تختلط المفاهيم عند الناس أحياناً في التمييز بين الدولة والحكومة فيُستخدم المصطلحان في مواضيع خاطئة ومتبادلة، خاصة عندما يسود الاعتقاد بأن الدولة هي الحكومة. ففي كل نقد موجه للدولة من حيث أدائها أو الفساد المستشري في أجهزتها نجد أن هذا النقد ينبغي أن يوجه للحكومة وليس الدولة...هذا الالتباس في الفهم المصطلحي لكل من الدولة والحكومة يكاد يكون سائداً في الحوارات والكتابات وبشكل مستمر بين الناس.
المعلوم أن الدولة ليست هي الحكومة لأن الحكومة سلطة من سلطات الدولة معنية بتنفيذ خطة وسياسات الدولة أسوة بالسلطات الأخرى القضائية والتشريعية والإعلامية، مما يعني أن الحكومة أداة من أدوات الدولة تستخدم من أجل رعاية مصالح الناس وتقديم الخدمات لهم. لهذا فإن رعاية المصالح وتفعيل الخدمات وجودتها والارتقاء بالأداء العام هي مسائل تحتاج إلى رقابة ومتابعة لأعمال الحكومة، وعادة تواجه الحكومة انتقادات الناس على أعمالها أو تقاعسها أو ضعف أدائها بسبب طبيعة اختصاصاتها المعقدة والمتداخلة، وكثرة التغييرات التي تحصل في أجهزتها وتشريعاتها.
لهذا فإن الدولة على عكس الحكومة لها كيان سياسي وسيادي في نطاق إقليمي تزاول نشاطاتها من خلال مؤسساتها في ظل الاعتراف الدولي بشخصيتها ووجودها القانوني، وبالتالي فهي تمارس اختصاصات السيادة، وتعبر عن الشرعية والهيمنة والسلطة العامة باعتبار أن الدولة لها مفهوم أكثر اتساعاً من الحكومة لأنها الكيان الشامل، أما الحكومة فهي جزء من الدولة، وبالتالي هي ليست ثابتة وإنما متغيرة ولا تتمتع بديمومة، أو استقرار أو حتى منهجية عمل مرسومة لا تتغير. لذلك لا يجوز انتقاد الدولة، وإنما النقد يوجه للحكومة إذا قصّرت في أعمالها وألحقت الضرر بالدولة. ولأن الحكومة كسلطة تنفيذية فإنها تقع في الكثير من المشكلات، والناس تصوب انتقاداتها لأداء الوزراء والعاملين من القيادات في الأجهزة الحكومية انطلاقاً من أن الانتقاد الهادف ضرورة ويصب في المصالح العليا للدولة. كما أن انتقاد الحكومة حق أصيل من حقوق الشعب، فلا ينبغي أن ينزعج منه الوزراء أو القيادات في الأجهزة الحكومية ما داموا ارتضوا بتحمل المسؤوليات، وأقسموا على حماية الدولة والمحافظة عليها...
ولأن اختصاصات الحكومة واسعة ومتعددة فإن الحكومة عادة تحصّن نفسها من تداعيات كثرة الأخطاء المحتملة، وخاصة تلك المشكلات التي تتعلق بالإرهاب والاقتصاد والأمن والعلاقات الخارجية والفساد. هنالك الكثير من المشكلات تشكل هاجساً وقلقاً دائماً للحكومة مثل المشكلات الإدارية، وتنفيذ خطط التنمية، والتطورات المطلوبة في مجال ما يسمى بالحكومة الإلكترونية، وتجويد الخدمات العامة وترشيد الإنفاق وغيرها.
لا شك أن انتقاد الناس للحكومة أصبح اليوم من الأمور المألوفة يتقبله الجهاز التنفيذي إدراكاً إن ثقل المسؤولية، واحتمالات الخطأ، ودستورية الرقابة على الأعمال والأداء هي مكونات من أعمال الحكومة. بل إن الدولة الديموقراطية ترى أهمية في مساءلة الحكومة من خلال أنظمتها السياسية والتعددية الحزبية والفكرية والتي تلتقي عادةً على المصالح العليا للدولة، وتختلف في الأساليب أو النهج المتبع مع الحكومة بهدف توجيه وتصويب أخطائها وتفعيل دورها في تحقيق المزيد من التقدم والرخاء..
yaqub44@hotmail.com