هكذا حمى «المركزي» الجهاز المصرفي وأبقى تصنيف الكويت في مأمن

أزمة السيولة الخليجية ... «حوالينا لا علينا»

تصغير
تكبير
الدعم الحكومي يعطي تصنيفات جميع البنوك ما بين 3 و6 درجات

توظيفات المصارف لدى «المركزي» حمت السوق من أي شح في السيولة

البنوك سحبت 1.2 مليار دينار من سنداتها وودائعها لدى «المركزي» خلال 7 أشهر

المصارف تنتظر حسم الحكومة خياراتها في ما يتعلّق بتمويل عجز الموازنة

البنوك ما زالت قادرة على الإقراض ... بدليل نمو الائتمان 8 في المئة خلال 2015

الكويت بعيدة عن أي خفض للتصنيفات السيادية في المدى المنظور

البلاد بمنأى عن أزمات السيولة التي تشهدها الدول المجاورة
تعيش الكويت أجواء مغايرة، إلى حد بعيد، عما تشهده دول خليجية مجاورة من أزمات سيولة وقرارات بخفض التصنيفات الائتمانية.

فهل هي مناعة حقيقية؟


وإلى متى تستمر؟

خلال الأسبوع الماضي، ظهرت بوضوح معالم أزمة سيولة في أكثر من دولة خليجية، إحداها من الدول الأغنى، وأُغلِق الأسبوع على إعلان «ستاندرد أند بورز» خفض تصنيف ثلاث دول خليجية، أبرزها السعودية، بعد أيام قليلة من إعلان الوكالة نفسها تثبيت تصنيف الكويت عند «AA/‏‏‏‏‏A-1+» مع نظرة مستقبلية مستقرة. فما الذي أعطى الكويت هذه القوة في فترة عصيبة كهذه؟

تُجمع المصادر المصرفيّة على أن الكويت قد تكون من الأفضل حالاً بين الدول الخليجية على صعيد الوضع النقدي والمالي في ظل التراجع الحاد لأسعار النفط، سواء من حيث السيولة القوية للجهاز المصرفي، أو من حيث متانة التصنيفات السياديّة والمصرفيّة، وهذا ما يتضح من خلال مختلف المؤشرات المتوافرة، وأسباب ذلك ليست وليدة اليوم، بل نتاج سياسات متحفّظة مطبقة منذ سنوات عدّة.

ولتفسير متانة الوضع النقدي والمصرفي الكويتي في هذه الأوضاع الصعبة، تسجّل المصادر المصادر المصرفيّة الملاحظات التالية:

1 التصنيفات السياديّة متينة

لا تتوقع المصادر المصرفية أن تكون الكويت عرضة لأي خفض للتصنيفات السياديّة في المدى المنظور، على غرار ما جرى للسعودية والبحرين وسلطنة عُمان. وتستند في ذلك إلى أن وكالة «ستاندر أند بورز»، وهي الأكثر تشدداً في مراجعة تصنيفات الدول المتأثرة بانخفاض أسعار النفط، أصدرت مراجعتها لتصنيف الكويت السيادي في 12 فبراير الجاري، وكان قرارها بتثبيت التصنيف عند «AA/‏‏‏‏‏A-1+» مع نظرة مستقبلية مستقرة، على الرغم من تخفيض توقعاتها لمتوسط أسعار النفط في السنوات الثلاث المقبلة من 55 إلى 40 دولاراً فقط.

وعزت الوكالة هذا التصنيف القوي إلى مراكز الأصول المالية والخارجية الضخمة جداً التي راكمتها الكويت على مدى سنوات طويلة»، والتي رأت فيها ما يعوّض مخاطر انخفاض النفط والاقتصاد إير المتنوع والمخاطر السياسية والتوترات الجيوسياسية الإقليمية.

2 ... وكذلك تصنيفات البنوك

تعد التصنيفات السيادية مسألة حسّاسة بالنسبة للبنوك الكويتية، لأن أي خفض للتصنيف السيادي يمكن أن يؤثر بالتبعية على وحدات القطاع. وليس سرّاً أن تقديرات وكالات التصنيف لاحتمال الدعم الحكومي للبنوك عند الحاجة هي ما يعطي البنوك الكويتية تصنيفاتها القويّة للمدى البعيد.

وتكفي مراجعة تصنيفات «موديز» للبنوك الكويتية لملاحظة أن احتمال الدعم الحكومي يعطي جميع البنوك (مباشرة أو غير مباشرة) ما بين 3 و6 درجات إضافية فوق التصنيف الأساسي الذي تحظى به من دون احتمالات الدعم الحكومي (انظر الجدول). ويعود ذلك إلى تاريخ طويل من السياسات المطبقة من قبل البنك المركزي، والتي أظهرت التزاماً صارماً بحماية الاستقرار المالي.

ولذلك فإن قوّة التصنيفات السياديّة توفّر مظلّة حامية للقطاع المصرفي، وتبقي على تكفلة التمويل في السوق المحلي منخفضة.

3 لا أزمة سيولة ... وهنا الأسباب

بجانب قوة التصنيفات، يمكن للكويت أن تطمئن إلى أنها بمنأى عن أزمات السيولة التي تشهدها دول مجاورة. ويمكن نسب الفضل في ذلك إلى سياسات إدارة السيولة الدقيقة المطبقة منذ سنوات طويلة، والتي كان البنك المركزي يقوم بالتعامل مع فائض السيولة في الجهاز المصرفي بيقظة وبشكل منتظم، لئلّا يتضخّم معروض النقد بشكل لا يمكن السيطرة عليه.

وكان من أهداف ذلك توطين الدينار كوعاء إدخاري والحفاظ عليه في زمن الفوائض، والحؤول دون سحبه إلى خارج البلاد، لئلا تفتقر البلاد إليه في فترات العجز ونقص السيولة.

وأدت هذه السياسة إلى ارتفاع حجم توظيفات البنوك لدى البنك المركزي إلى نحو 5.8 مليار

دينار منتصف العام الماضي، تتوزع بين ودائع وسندات. ومع تبدّل الأحوال في الأشهر القليلة الماضية، شكّلت تلك التوظيفات دعامات ممتازة للبنوك للسحب منها وعدم الشعور بأي شح في السيولة. وتشير البيانات المتوافرة على موقع بنك الكويت المركزي إلى أن البنوك سحبت ما يقارب 1.2 مليار دينار من توظيفاتها لدى «المركزي» بين مايو الماضي ونهاية ديسمبر 2015.

يعلّق أحد المصرفيين على ذلك بالقول: «تخيّل الآثار الخطيرة لو أن السيولة الفائضة لم يتم سحبها من الجهاز المصرفي على مدى السنوات الماضي، كيف كان اقتصاد البلاد سيتفادى أزمة السيولة!»

4 البنوك ما زالت تُقرض بقوّة

ولعل واحدة من أبرز إيجابيات الوضع الصحّي للسيولة أن البنوك ما زالت قادرة على الإقراض وتمويل الاقتصاد بقوّة. ويتضح ذلك من خلال النمو القوي للائتمان بنسبة كسرت عتبة الثمانية في المئة خلال العام الماضي. ويترافق ذلك مع بقاء معدل القروض المتعثرة منخفضاً عند 3 في المئة تقريباً، وتغطية المخصصات عند مستويات مرتفعة جداً لدى معظم البنوك. وهذا ما انعكس إيجاباً على مستويات ربحية القطاع المصرفي. إذ تمكنت البنوك الكبيرة من تحقيق نمو قوي وتقديم توزيعات مجزية، كان لها أثرها الواضح في إشاعة أجواء إيجابية في سوق المال.

5 في انتظار سياسة الدين العام

في ظل هذه التطورات، وفيما تُؤتي السياسة النقدية ثمارها المطمئنة، لا تزال البنوك تنتظر حسم الحكومة لخياراتها في ما يتعلّق بإدارة عجز الموازنة وتمويل حاجات الخزينة العامّة، لما لذلك من تأثير كبير على القطاع المصرفي.

ومعلوم أن الخيارات تنحصر بطرح سندات محليّة بالدينار أو سندات دوليّة بالعملات الأجنبية، أو السحب من الاحتياطي العام، أو مزيح من هذه الخيارات، التي يبقى لكل منها إيجابياته وسلبياته. ففي حال طرحت الحكومة سندات بالدينار، لا بد من الأخذ في الاعتبار بعض الأعراض الجانبية لذلك، وأهمها الضغط على مستويات السيولة، ودخول الحكومة مزاحماً للقطاع الخاص على موارد التمويل المتاحة في القطاع المصرفي.

ولا يخفى أن تأخر الحكومة في حسم خياراتها أدى إلى بعض النقص في السيولة في الخريف الماضي، لأن وزارة الماليّة أخّرت دفعات مستحقة لمؤسسة التأمينات ومؤسسة البترول الوطنية، فاضطرتا إلى السحب من ودائعهما في البنوك المحلية لسداد الرواتب.

ويبدو أن السبب وراء التأخير يكمن في أن وزارة المالية كانت تدرس إعطاء الجهات الحكومية المستقلة سندات بدلاً من الكاش، مستفيدة من مرسوم صادر في العام 2009 يتيح لها ذلك. لكن مع تأخر اتخاذ القرار في هذا الشأن، قامت وزارة المالية بتوفير الأموال المطلوبة من حساب الاحتياطي العام لتسديد المستحقات، فانتعشت السيولة مجدداً.

خلاصة القول إن حصافة الإدارة النقدية تُبقي النظام المصرفي في حالة مطمئنة، لكن ذلك لا يحجب المخاوف من الاختلالات الهيكلية على صعيد الماليّة العامة والاقتصاد الكلّي، والتي تحتاج إلى إصلاح عاجل.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي