هل بدأ تنفيذ الخطة «ب» في سورية؟

تصغير
تكبير
رغم انسحاب وفد المعارضة السورية من المفاوضات في جنيف، والقتال الذي يدور يوميا في منطقة حلب، والتصعيد الأخير في إدلب، ورغم الخلاف العائد إلى الواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا حول مصير الرئيس بشار الأسد، والاتهامات الأميركية لموسكو بإرسال تعزيزات إلى سورية شملت خصوصا نشر مدفعية ثقيلة، إلا أن الهدنة لم تنفجر في عموم مناطق سورية.

ماذا يعني ذلك؟ وما علاقة قرار أوباما إرسال 250 جنديا إضافيا إلى سورية يضافون إلى 50 جنديا يعملون بالفعل في مدينة كوباني الشمالية الكردية، بهذه الوجهة التي اتخذتها الأحداث؟


ما يجمع الأمرين، هو أن العمل أميركيا يجري على ترسيخ الخطوط الحالية لمناطق سيطرة الأطراف المختلفة، بدلا من دعم المعارضة لتحقيق تغيير جوهري على الأرض، أي أن الأطراف ستبقى في مواقعها تقريبا، ولها أن تختار إن كانت ستتعايش في ظل حرب نشطة أم محدودة، أم في ظل هدنة.

فهل بدأ تنفيذ ما يسمى بالخطة «ب» التي كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري تحدث عنها من دون أن يكشف مضمونها، وربط تنفيذها بفشل وقف الأعمال القتالية، وها قد فشل؟ علما أن كثيرين اعتبروا أن هذه الخطة تقوم على تقسيم سورية، خصوصا أن الوزير حذّر من ذلك في سياق حديثه عن تبعات فشل اتفاق وقف الأعمال العدائية.

الأميركيون الـ 250 سيتم نشرهم على الأغلب في منطقة الأكراد في شمال سورية التي أُعلنت «فيديرالية» من جانب واحد لأنها الأكثر أمناً لهم، ووجودهم فيها سيكون ترسيخا لهذه المنطقة بالقوة الأميركية، حتى لو كانت واشنطن عارضت الإعلان الكردي لـ «الفيديرالية».

مع ذلك... أو ربما بسبب ذلك، ما زالت أميركا تعارض إقامة مناطق حظر جوي وخصوصا في شمال سورية. فمثل هذا الحظر، فضلا عن انه يتطلب قرارا من مجلس الأمن، وبالتالي موافقة روسيا والصين، ستستغله أنقرة في إقامة منطقة نفوذ لها لزيادة تأثيرها في مجرى الصراع كله، ولا سيما في منع أي شكل من أشكال الحكم الذاتي للأكراد، لأن الأراضي التركية ستكون منصة تنفيذه. وبالمفهوم الأميركي هذا يعني أن أي تقدم لن يتحقق على مستوى وضع الصراع على سكة الحل، ضمن الاستراتيجية الأميركية لمحاربة «داعش»، والتي تقوم على إيجاد حلول للأزمات في البلدان التي ينتشر فيها التنظيم، أو التوصل إلى تهدئة طويلة تسمح بتركيز الجهود على قتاله. فجلّ ما سيؤدي إليه فرض حظر جوي وإقامة منطقة آمنة في شمال سورية هو تخفيف أزمة اللجوء على تركيا وأوروبا. ولذلك أيدتها مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل، بعدما كانت تعارضها بقوة قبل أزمة اللجوء.

مؤشر آخر على الاتجاه لتثبيت المواقع، هذه المرة من جانب النظام الذي سلم بعد المعارك الأخيرة مع قوات الأمن الكردية باحتفاظ الأكراد بمواقع سيطروا عليها في مدينة القامشلي الحدودية مع تركيا. لم يكن صدفة أن تشهد القامشلي، وهي أحد المعاقل الرئيسية للأكراد السوريين، وأكثرها رمزية ولا سيما في العلاقة مع النظام، تلك الأحداث التي تأتي خارج سياق صراع الطرفين مع «داعش» وعدد من الفصائل الرئيسية في المعارضة السورية. هذه المدينة هي التي شهدت ما عرف بـ «ثورة القامشلي» في 2004 إثر مباراة لكرة القدم راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى، وهي التي كانت عنوانا دائما للتحركات المختلفة ولا سيما احتجاجا على حرمان مئات الآلاف من الأكراد من الجنسية السورية، ضمن سياسة التعريب التي اعتمدها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وشملت تعريب حتى اسماء المدن الكردية، رغم أن الأسد الابن عاد ومنح الجنسية لهؤلاء الأكراد لاستمالتهم بعد أحداث 2011.

رفع الوجود الأميركي بمثل هذا العدد، يعتبر تصعيدا للتدخل الذي سيترك أثارا على مجمل الأزمة السورية، في مقابل التدخل الروسي المستمر الذي لا يتكامل مع التدخل الأميركي وإنما ينسق معه لمنع الاصطدام.

ولكن إذا صح أن الخطة «ب» الأميركية هي العمل على «فدرلة» سورية، وأن التنفيذ بدأ، بالنظر لانعدام الأمل في التوصل إلى تسوية بين النظام والمعارضة، فذلك يعني أن الهدف أيضا أصبح واحدا بين الأميركيين والروس الذين كانوا سبقوهم إلى إعلان تأييدهم لـ «الفيديرالية».

husseinibr1@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي