إذا أردتَ أن تعرف ماذا يجري في بيروت فعليك أن تعرف ما جرى في روما

هكذا تقرأ «8 آذار» تَدافُع الحريري وجعجع ... و«تَطاحُن» فرنجية وعون

تصغير
تكبير
في غياب قطب كبير يحيك التسويات فإن درج بعبدا سيعلوه العشب الى أجل غير مسمى
يصعب على أيّ مراقب محايد في بيروت، المصابة بـ «صدمة سياسية» من شدّة التصدّعات المفاجئة في التحالفات التي حكمتها على مدى أكثر من عشرة اعوام، تفسير «الفوضى السياسية» التي تشكل التموْضعات الجديدة على ضفاف الاستحقاق الرئاسي رأس جبل الهذيان فيها، بمعزل عن المجريات التي لا تقلّ دراماتيكية في المنطقة المترنّحة فوق زلزال لم تشهد مثيلاً له منذ نحو قرن.

فمَن ينظر الى حرائق المنطقة المشتعلة بصراع الأدوار والأحجام والمصالح والايديولوجيات الدينية، لا يحتاج الى عناء كبير لاكتشاف حجم الموجات المتوالية من التحولات مع التفاهم بين واشنطن وموسكو على إطلاق يد الروس في سورية وعودة الاميركيين الى العراق وتنكيس الحضارة الغربية تماثيل روما لاسترضاء الرئيس الايراني حسن روحاني وإشغال السعودية بحربٍ مفتوحة في اليمن.


ولأن الشيء بالشيء يُذكر، انبرى احد المراقبين للقول انه اذا اردت ان تعرف ماذا يجري في بيروت فعليك ان تعرف ماذا جرى في روما، فالانحناءة لـ «حزب الله»، الذي يُعتبر ممثلاً للنفوذ الايراني في لبنان، عبر العراك المرير بين الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع على تبني كل واحد منهما ترشيح احد حليفيْ الحزب (سليمان فرنجية وميشال عون)، تشبه الى حد بعيد انحناءة ايطاليا امام الضيف الايراني عندما أخفت تماثيلها العارية من أمامه.

وعلى وهج هذه المقاربة و«رمزيّتها»، تستمر التأويلات الصاخبة عن «الأسباب الموجبة» التي دفعت زعيم «تيار المستقبل» الى اعتماد خيار فرنجية، الذي قيل الكثير عن انه صديق للرئيس السوري بشار الاسد ولصيق بـ «حزب الله»، وعن الدوافع التي حدت برئيس حزب «القوات اللبنانية» الى تبني ترشيح العماد عون، الذي يقال الكثير ايضاً عن انه المرشح رقم واحد لـ «حزب الله» والرئيس الاسد وايران، وهي التأويلات التي يختلط فيها السياسي بالشخصي، والوطني بالطائفي والمحلّي بالاقليمي.

ولم يُخْفِ القريبون من «حزب الله» ارتباكه من شدة التدافع بين الحريري وجعجع لكسب معركة ايصال احد مرشحيْه (فرنجية او عون) الى الرئاسة، واضطراره تالياً، تحت وطأة الضغوط لإحراجه، الى ترْك اللعبة تأخذ مجراها، وهو غير المستعجل للافراج عن الاستحقاق الرئاسي إلا في إطار تسوية تلبي إرادته في إحداث تغييرات فعلية في تركيبة الحكم على قاعدة تَقاسُم جديد لـ «كعكة» السلطة، الامر الذي تُعزِّز من حظوظه المتغيّرات الميدانية في سورية.

تحت هذا السقف من خيارات «حزب الله»، تجري تحريات حثيثة لفهم الوقائع الجديدة في اللعبة السياسية ومتاهاتها بعدما شهدت خلط اوراق عنيفاً جعل من معسكريْ «8 و 14 آذار» مجرد أطلال... واذا كانت بقايا «14 آذار» اكثر ميلاً للقول ان ما جرى أعاد الصراع الى مربّعه الطائفي على أنقاض «انتفاضة الاستقلال» وشكل فوزاً بـ «الضربة القاضية» لـ«حزب الله» الذي راكم مكاسب بالنقاط على مدى الأعوام الماضية، فإن اوساطاً في «8 آذار» التي تعاني تصدعات موْضعية تقدّم قراءة تفصيلية في كفّ التحولات الأخيرة.

وتعتقد هذه الأوساط في 8 آذار ان تحالف عون - جعجع سبب إرباكاً كبيراً للساحتيْن الداخلية والاقليمية، كالإرباك الذي تَسبب به دعم القطب الابرز في «14 آذار»، أي الحريري لفرنجية، مشيرة الى أن الشارع المسيحي بغالبيته لا يريد فرنجية رئيساً، في الوقت الذي لا يريد الدروز ممثَّلين بالنائب وليد جنبلاط، وسنّة 14 آذار كما مسيحييها المستقلّين اضافة الى الشيعة بلسان الرئيس نبيه بري، العماد عون رئيساً.

ورأت الأوساط عيْنها ان تفاهُم عون - جعجع أرسى تحالفاً شبيهاً بالعلاقة القائمة بين «حزب الله» وحركة «امل»، وتالياً فإنه سيوحّد الشارع المسيحي لما له من تأثير ايجابي على غالبية المسيحيين، لافتة الى ان تحالفاً من هذا النوع سيؤدي الى اكتساح مَن هم خارجه في أي انتخابات نيابية مهما كان شكل قانونها، وسيكون حكماً على حساب هادي حبيش وبطرس حرب وميشال المر وحزب الكتائب وآخرين.

وتأخذ هذه الاوساط على فرنجية انه رغم الدعم الذي حظي به من سورية لتثبيت وجوده في السلطة كوزير للصحة ومن ثم للداخلية، لم يستطع على مدى أعوام فتْح مكتب في المتن ممثلاً أو أي منطقة مسيحية لاستقطاب المزيد من المناصرين، واقتصر وجوده على زعرتا، وهي الساحة الموزعة بينه وبين آل معوض وجعجع، اضافة الى انه لا يملك أكثر من مقعدين نيابييْن والثالث أُلصق به كوديعة تتيح له المشاركة في هيئة الحوار.

الا ان فرنجية، بحسب تلك الاوساط، الذي قرأ بعناية ما يجري على الساحة السياسية الداخلية، وصل الى الاستنتاج بأن الاتحاد بين عون وجعجع نهائي ويشكّل مقتلاً له، لذا فهو سيمضي قدماً في ترشيح نفسه للرئاسة ولن يتنازل مهما كلف الأمر لانه يعتبر المسألة فرصته الأخيرة للبقاء على قيد الحياة السياسية.

وفي رأي هذه الأوساط ان الجميع في الداخل والخارج كانوا يشككون في إمكان ذهاب جعجع في علاقته المستجدة مع عون الى الحد الذي يتبنى فيه ترشيحه، لإدراكه ان دولاً اقليمية مؤثرة (السعودية) ترفض وصول عون الى الرئاسة، اضافة الى مكونات أساسية في البلاد، الا ان رئيس حزب «القوات اللبنانية» فعلها نتيجةً لقراءته الجيّدة للتحولات في المنطقة، وهو الذي يعرف تماماً ان مسيحيي الشرق يعانون تهديداً من الاسلام المتطرف الذي يشكل خطراً على وجودهم.

وأشارت الأوساط نفسها الى ان جعجع، الذي أراح المسيحيين بتحالفه مع عون، أدرك في قراءته «الحكيمة» ان الوضع في سورية يتحسّن لمصلحة محور الممانعة، وان النفوذ الإقليمي لدول مؤثّرة في لبنان (السعودية) بدأ يتراجع، وتالياً أراد الانفتاح على خط الممانعة الذي عمل رئيس «القوات» على دغدغته بقراءة المانفيست السياسي من معراب يوم أعلن صراحة ان اسرائيل هي العدو.

ورأت أوساط «8 آذار» عشية إطلالة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله اليوم ان الحزب في موقعٍ لا يُحسد عليه، لانه لن يحيد عن التزامه الأدبي بدعم عون ولن يطلب من فرنجية الانسحاب، كما انه لن يطلب من بري التأثير على فرنجية للانسحاب، لافتة الى أن «حزب الله» لا يلتفت الى ما يقوله جعجع وعون عن إمكان إرغام الحزب لحلفائه على تبديل مواقفهم، خصوصاً عندما يضغط الاول (جعجع) اعلامياً والثاني (عون) من خلال التواصل الخاص بأنهما ينتظران ان يجمع الحزب الجميع تحت مظلة واحدة للذهاب بهم الى البرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية.

وبدت هذه الأوساط جازمة بأن «حزب الله» لن يفعلها لانه لا يريد خسارة حلفائه ولا يريد ان يُرَدّ له طلبٌ ،وهو متأكد من ان بري وفرنجية لن يتجاوبا معه، خصوصاً بعدما اوحى الرئيس بري بأن المسألة لا ترتبط بدعمه ترشيح فرنجية بقدر ما تتصل برفضه السير بالعماد عون.

ولذا فإن «حزب الله» يعمل، بحسب الأوساط عيْنها، على تدوير الزوايا لإرضاء حلفائه، وهو لا يريد فك ارتباطه بعون في أي وقت في القريب العاجل، وغير راغب في تعديل اتفاق الطائف الآن، لكنه يسأل - أي الحزب - هل سيكون رئيس الحكومة العتيد قوياً او ضعيفاً؟ فالرئيس السابق فؤاد السنيورة، وفق هذه الأوساط، لن يعود ابداً الى الحكم، وفي غياب قطب كبير يحوك التسويات ويوزّع جوائز الترضية على الجميع، فإن درج بعبدا (القصر الجمهوري) سيعلوه العشب الى أجَل غير مسمى.

وتعتقد هذه الاوساط ان بلوغ المأزق هذا المستوى من انسداد الأفق من شأنه أن يعيد الى الصدارة أسماء مرشحين على علاقة جيدة مع الجميع كالوزير السابق جان عبيد.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي