بعد أن أصبح دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية، بات خطر وصوله إلى الرئاسة داهماً جدا، إذ من الممكن أن يستفيد من قوة الدفع التي حملته إلى تحقيق مكاسبه الشعبية، كممثل لإرادة الغالبية المهمشة عند الجمهوريين، ليمثّل أيضا «أمل» المهمشين من ذوي الأصوات العائمة، الذين لم يقرروا بعد وجهة تصويتهم، خصوصا وأن منافسته هيلاري كلينتون تُعتبر ابنة مدللة لـ «المؤسسة» الأميركية التي يبدو أنها أكثر ما يثير نقمة أنصار ترامب، وأنصار الديموقراطي اليساري بيرني ساندرز، الذي نافسها حتى النهاية على ترشيح حزبهما. فقد أمضت جلّ حياتها المهنية تعمل من داخل هذه المؤسسة وفي خدمتها.
لو كانت المواجهة بين كلينتون وترامب تقتصر على القدرات الشخصية لكليهما، لابتلعها بسهولة هذا الملياردير الذي يتقن فن التحدث بلغة الشارع بأكثر صورها فظاظة ومن غير أي فلترة، وهي اللغة التي لطالما كانت طريق هوليود السريع لأسر قلوب الناس بأفلامها في أميركا وكل أنحاء العالم، علما أن هوليود أيدت كلينتون، ووضعت على مدخلها لافتة تفيد برفضها لترامب.
من يمكن أن يهزم ترامب ليس كلينتون، بل ترامب نفسه، في حال تغلّب الخوف مما قد تؤول إليه الولايات المتحدة تحت رئاسته، على نقمة الأميركيين على الأوضاع السائدة، لكن النقمة ما زالت تطغى على الخوف، أقله على الجانب الجمهوري، بدليل أن الحملة التي شنها ضده كل أركان المؤسسة الحزبية ومعهم تقريبا كل الإعلام الأميركي، لم تنجح في وقف الزحف الترامبي، بل يمكن القول إنها أعطت مفعولا عكسيا استفاد منه المرشح ليحقق الاكتساح تلو الآخر. كما لم ينفع الكلام عن أن ترامب يمكن أن يسيء إلى مصالح أميركا في العالم، نتيجة مواقفه التي تظهر مقته لحلفاء بلاده، بسبب ما يعتقده استفادة يحققها هؤلاء على ظهرها، بقدر ما تظهر جهله وبعده عن الواقع في شأن كيفية التعامل مع الدول الأخرى، وأن الدول الأخرى لديها أيضا ما تفعله لترد على أميركا إذا شعرت بأن مصالحها ستتضرر.
لكننا ما زلنا نتحدث عن جانب واحد من الصورة، وما زال علينا أن ننتظر المزاج الأميركي العام الذي تحسمه عادة كتلة الأصوات العائمة التي تحدد خياراتها في الفترة الفاصلة بين ظهور ترشيحات الأحزاب رسميا وبين الانتخابات الرئاسية في نوفمبر. وهذه الكتلة ستكون كبيرة أكثر من العادة هذه المرة، نظرا للتشوش الذي ساد الحملة الانتخابية، بسبب وجود مرشحين غير تقليديين مثل ترامب وساندرز، إلى حد جعل ترامب يراهن على أن يمثّل جاذبا حتى لبعض من يناصرون ساندرز.
حتى الآن تعطي الاستطلاعات كلينتون تفوقا على ترامب بما معدله ثمان نقاط مئوية، وفق نحو 50 استطلاعا للرأي أجريت بين 24 فبراير و27 أبريل الماضيين... ولكن لا يركننّ أحد لهذه النتيجة، لأن كل هذه الاستطلاعات جرت في ظل اتضاح معالم الترشيح الديموقراطي، بينما كان الترشيح الجمهوري محاطا ببعض الشكوك، أي أن المستطلعة آراؤهم كانوا لحظة إدلائهم بآرائهم متيقنين من فوز كلينتون ببطاقة حزبها، أكثر بكثير من ثقتهم بحصول ترامب على ترشيح حزبه الذي لم يحسم إلا في اليومين الماضيين بعد انسحاب منافسيه تيد كروز وجون كايسك.
مقابل هذه الاستطلاعات، هناك مؤشرات تدل على أن الأميركيين يريدون تغييرا جذريا يتجاوز ما يمكن أن يقدمه مرشحو الحزبين التقليديون. وهذا لن يتغير من الآن حتى نوفمبر المقبل، لكن في الانتخابات الأميركية لا يمكن اعتبار أي شيء محسوما سلفا. يمكن مثلا لسقطة كلامية واحدة، أو كشف أمر فضائحي ما من نوع التهرب الضريبي أو التحرش الجنسي، أن تطيح بمرشح.
كان الاشتباك بين كلينتون وترامب حول الموقف من النساء الاسبوع الماضي اختبارا أوليا لمسار الحملة الانتخابية للانتخابات العامة، لكن اللعب على هذه الأوتار هو سيف ذو حدين، فبمثل ما يمكن لكلينتون أن تستفيد من مواقف لترامب اعتبرت مهينة للنساء على طول حملته الانتخابية، يمكن أيضا للإفراط في استغلال هذا الأمر أن يؤدي إلى مفعول عكسي. فالناس في أميركا تعرف أن قضايا النساء ليست بعيدة عن الاستغلال والتلاعب.
كذلك، في مقابل الخوف من ترامب، هناك خوف يستغله ترامب، من أمور مثل الهجمات الإرهابية التي لم يتعامل معها باراك أوباما بما يوحي بتهيّبه المخاطر التي تمثلها بالقدر الكافي، حيث يقترح المرشح الجمهوري منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. فلنستعد إذا لاحتمال وصول هذا المتطرف إلى الرئاسة.
husseinibr1@hotmail.com