وزير الإعلام اللبناني كشف بنود خطّته لإنقاذها
جريج لـ «الراي»: المساعدة من الدولة للصحافة الورقية تحرّرها من التمويل الخارجي و... المال السياسي
الوزير رمزي جريج
مساعٍ جدية لتنقية العلاقات مع السعودية وسائر دول الخليج
غير مقتنع بالأسباب الأمنية لقفل مكتب «العربية» ونتمنى عودتها إلى بيروت
عندما يُجدَّد العقد مع «نايل سات» هل ستعود إلى لبنان؟
أعتقد ان الصحافة الورقية غير مكتوب لها الزوال لأنها تلبي حاجة لا يمكن الاستعاضة عنها
غير مقتنع بالأسباب الأمنية لقفل مكتب «العربية» ونتمنى عودتها إلى بيروت
عندما يُجدَّد العقد مع «نايل سات» هل ستعود إلى لبنان؟
أعتقد ان الصحافة الورقية غير مكتوب لها الزوال لأنها تلبي حاجة لا يمكن الاستعاضة عنها
لا يشبه وزير الإعلام رمزي جريج، القانوني، المثقّف والدمث، اللحظة السياسية التي أتت به الى المعترك السياسي، الذي لا يستريح من العراك. فجريج، الذي يفترض به أن يكون «لسان الحكومة»، لا يغادره الشعور بأنه كـ «المعتقَل» في مجلسِ وزراءٍ مدججٍ بصراعات مقيتة لا هوادة فيها... لا يرغب في البقاء لكنه غير قادر على الإفلات من عقابٍ لا يستحقّه اللبنانيون في ظلّ حكومةٍ لا يمكنها الرحيل.
وما زاد الطين بلة كان انفجار مجموعةٍ من الأزمات ذات الطبيعة الإعلامية بين يديْ الوزير جريج... أزمة الصحافة الورقية المهدَّدة بالاحتضار، الأزمة مع الإعلام الخليجي الذي كان قفْل مكتب «العربية» في بيروت رأس جبل الجليد فيه، ومن ثم قرار «نايل سات» بوقف البثّ من لبنان، إضافة الى إنزال هذا القمر الاصطناعي محطة «المنار» التابعة لـ «حزب الله» عنه، في واحدٍ من مظاهر الاعتراض العربي على سلوك الحزب ودوره في المنطقة.
«الراي» التقت الوزير جريج في مكتبه في وزارة الإعلام في حوارٍ تطرق الى مقترحاته في شأن «إنقاذ» الصحافة الورقية بعد أزمتها التي انفجرت أخيراً، اضافة الى عناوين أخرى، وفي ما يأتي نص الحوار:
• أطلّت في الفترة الأخيرة على لبنان أزمةٌ عكست الواقع المتدهور للصحافة الورَقية، هل في الإمكان تَدارُك هذه الازمة؟
- تعاني الصحافة الورقية أزمة في كل دول العالم بسبب الإعلام الجديد والتنافس الذي تشكّله وسائل الإعلام المرئي والمسموع أيضاً، لكن تلك الأزمة تفاقمت في لبنان نتيجة الوضع الاقتصادي وتَقلُّص سوق الإعلانات.
وظهرتْ الأزمة أخيراً الى العلن إثر صدور بيانات من أصحاب ثلاث صحف رئيسية في لبنان، هي «السفير» و«النهار» و«اللواء»، وهي البيانات التي أشارت الى إمكان صرف عدد من العاملين في تلك الصحف، إضافة الى إمكان قفل «السفير» نهائياً.
وعلى أثر هذه البيانات سارعتُ للاتصال بأصحاب هذه الصحف وبحثتُ معهم في المشاكل التي يعانونها والحلول الممكنة، ومن ثم درستُ ما يُعتمد في الخارج من إجراءات لدعم الصحافة الورقية، وانتهيتُ الى بعض المقترحات التي رفعتُها قبل أيام الى مجلس الوزراء طالباً وضعها على جدول الأعمال في أسرع وقت لأن الأزمة متفاقمة وتنبئ بصرف موظفين وقفل صحف. لكن لم نتمكن من بحث هذا الأمر في الجلسة الأخيرة (يوم الخميس الماضي) وآمل في ان نستطيع درس هذا الموضوع البالغ الأهمية والبتّ بالمقترحات في الجلسة المقبلة.
• ما هي هذه المقترحات التي تضمّنها مشروعكم الى مجلس الوزراء؟
- ثمة مقترحات بدعمٍ مباشر وغير مباشر. والدعم المباشر، وهو الأهم في رأيي يقوم على تقديم مساهمة مالية من الدولة الى الصحافة الورقية الصادرة اليوم (ثمة صحف متوقّفة)، وهي تتمثل بمبلغ خمسمائة ليرة (ثلث دولار) عن كل عدد يباع في الأسواق. والمبلغ الذي ستتكبّده الدولة من جراء هذا الدعم ليس باهظاً ويمكن تحمله، مثلما تتحمل الدولة، وفق مبدأ الإنماء المتوازن، دعم بعض المناطق المحرومة كعكار (في الشمال) ورأس بعلبك (في البقاع).
ومن واجب الدولة دعم الصحافة الورقية لأنها إحدى ركائز النظام الديموقراطي في لبنان، الذي لا أتصوّره من دون صحافة ورَقية، وهو الذي كان أساس ومنطلق الصحافة في العالم العربي، ولا سيما في مصر.
ومن المقترحات غير المباشرة التي تضمّنها المشروع الذي تقدّمتُ به الى مجلس الوزراء يمكن ذكر الآتي:
• السعي الى معاودة جدْولة ديون الصحافة الورقية لدى المصارف اللبنانية.
• السعي لاستحصال الصحف على قروض ميسرة بفوائد مخفوضة من المصارف بدعمٍ من مصرف لبنان، على غرار ما يحصل بالنسبة الى دعم شراء الشقق السكنية.
• التزام الدولة بدفع بدلات الإعلانات التي تنشرها في الصحف الورقية وفقاً للتعرفة المعمول بها بالنسبة الى الشركات والأفراد، ودفع ثمنها بسرعة ومن دون إبطاء.
• ان تفرض الدولة على الوزارات والإدارات العامة الاشتراك بالصحف بحسب حجم العاملين في تلك الوزارات، وتوزيعها على هؤلاء العاملين لأن من المفيد ان يطلعوا على ما تنشره الصحف اللبنانية.
• إعفاء الصحافة الورقية من بعض الضرائب والرسوم، لا سيما الرسوم الجمركية على استيراد الورق والآلات الطابعة، وما يتعلق بإنتاج تلك الصحف.
هذه مجمل المقترحات التي قد لا تكون كافية كي تقف الصحافة الورقية على قدميها وتتجاوز أزمتها. ويجب ان نفكر جميعاً، الدولة وهيئات المجتمع المدني، ولا سيما نقابة الصحافة ونقابة المحررين وكذلك أصحاب الصحف، بخطوات أخرى من أجل تخطي هذه الأزمة. وربما ينبغي على الصحافة الورقية التكيّف مع متطلبات العصر وان تجري تطويراً في الإخراج والأداء في إطار ورشة عملٍ متكاملة من أجل النهوض بالصحافة.
• ثمة مَن يعتقد ان عصر الصحافة الورَقية بدأ بالأفول؟
- انا شخصياً من محبّذي الصحافة الورقية ومنحازٌ لها، وأعتقد انها لن تزول كما حال الكتاب. فهل يمكن تَصوُّر حلول المواقع الإلكترونية مكان الكتب التي نستمتع بقراءتها؟ الصحافة الورقية تلبي حاجة، سواء بأسلوب الكتّاب فيها أو باللغة المعتمدة او بالإخراج، وأتمنى ان تتجاوز الأزمة التي تعانيها اليوم وأنا مُجنَّد لمساعدتها.
• هل يمكن لمشروع الدعم الذي رفعتَه الى مجلس الوزراء ان يرى النور؟ وهل من أجواء توحي بذلك؟
- حظوظ هذه المقترحات بالنجاح كبيرة في تقديري لأن المساهمة المالية من الدولة ليست باهظة، وسائر المقترحات تحتاج الى متابعة ويجب الضغط في اتجاه إقرارها. بعضها قد يحتاج الى قوانين جديدة، لكن غالبيتها يمكن إقرارها عن طريق مجلس الوزراء. الا ان الأزمات التي يتخبط فيها لبنان كثيرة وأملي أن تعطى لأزمة الصحافة الورقية الأولوية لنتمكن من تخطيها.
• من الواضح ان مشروع دعم الصحافة الورقية من شأنه تطويل أمد صمودها في وقت تتعاظم التحديات في وجهها كون أزمتها جزءا من الأزمة العامة في لبنان... الاقتصاد المتعَب، انكماش السوق الإعلانية، إضافة الى شحّ المساعدات التي كانت تأتيها من الخارج... أليس كذلك؟
- أعتقد ان الصحافة الورقية غير مكتوب لها الزوال لأنها تلبي حاجة لا يمكن الاستعاضة عنها، وتالياً من شأن الدعم المالي الذي يمكن ان يُمنح لها تحفيزها على المزيد من المبيعات وعلى تحسين أدائها لكسب عدد أكبر من القرّاء. صحيح أنه لا يمكن ان يكون وضع الصحافة أفضل من وضع البلاد، فما من قطاع يمكن ان يكون خارج دائرة التأثير إذا كان الوضع العام مأزوماً، لا سيما على المستوييْن السياسي والاقتصادي، لكننا نأمل أن نتجاوز أزماتنا مع مرور الوقت، بدءاً من الشغور الرئاسي والشلل المؤسساتي الدستوري، وصولاً الى الأزمات الأخرى على النحو الذي يؤدي الى تحسن الوضع الاقتصادي وانتعاش السوق الإعلانية.
المساهمة المالية التي نقترح تقديمها الى الصحافة من شأنها ان تفضي الى عدم بحث اي صحيفة عن تمويل خارجي لا نتمناه لأننا حرصاء على استقلالية الصحافة الورقية ورأيها الحرّ. وإذا قدّمت لها الدولة اللبنانية مساهمة مالية، فهذا لا يعني أنه سيُطلب من الصحافة أن تكون تابعة للدولة أو تتكلم باسمها، بل بالعكس هذه المساهمة هي لتقوية استقلاليتها ولتُحرِّرها من أي مال سياسي.
• هل يمكن أن يكون فتح باب المنافسة عبر كسْر حال احتكار إصدار الصحف، واحداً من عوامل ضخّ الحيوية في ميدان الصحافة المكتوبة ومساعدتها على تَجاوُز أزمتها؟
- في قانون الإعلام الذي تجري مناقشته في لجنة الإعلام والاتصالات سيُفتح المجال أمام إصدار الصحف في لبنان وألا يكون الأمر محصوراً بالصحف الصادرة حالياً، ولكن إذا كانت الصحف الصادرة الآن وعددها لا يتجاوز العشر تعاني أزمة اليوم، فكم بالحري ستكون الأزمة أكبر إذا صدر عدد أكثر من الصحف. وأعتقد ان ليس هناك كثر يمكن ان يجازفوا بمخاطر إصدار صحف يومية في الأجواء الحالية، فلندعم الصحف الصادرة اليوم من أجل استمرارها، وعندما يرغب أي شخص يملك رأسمال كافياً في تأسيس صحيفة، لمَ لا؟ لكنه يكون يخوض مغامرة ليست مضمونة الربح.
• في الكلام عن الأزمات، بدا أن من مظاهر الأزمة المستجدة بين لبنان ودول الخليج كان قفْل محطة «العربية» مكتبها في بيروت وغيرها من الإجراءات... هل أقنعتْكم الأسباب المعلَنة لهذه الإجراءات؟
- السبب الذي استندتْ إليه «العربية» لقفل مكتبها هو سلامة موظفيها واعتبارات أمنية. أنا لم أقتنع بتلك الأسباب لأن السفارات العربية ما زالت موجودة، والوضع الأمني في لبنان مستقر نسبياً. يبقى سبب آخر يمكن التذرع به وهو الأوضاع الاقتصادية وانعدام الحاجة الى مكتب لبنان. وفي تقديري أن تبريراً من هذا النوع لا يشكل السبب الحقيقي أيضاً لأن «العربية» محطة مزدهرة وتنعم بدعم مالي كبير.
من هنا يبقى الاعتبار السياسي. ورغم انه لم يُفصَح عن مثل هذا السبب للإقفال، ولكن يمكن تَصوُّر ان السبب الذي يقف وراء قفل مكتب «العربية» في بيروت يعود الى التوتر الحاصل في العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج. وكنتُ أتمنى ان يكون مثل هذا السبب غير موجود. فصحيح انه أُطلقت تصريحات خلال بعض المؤتمرات الدولية أسيء فهمها او انها لم تعبّر عن حقيقة الموقف اللبناني، لكن مجلس الوزراء عاد وانعقد وصدر بيان خطي بإجماع مجلس الوزراء ركّز على انتماء لبنان العربي وهويته العربية وعلى تَضامُنه مع الإجماع العربي، إضافة الى ان رئيس الحكومة تمام سلام أعلن إدانته للاعتداء على سفارة المملكة العربية السعودية في إيران، وجرت مساعٍ وهي متواصلة من أجل تنقية الأجواء في العلاقات بين لبنان ودول الخليج، ولا سيما السعودية.
كنا اعتقدنا ان هذا الأمر أصبح خلفنا، وإذ بنا نفاجأ بقفل مكاتب «العربية»، ونأمل أن يكون هذا الاجراء موقتاً وان يصار بعد تنقية الأجواء - وهذا حتماً ما سيحصل لأن لبنان لا يمكن ان يخرج عن التضامن العربي وعن هويته العربية - الى إعادة الأمور الى نصابها، ونأمل بعد ذلك ان تعود «العربية» وسواها ممن فكّر بترك بيروت الى بيروت التي تبقى عاصمة مهمة للإعلام العربي.
• هل يمكن ان تؤدي اللقاءات المحتملة للرئيس سلام على هامش أعمال القمة الاسلامية في إسطنبول، لا سيما مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الى تنقية الأجواء أو تعبيد الطريق في اتجاهها؟
- من الممكن ذلك. ربما يُعقد لقاء خلال هذا المؤتمر بين الرئيس سلام والملك سلمان بن عبدالعزيز، لكن وبمعزل عن هذا اللقاء المحتمل، والذي نتمنى أن يحصل، هناك اتصالات ومساع على أكثر من مستوى، والسفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري يقوم بجهد كبير في هذا المجال. وآمل ان نصل الى تنقية العلاقات اللبنانية - السعودية.
• ملف آخر استجد أخيراً ويتمثل بوقف قمر «نايل سات» بثه انطلاقاً من «جورة البلوط» في لبنان مما هدد بوقف البث الفضائي لمحطات عدة، إضافة الى وقف بث تلفزيون «المنار» التابع لـ «حزب الله» نهائياً ولأسباب سياسية... لم يُتَح لمجلس الوزراء مناقشة هذا الملف، فكيف ستواجهون الأمر؟
- لهذا الملف شقان، واحد يتعلق بإغلاق محطة جورة البلوط لعدم تجديد الترخيص، واضطرار المحطات اللبنانية الى عدم استخدام القمر الاصطناعي «نايل سات». والسبب الذي تذرّعت به شركة «نايل ست» هو عدم تجديد التراخيص، لكن نحن طلبنا في وزارة الإعلام منذ يناير 2016 تجديد الترخيص، ووزارة الاتصالات وافقتْ على طلبنا عبر كتاب وجّهتْه الى رئاسة مجلس الوزراء في فبراير الماضي. والسؤال يبقى، إذا جُدد الترخيص هل سيعود «نايل سات» الى جورة البلوط كما جاء في كتابه، وهو الذي قالت إدارته انها لا يسعها الاستمرار ما دام لم يُجدد الترخيص؟ وهل ستعود الشركة بعد ان يصار الى تجديد الترخيص خلال أسبوع أو أسبوعين، أم ان هناك سبباً آخر؟ في مطلق الأحوال وبفضل مساعي سفير مصر في لبنان ما زالت المحطات التي كانت تستخدم «نايل سات» لبثها مستمرة بالبث عبر مصر وبالترددات نفسها، وهو الأمر الذي لم يشكل ضرراً كبيراً على المحطات، لكن أملنا أن يعود «نايل سات» الى جورة البلوط ويبقى في لبنان وأن يعود إليه أيضاً «عرب سات».
أما الشقّ الثاني من هذا الملف فهو المتمثّل بمحطة «المنار» التي تربطها بإدارة «نايل سات» علاقة تعاقُدية، والأخيرة أقدمت على فسخ العقد بحجة ان «المنار» تبث خطاباً تحريضياً ويحضّ على الفتنة والطائفية والمذهبية و...
أنا لا يمكنني تقويم الأمر، لأن العلاقة التعاقدية تعني «المنار» و«نايل سات»، فإذا كانت الأخيرة مخطئة في فسْخ العقد وكان خطاب «المنار» لا يتصف بالطابع التحريضي والمذهبي، تكون إدارة «نايل سات» خالفت العقد وتتحمّل مسؤولية تجاه «المنار»، أما إذا كانت إدارة القمر محقّة فلا يمكن «المنار» مطالبتها بالاستمرار في تعاقُدها معها. إضافة الى انني لم أطلع على العقد الموقّع بين الطرفين لأرى إذا كان يحق لـ «نايل سات» مراقبة مضمون البث أم أنها تقدّم خدمات تقنية ولا صلاحية لها لتتجاوز هذه الخدمات... لا أدري، على المرء الاطلاع على مضمون العقد لمعرفة الجهة المخالِفة.
وفي مطلق الأحوال «المنار» هي محطة لبنانية مرخّص لها بحسب القانون الذي ينص على الحرية الإعلامية التي نحرص عليها، فلا رقابة مسبقة على الإعلام، ولكن الحرية الإعلامية، وكما نص القانون، يجب ان تُمارَس تحت سقف القانون عيْنه الذي يحدد موجباتٍ من بينها عدم القدح والذم والتشهير وعدم المسّ بالعلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة، وعدم الحثّ على الفتنة والمس بالسلم الأهلي.
عادةً المجلس الوطني للإعلامي المرئي والمسموع هو مَن يرصد أداء وسائل الإعلام ويرفع تقريراً الى وزير الإعلام ليرى إذا كان يجب اتخاذ خطوات إدارية أو رفْع الأمر الى مجلس الوزراء. وأنا لم أتلقَ من المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع أي تقرير يتعلق بمضمون بثّ «المنار».
• ثمة ظاهرة لافتة منذ مدة وهي طغيان «طفرة» من الملفات الفضائحية على صورة لبنان في الإعلام... اتجار بالبشر، دعارة، إنترنت غير شرعي، اختلاسات في أحد أجهزة الأمن... هل ماتت السياسة في لبنان فحلّت مكانها المبالغات، أم ان الأمر يتصل بالدور الفعلي للإعلام؟
- الإعلام الاستقصائي يلقى رواجاً في كل دول العالم اليوم، من خلاله مثلاً في فرنسا انكشفت فضائح أدت الى استقالة وزيرين، وزير في عهد الرئيس (السابق) نيكولا ساركوزي، ووزير في عهد الرئيس (الحالي) فرنسوا هولاند. فالاستقصاءات والفضائح تُنشر في وسائل الإعلام كافة.
في لبنان تطغى أخبار الفساد لأن الحياة السياسية في ركودٍ كلي نتيجة الشغور الرئاسي والشلل في عمل مجلس الوزراء وفي عمل السلطة التشريعية وعدم إجراء الانتخابات في مواعيدها. كل ذلك يجعل الحياة السياسية مشلولة في لبنان. وفي ظل هذه الأجواء تُكشف فضائح متعلقة بالفساد وغير ذلك، فيتم التركيز عليها في الإعلام. وأعتقد ان للإعلام دوراً كبيراً في كشف الفضائح، لكنني أدعو الى توخي الحذر وعدم إطلاق أحكام مسبقة قبل ان يلفظ القضاء الكلمة الفصل بها، لأن في القضاء قرينة براءة، ثم ان التعميم على طريقة «كلهم يعني كلهم» يجهّل الفاعل بدل ان يكشف الفساد. الاعلام حر في لبنان وأتمنى ان يقوم برسالته على أكمل وجه وبموضوعية مع الأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية والمحافظة على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي واعتماد الرصانة في مهمّته بكشف الحقائق.
وما زاد الطين بلة كان انفجار مجموعةٍ من الأزمات ذات الطبيعة الإعلامية بين يديْ الوزير جريج... أزمة الصحافة الورقية المهدَّدة بالاحتضار، الأزمة مع الإعلام الخليجي الذي كان قفْل مكتب «العربية» في بيروت رأس جبل الجليد فيه، ومن ثم قرار «نايل سات» بوقف البثّ من لبنان، إضافة الى إنزال هذا القمر الاصطناعي محطة «المنار» التابعة لـ «حزب الله» عنه، في واحدٍ من مظاهر الاعتراض العربي على سلوك الحزب ودوره في المنطقة.
«الراي» التقت الوزير جريج في مكتبه في وزارة الإعلام في حوارٍ تطرق الى مقترحاته في شأن «إنقاذ» الصحافة الورقية بعد أزمتها التي انفجرت أخيراً، اضافة الى عناوين أخرى، وفي ما يأتي نص الحوار:
• أطلّت في الفترة الأخيرة على لبنان أزمةٌ عكست الواقع المتدهور للصحافة الورَقية، هل في الإمكان تَدارُك هذه الازمة؟
- تعاني الصحافة الورقية أزمة في كل دول العالم بسبب الإعلام الجديد والتنافس الذي تشكّله وسائل الإعلام المرئي والمسموع أيضاً، لكن تلك الأزمة تفاقمت في لبنان نتيجة الوضع الاقتصادي وتَقلُّص سوق الإعلانات.
وظهرتْ الأزمة أخيراً الى العلن إثر صدور بيانات من أصحاب ثلاث صحف رئيسية في لبنان، هي «السفير» و«النهار» و«اللواء»، وهي البيانات التي أشارت الى إمكان صرف عدد من العاملين في تلك الصحف، إضافة الى إمكان قفل «السفير» نهائياً.
وعلى أثر هذه البيانات سارعتُ للاتصال بأصحاب هذه الصحف وبحثتُ معهم في المشاكل التي يعانونها والحلول الممكنة، ومن ثم درستُ ما يُعتمد في الخارج من إجراءات لدعم الصحافة الورقية، وانتهيتُ الى بعض المقترحات التي رفعتُها قبل أيام الى مجلس الوزراء طالباً وضعها على جدول الأعمال في أسرع وقت لأن الأزمة متفاقمة وتنبئ بصرف موظفين وقفل صحف. لكن لم نتمكن من بحث هذا الأمر في الجلسة الأخيرة (يوم الخميس الماضي) وآمل في ان نستطيع درس هذا الموضوع البالغ الأهمية والبتّ بالمقترحات في الجلسة المقبلة.
• ما هي هذه المقترحات التي تضمّنها مشروعكم الى مجلس الوزراء؟
- ثمة مقترحات بدعمٍ مباشر وغير مباشر. والدعم المباشر، وهو الأهم في رأيي يقوم على تقديم مساهمة مالية من الدولة الى الصحافة الورقية الصادرة اليوم (ثمة صحف متوقّفة)، وهي تتمثل بمبلغ خمسمائة ليرة (ثلث دولار) عن كل عدد يباع في الأسواق. والمبلغ الذي ستتكبّده الدولة من جراء هذا الدعم ليس باهظاً ويمكن تحمله، مثلما تتحمل الدولة، وفق مبدأ الإنماء المتوازن، دعم بعض المناطق المحرومة كعكار (في الشمال) ورأس بعلبك (في البقاع).
ومن واجب الدولة دعم الصحافة الورقية لأنها إحدى ركائز النظام الديموقراطي في لبنان، الذي لا أتصوّره من دون صحافة ورَقية، وهو الذي كان أساس ومنطلق الصحافة في العالم العربي، ولا سيما في مصر.
ومن المقترحات غير المباشرة التي تضمّنها المشروع الذي تقدّمتُ به الى مجلس الوزراء يمكن ذكر الآتي:
• السعي الى معاودة جدْولة ديون الصحافة الورقية لدى المصارف اللبنانية.
• السعي لاستحصال الصحف على قروض ميسرة بفوائد مخفوضة من المصارف بدعمٍ من مصرف لبنان، على غرار ما يحصل بالنسبة الى دعم شراء الشقق السكنية.
• التزام الدولة بدفع بدلات الإعلانات التي تنشرها في الصحف الورقية وفقاً للتعرفة المعمول بها بالنسبة الى الشركات والأفراد، ودفع ثمنها بسرعة ومن دون إبطاء.
• ان تفرض الدولة على الوزارات والإدارات العامة الاشتراك بالصحف بحسب حجم العاملين في تلك الوزارات، وتوزيعها على هؤلاء العاملين لأن من المفيد ان يطلعوا على ما تنشره الصحف اللبنانية.
• إعفاء الصحافة الورقية من بعض الضرائب والرسوم، لا سيما الرسوم الجمركية على استيراد الورق والآلات الطابعة، وما يتعلق بإنتاج تلك الصحف.
هذه مجمل المقترحات التي قد لا تكون كافية كي تقف الصحافة الورقية على قدميها وتتجاوز أزمتها. ويجب ان نفكر جميعاً، الدولة وهيئات المجتمع المدني، ولا سيما نقابة الصحافة ونقابة المحررين وكذلك أصحاب الصحف، بخطوات أخرى من أجل تخطي هذه الأزمة. وربما ينبغي على الصحافة الورقية التكيّف مع متطلبات العصر وان تجري تطويراً في الإخراج والأداء في إطار ورشة عملٍ متكاملة من أجل النهوض بالصحافة.
• ثمة مَن يعتقد ان عصر الصحافة الورَقية بدأ بالأفول؟
- انا شخصياً من محبّذي الصحافة الورقية ومنحازٌ لها، وأعتقد انها لن تزول كما حال الكتاب. فهل يمكن تَصوُّر حلول المواقع الإلكترونية مكان الكتب التي نستمتع بقراءتها؟ الصحافة الورقية تلبي حاجة، سواء بأسلوب الكتّاب فيها أو باللغة المعتمدة او بالإخراج، وأتمنى ان تتجاوز الأزمة التي تعانيها اليوم وأنا مُجنَّد لمساعدتها.
• هل يمكن لمشروع الدعم الذي رفعتَه الى مجلس الوزراء ان يرى النور؟ وهل من أجواء توحي بذلك؟
- حظوظ هذه المقترحات بالنجاح كبيرة في تقديري لأن المساهمة المالية من الدولة ليست باهظة، وسائر المقترحات تحتاج الى متابعة ويجب الضغط في اتجاه إقرارها. بعضها قد يحتاج الى قوانين جديدة، لكن غالبيتها يمكن إقرارها عن طريق مجلس الوزراء. الا ان الأزمات التي يتخبط فيها لبنان كثيرة وأملي أن تعطى لأزمة الصحافة الورقية الأولوية لنتمكن من تخطيها.
• من الواضح ان مشروع دعم الصحافة الورقية من شأنه تطويل أمد صمودها في وقت تتعاظم التحديات في وجهها كون أزمتها جزءا من الأزمة العامة في لبنان... الاقتصاد المتعَب، انكماش السوق الإعلانية، إضافة الى شحّ المساعدات التي كانت تأتيها من الخارج... أليس كذلك؟
- أعتقد ان الصحافة الورقية غير مكتوب لها الزوال لأنها تلبي حاجة لا يمكن الاستعاضة عنها، وتالياً من شأن الدعم المالي الذي يمكن ان يُمنح لها تحفيزها على المزيد من المبيعات وعلى تحسين أدائها لكسب عدد أكبر من القرّاء. صحيح أنه لا يمكن ان يكون وضع الصحافة أفضل من وضع البلاد، فما من قطاع يمكن ان يكون خارج دائرة التأثير إذا كان الوضع العام مأزوماً، لا سيما على المستوييْن السياسي والاقتصادي، لكننا نأمل أن نتجاوز أزماتنا مع مرور الوقت، بدءاً من الشغور الرئاسي والشلل المؤسساتي الدستوري، وصولاً الى الأزمات الأخرى على النحو الذي يؤدي الى تحسن الوضع الاقتصادي وانتعاش السوق الإعلانية.
المساهمة المالية التي نقترح تقديمها الى الصحافة من شأنها ان تفضي الى عدم بحث اي صحيفة عن تمويل خارجي لا نتمناه لأننا حرصاء على استقلالية الصحافة الورقية ورأيها الحرّ. وإذا قدّمت لها الدولة اللبنانية مساهمة مالية، فهذا لا يعني أنه سيُطلب من الصحافة أن تكون تابعة للدولة أو تتكلم باسمها، بل بالعكس هذه المساهمة هي لتقوية استقلاليتها ولتُحرِّرها من أي مال سياسي.
• هل يمكن أن يكون فتح باب المنافسة عبر كسْر حال احتكار إصدار الصحف، واحداً من عوامل ضخّ الحيوية في ميدان الصحافة المكتوبة ومساعدتها على تَجاوُز أزمتها؟
- في قانون الإعلام الذي تجري مناقشته في لجنة الإعلام والاتصالات سيُفتح المجال أمام إصدار الصحف في لبنان وألا يكون الأمر محصوراً بالصحف الصادرة حالياً، ولكن إذا كانت الصحف الصادرة الآن وعددها لا يتجاوز العشر تعاني أزمة اليوم، فكم بالحري ستكون الأزمة أكبر إذا صدر عدد أكثر من الصحف. وأعتقد ان ليس هناك كثر يمكن ان يجازفوا بمخاطر إصدار صحف يومية في الأجواء الحالية، فلندعم الصحف الصادرة اليوم من أجل استمرارها، وعندما يرغب أي شخص يملك رأسمال كافياً في تأسيس صحيفة، لمَ لا؟ لكنه يكون يخوض مغامرة ليست مضمونة الربح.
• في الكلام عن الأزمات، بدا أن من مظاهر الأزمة المستجدة بين لبنان ودول الخليج كان قفْل محطة «العربية» مكتبها في بيروت وغيرها من الإجراءات... هل أقنعتْكم الأسباب المعلَنة لهذه الإجراءات؟
- السبب الذي استندتْ إليه «العربية» لقفل مكتبها هو سلامة موظفيها واعتبارات أمنية. أنا لم أقتنع بتلك الأسباب لأن السفارات العربية ما زالت موجودة، والوضع الأمني في لبنان مستقر نسبياً. يبقى سبب آخر يمكن التذرع به وهو الأوضاع الاقتصادية وانعدام الحاجة الى مكتب لبنان. وفي تقديري أن تبريراً من هذا النوع لا يشكل السبب الحقيقي أيضاً لأن «العربية» محطة مزدهرة وتنعم بدعم مالي كبير.
من هنا يبقى الاعتبار السياسي. ورغم انه لم يُفصَح عن مثل هذا السبب للإقفال، ولكن يمكن تَصوُّر ان السبب الذي يقف وراء قفل مكتب «العربية» في بيروت يعود الى التوتر الحاصل في العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج. وكنتُ أتمنى ان يكون مثل هذا السبب غير موجود. فصحيح انه أُطلقت تصريحات خلال بعض المؤتمرات الدولية أسيء فهمها او انها لم تعبّر عن حقيقة الموقف اللبناني، لكن مجلس الوزراء عاد وانعقد وصدر بيان خطي بإجماع مجلس الوزراء ركّز على انتماء لبنان العربي وهويته العربية وعلى تَضامُنه مع الإجماع العربي، إضافة الى ان رئيس الحكومة تمام سلام أعلن إدانته للاعتداء على سفارة المملكة العربية السعودية في إيران، وجرت مساعٍ وهي متواصلة من أجل تنقية الأجواء في العلاقات بين لبنان ودول الخليج، ولا سيما السعودية.
كنا اعتقدنا ان هذا الأمر أصبح خلفنا، وإذ بنا نفاجأ بقفل مكاتب «العربية»، ونأمل أن يكون هذا الاجراء موقتاً وان يصار بعد تنقية الأجواء - وهذا حتماً ما سيحصل لأن لبنان لا يمكن ان يخرج عن التضامن العربي وعن هويته العربية - الى إعادة الأمور الى نصابها، ونأمل بعد ذلك ان تعود «العربية» وسواها ممن فكّر بترك بيروت الى بيروت التي تبقى عاصمة مهمة للإعلام العربي.
• هل يمكن ان تؤدي اللقاءات المحتملة للرئيس سلام على هامش أعمال القمة الاسلامية في إسطنبول، لا سيما مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الى تنقية الأجواء أو تعبيد الطريق في اتجاهها؟
- من الممكن ذلك. ربما يُعقد لقاء خلال هذا المؤتمر بين الرئيس سلام والملك سلمان بن عبدالعزيز، لكن وبمعزل عن هذا اللقاء المحتمل، والذي نتمنى أن يحصل، هناك اتصالات ومساع على أكثر من مستوى، والسفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري يقوم بجهد كبير في هذا المجال. وآمل ان نصل الى تنقية العلاقات اللبنانية - السعودية.
• ملف آخر استجد أخيراً ويتمثل بوقف قمر «نايل سات» بثه انطلاقاً من «جورة البلوط» في لبنان مما هدد بوقف البث الفضائي لمحطات عدة، إضافة الى وقف بث تلفزيون «المنار» التابع لـ «حزب الله» نهائياً ولأسباب سياسية... لم يُتَح لمجلس الوزراء مناقشة هذا الملف، فكيف ستواجهون الأمر؟
- لهذا الملف شقان، واحد يتعلق بإغلاق محطة جورة البلوط لعدم تجديد الترخيص، واضطرار المحطات اللبنانية الى عدم استخدام القمر الاصطناعي «نايل سات». والسبب الذي تذرّعت به شركة «نايل ست» هو عدم تجديد التراخيص، لكن نحن طلبنا في وزارة الإعلام منذ يناير 2016 تجديد الترخيص، ووزارة الاتصالات وافقتْ على طلبنا عبر كتاب وجّهتْه الى رئاسة مجلس الوزراء في فبراير الماضي. والسؤال يبقى، إذا جُدد الترخيص هل سيعود «نايل سات» الى جورة البلوط كما جاء في كتابه، وهو الذي قالت إدارته انها لا يسعها الاستمرار ما دام لم يُجدد الترخيص؟ وهل ستعود الشركة بعد ان يصار الى تجديد الترخيص خلال أسبوع أو أسبوعين، أم ان هناك سبباً آخر؟ في مطلق الأحوال وبفضل مساعي سفير مصر في لبنان ما زالت المحطات التي كانت تستخدم «نايل سات» لبثها مستمرة بالبث عبر مصر وبالترددات نفسها، وهو الأمر الذي لم يشكل ضرراً كبيراً على المحطات، لكن أملنا أن يعود «نايل سات» الى جورة البلوط ويبقى في لبنان وأن يعود إليه أيضاً «عرب سات».
أما الشقّ الثاني من هذا الملف فهو المتمثّل بمحطة «المنار» التي تربطها بإدارة «نايل سات» علاقة تعاقُدية، والأخيرة أقدمت على فسخ العقد بحجة ان «المنار» تبث خطاباً تحريضياً ويحضّ على الفتنة والطائفية والمذهبية و...
أنا لا يمكنني تقويم الأمر، لأن العلاقة التعاقدية تعني «المنار» و«نايل سات»، فإذا كانت الأخيرة مخطئة في فسْخ العقد وكان خطاب «المنار» لا يتصف بالطابع التحريضي والمذهبي، تكون إدارة «نايل سات» خالفت العقد وتتحمّل مسؤولية تجاه «المنار»، أما إذا كانت إدارة القمر محقّة فلا يمكن «المنار» مطالبتها بالاستمرار في تعاقُدها معها. إضافة الى انني لم أطلع على العقد الموقّع بين الطرفين لأرى إذا كان يحق لـ «نايل سات» مراقبة مضمون البث أم أنها تقدّم خدمات تقنية ولا صلاحية لها لتتجاوز هذه الخدمات... لا أدري، على المرء الاطلاع على مضمون العقد لمعرفة الجهة المخالِفة.
وفي مطلق الأحوال «المنار» هي محطة لبنانية مرخّص لها بحسب القانون الذي ينص على الحرية الإعلامية التي نحرص عليها، فلا رقابة مسبقة على الإعلام، ولكن الحرية الإعلامية، وكما نص القانون، يجب ان تُمارَس تحت سقف القانون عيْنه الذي يحدد موجباتٍ من بينها عدم القدح والذم والتشهير وعدم المسّ بالعلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة، وعدم الحثّ على الفتنة والمس بالسلم الأهلي.
عادةً المجلس الوطني للإعلامي المرئي والمسموع هو مَن يرصد أداء وسائل الإعلام ويرفع تقريراً الى وزير الإعلام ليرى إذا كان يجب اتخاذ خطوات إدارية أو رفْع الأمر الى مجلس الوزراء. وأنا لم أتلقَ من المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع أي تقرير يتعلق بمضمون بثّ «المنار».
• ثمة ظاهرة لافتة منذ مدة وهي طغيان «طفرة» من الملفات الفضائحية على صورة لبنان في الإعلام... اتجار بالبشر، دعارة، إنترنت غير شرعي، اختلاسات في أحد أجهزة الأمن... هل ماتت السياسة في لبنان فحلّت مكانها المبالغات، أم ان الأمر يتصل بالدور الفعلي للإعلام؟
- الإعلام الاستقصائي يلقى رواجاً في كل دول العالم اليوم، من خلاله مثلاً في فرنسا انكشفت فضائح أدت الى استقالة وزيرين، وزير في عهد الرئيس (السابق) نيكولا ساركوزي، ووزير في عهد الرئيس (الحالي) فرنسوا هولاند. فالاستقصاءات والفضائح تُنشر في وسائل الإعلام كافة.
في لبنان تطغى أخبار الفساد لأن الحياة السياسية في ركودٍ كلي نتيجة الشغور الرئاسي والشلل في عمل مجلس الوزراء وفي عمل السلطة التشريعية وعدم إجراء الانتخابات في مواعيدها. كل ذلك يجعل الحياة السياسية مشلولة في لبنان. وفي ظل هذه الأجواء تُكشف فضائح متعلقة بالفساد وغير ذلك، فيتم التركيز عليها في الإعلام. وأعتقد ان للإعلام دوراً كبيراً في كشف الفضائح، لكنني أدعو الى توخي الحذر وعدم إطلاق أحكام مسبقة قبل ان يلفظ القضاء الكلمة الفصل بها، لأن في القضاء قرينة براءة، ثم ان التعميم على طريقة «كلهم يعني كلهم» يجهّل الفاعل بدل ان يكشف الفساد. الاعلام حر في لبنان وأتمنى ان يقوم برسالته على أكمل وجه وبموضوعية مع الأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية والمحافظة على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي واعتماد الرصانة في مهمّته بكشف الحقائق.