فكرة لبكرة / دور اللهجات المحلية في المحافظة على مفردات اللغة العربية

تصغير
تكبير
اللهجات في الأساس لغة تخص مجموعة من الناس كونوا مجتمعا له عاداته وتقاليده وأعرافه، وتعارفوا على أدواته من خلال لغة خاصة بهم تسمى لهجة، ولأن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي يميل إلى الأنسنة التي خلق من أجلها، قال تعالى:«يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» (الحجرات: 13)؛ ولأن القبائل العربية بدو رحل سواء أكان ذلك في محيط شبه الجزيرة العربية أم في المناطق الأخرى مثل بلاد الشام والعراق وغيرها، ساهم ذلك في احتكاك مجتمعاتهم ببعض من خلال التبادل اللغوي الذي يعد وسيلة اتصال أولى، ثم عندما شرف الله عز وجل لغتهم بالقرآن الكريم، وتوسعت الدولة الإسلامية وازدهرت. تألقت وقتئذ اللغة العربية على اعتبار أنها لغة العصر والعلم والدين في المقام الأول، ناهيك عن فرص العمل التي كانت توفرها وهذا هو الأهم.

إن الهدف من هذه الدراسة هو تفعيل وظائف استخدام المفردات العربية في كل قطر عربي، وجمعها للمحافظة على المعجم العربي، وإلى ثقافة استعمال الألفاظ العربية في كل بلد، ومرونتها في التعامل والتواصل، ومن أهدافها كذلك الاستثمار في اللهجات العربية لكتاب السيناريو في المسلسلات والأفلام وغيرها. وتنبثق أهمية هذه الدراسة كونها تعتمد على مقابلة اللفظة العربية المستخدمة معنى في دول المشرق العربي بدول المغرب العربي، وما طرأ عليها من تغيير في الدلالة. والأهمية هنا تكمن في المحافظة على مفردات اللغة العربية. ومن الصعوبة بمكان حصر كل المفردات المستخدمة، لأن الألفاظ في تطور مستمر وفي نمو يوما بعد يوم، فتتغير في الاستعمال والنطق، ويتعرض بعضها للضمور والاندثار، وعلى العكس فكثيرة هي الألفاظ التي تولد وتحيا من جديد، هكذا هي الحياة اللغوية كحياة البشر، ناهيك عن وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية التي حققت نجاحا في التواصل اللغوي بين أبناء الأمة العربية الإسلامية، والإطلاع على ثقافات لغوية متعددة. ففي هذه الدراسة جمعت بما يربو على أربعمئة مفردة واستعمال ومازلت، والتزاما بالحيز المكاني للمقال الصحافي سوف أقدم عينة مما جمعت أنموذجا فقط لتوضيح الفكرة.

أ – أوى: جاء في لسان العرب لابن منظور: المأوى هو المنزل أو المكان، قال الجوهري: المأوى كل مكان يأوي إليه شيء ليلا أو نهارا. ومنها مأوى: الابل.

* (مأوى) بعض الدول لم تقتصر على حفظ مفردات اللغة بل حفظت لنا بعض المعاني، ففي تونس تستخدم (مأوى) لغة مكتوبة كإعلان وإرشاد وتطلق على موقف أو مواقف السيارات، والمأوى يختص بالكائن الحي حماية وكسوة وشربا ومأكلا، ولعل الاستعمال التونسي حفظ لنا المعنى الأول من معانيها وهو (الحماية)، فمأوى السيارات يعني حمايتها، وهذا الترتيب في المعنى أجده مناسبا، فالإنسان يطلب الحماية أولا وقبل كل شيء لا بد من توفير الأمن والأمان، وتحضرني قراءة في كتاب البستان لابن مريم، فقد جاء في ترجمة سيدي إبراهيم بن يخلف بن عبد السلام التنبي المطماطي، قال: دخلت مكة وطفت بالبيت ذكر قوله تعالى:«ومن دخله كان آمنا» ( آل عمران: 97)، فقلت في نفسي تعارضت الأقوال واختلفت المذاهب في معنى الآمن فصرت أكرر وأقول آمنا آمنا آمنا مماذا؛ فسمعت هاتفا خلف ظهري يصوت آمنا من النار يا إبراهيم ثلاث مرات أو مرتين.

ب – بطل: بطل الشيء يبطل بطلا وبطولا وبطلانا: ذهب ضياعا وخسرا. ويقال: ذهب دمه بطلا؛ أي هدرا. والباطل نقيض الحق. أبطل فلان جاء بالكذب وادعى باطلا. وبطل الأجير، بالفتح، يبطل بطالة وبطالة أي تعطل، فهو بطال.

* (باطل) باللهجة الجزائرية المحكية أي بلا نقود وهي تستخدم كناية عن السلعة الرخيصة الثمن، التي يفرح بها صاحبها حين يشتريها بسعر زهيد؛ فحينما يسأل عن سعرها يقول فرحا: باطل، أي بسعر بسيط جدا لا يكاد يذكر، وهو هنا قد أبطل صعوبة اقتنائها، أو قل أبطل قيمتها النقدية الكبيرة التي تجعل من المواطن ينفر منها. وسمعنا أيضا بعض الأسر الجزائرية تقول للسلعة الجيدة والرخيصة إذا كانت ضمن عرض خاص وحسم لفظة (تتلاوح). في بلاد المشرق ودول الخليج على وجه الخصوص يقولون بلاش، إذا كانت السلعة بسعر رخيص لا يكاد يذكر. وهناك لهجة كويتية يقولون فيها (طايحة)، أي من رخصها فهي مرمية، وهي قريبة من (تتلاوح). في السودان يقولون:«الزول هذا باطل»أي: الرجل هذا غير جيد. أو ليس برجل.

خ – خلع: خلع الشيء يخلعه خلعا واختلعه: كنزعه. وخلع النعل والثوب والرداء يخلعه خلعا جرّده، تخالع القوم: نقضوا الحلف والعهد بينهم، خلع الثياب: تعرى. خلع امرأته وخالعها إذا افتدت منه بمالها فطلقها وأبانها من نفسه وسمي ذلك الفراق خلعا لأن الله تعالى جعل النساء لباسا للرجال والرجال لباسا لهن، فقال تعالى:«هن لباس لكم وأنتم لباس لهن»(البقرة: 187)، خلع من الدين والحياء: يتبرأون منه، خلع اليمين، الخليع الذئب والغول. الخلاع والخليع والخولع: كالخبل والجنون يصيب الإنسان، وقيل هو فزع يبقى في الفؤاد يكاد يعتري منه الوسواس. وقيل الضعف والفزع. رجل مخلوع الفؤاد: إذا كان فزعا. مع ملاحظة بأن الخوف ذكر صراحة في لسان العرب.

* (خلعتني) في الجزائر والسودان يقولون عن الفعل (أخفتني) (خلعتني) وهي سيميائية جميلة في حفظ معنى الخوف، حيث إن الفعل (خلع) يدل على الخوف؛ فخلع الباب أو خلع النافذة يفقدك الأمن والأمان، وإذا فقدت الأمن والأمان شعرت بالخوف، وأيضا خلع الضرس من العلاجات التي تؤدي إلى الخوف، وإذا بأمر أو بخبر غير مفرح يقول لك الجزائري خلعتني، أي أخفتني، وأظن في هذه الحال يكون المرء ذات نفس مطمئنة ومستقرة، وحين يسمع خبرا مؤلما أو مخيفا أو غير مفرح تنخلع نفسه المطمئنة المستقرة لتحل محلها نفس مضطربة خائفة ضعيفة. وأيضا يقولون في الجزائر عن الخبر المفاجئ (رجيتني) من الفعل (رج)، وبعض قبائل البقارة في السودان تقول عن الخوف (خرقتني)، وفيه معنى الخوف، وفي تونس يقولون (فجعتني). من الفاجعة، وفي مصر يقولون (خضتني)، في الكويت يقولون (خرعتني) جاء في حديث أبي سعيد الخدري: لو سمع أحدكم ضغطة القبر لخرع أو لجزع»، الخرع: الدهش أي دهش.

وللدراسة بقية...

* كاتب وباحث لغوي كويتي

fahd61rashed@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي