر الوسائل السلمية والمشروعة، من التكفيريين والخوارج!
وهناك بعض الأفراد من التيارين العلماني والليبرالي يعتقدون بأنهم الوحيدون المؤهلون لوضع مناهج التربية وتقويمها، وإذا تمت مناقشتهم من بعض المتخصصين التربويين من أصحاب التوجه الإسلامي، وصفوهم بالدراويش!
وهناك من التيارات السياسية من ترى نفسها الوحيدة المؤهلة للدفاع عن المال العام، وأن غيرها مجرد تبع ولا يحق لها التصدر في الموضوع، وكأن هذا التيار أو المجموعة، لديه وكالة حصرية في هذه القضية.
ومن أهم القضايا التي يدور حولها الخلاف وفي شدة هذه الأيام مسألة المشاركة أو المقاطعة للانتخابات المقبلة لمجلس الأمة.
المشاركون أو المقاطعون، كلٌ من الفريقين له حججه وبراهينه، وكلٌ يرى أن تحقيق المصلحة يتم من خلال وجهة النظر التي يتبنّاها، لكن المشكلة عندما يتم الطعن في النيّات والتخوين، وحين يعتقد أحد الطرفين بأنه يملك الحق المحض في المسألة، وحين يظن بأن الطرف الآخر لا يريد الخير للبلد، أو أنه يتخذ قراره من أجل مصالح شخصية أو حزبية. أو حين يتم اتهام الطرف الآخر بأنه يتهرب من تحمل المسؤولية، أو أنه مقصر - من خلال موقفه - بالدفاع عن الحق.
لقد اختلف الصحابة وهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة أسرى بدر، وفي الخروج من المدينة أو عدمه لملاقاة جيش المشركين قبل غزوة أحد، وغيرها من المسائل، لكن بعضهم كان يقول حجته ولا يطعن في نية غيره.
فهل نستطيع أن نتخلق بأخلاقهم؟
استقال داود أوغلو من دون أن يحدث زوبعة حوله، وأعطى صورة ناصعة ومثالاً راقياً على أدب الاختلاف، فهل نستفيد من منهجه وطريقته؟
Twitter:@abdulaziz2002