الحريري وجعجع يتنافسان بمرشّحيْ «المحور السوري - الإيراني»

«حزب الله» لن يفرج عن الرئاسة قبل «تَقاسُم السلطة» في الحكومة

تصغير
تكبير
تضجّ بيروت بعناوين صاخبة، تعلو حيناً وتخفت أحياناً، على وقع المدّ والجزر في الصراع الاقليمي، الايراني - السعودي، وتجلياته التي يختلط فيها السياسي بالمذهبي... فمن الفراغ الذي يستوطن القصر الجمهوري منذ نحو 20 شهراً الى الحكومة المصابة بالغيبوبة على مدى نحو عام، ومن البرلمان العاطل عن العمل إلى التحذيرات المتواصلة من خطر التفجيرات والاغتيالات، ومن «جنس» التسوية الممكنة الى ملامح خلط الأوراق، ومن «لحس المبرد» في الواقعيْن الاقتصادي والمالي الى تَعاظُم أزمة اللجوء السوري، ومن أثمان التورط المتمادي في حروب المنطقة الى الخطر الدائم من انفجار الاحتقان المذهبي...

كل تلك العناوين حاضرة في يوميات بيروت وصالوناتها السياسية ومقرات أحزابها، وسط انشداد مطلق الى سؤالين هما: هل ثمة خشية من انفجار أمني كبير تحت وطأة وهج النزاع الاقليمي او لقلب التوازنات السياسية بالقوة ؟ ووفق أي «دفتر شروط» داخلي واقليمي يمكن الإفراج عن الانتخابات الرئاسية وإعادة الروح الى الدولة اللبنانية؟ وتالياً فإن «طوفاناً» من المناقشات التي تَغرق في «شياطين التفاصيل»، غالباً ما تفضي الى مجرّد قراءات متناقضة لواقعٍ يزداد تعقيداً في حمأة التداخُل الهائل بين الداخل والخارج.


وثمة انطباع بأن الواقع الأمني الممسوك مرشّح للصمود. وتكمن أهمية هذا الاستنتاج في ان «الستاتيكو» الحالي القائم على الانتظار لن يبدّل من قواعد اللعبة، وخصوصاً ان «حزب الله»، اللاعب الأكثر قدرة على توجيه دفة الأحداث، غير مستعجل على «الإفراج» عن الانتخابات الرئاسية، وهو الأمر الذي ظهر بوضوحٍ لا سابق له من خلال قطعه الطريق على انتخاب النائب سليمان فرنجية، أكثر المرشحين التصاقاً به وصديق حليفه الاستراتيجي الرئيس السوري بشار الأسد.

ورغم المحاولات المستمرة لـ «جس نبض» الحريري لمعرفة مصير مبادرته غير الرسمية بترشيح فرنجية، والاتجاه المتزايد لدى رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع للاعلان عن دعمه لترشيح «خصمه» في الوسط المسيحي زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، فان دوائر سياسية عدة ما زالت تسعى الى تفكيك ملابسات الموقف المفاجئ لـ «حزب الله» والحاسم ايضاً برفض خيار فرنجية، الذي قيل الكثير عن غطاء دولي - اقليمي لوصوله برافعةٍ من الحريري.

أوساط سياسية تجيد قراءة «العقل» الاستراتيجي لـ «حزب الله»، قالت لـ «الراي» ان الحزب غير مستعجل لمجيء رئيس جديد للجمهورية، أكان فرنجية او سواه، فالمسألة لا ترتبط بالرئيس في ذاته بقدر ما هي على صلة فعلية برغبة «حزب الله» في إجراء تعديلات في آليات الحكم والتوازنات داخله، وذلك على قاعدة تحقيق تكافؤ بين المكوّنات الأساسية في البلاد.

وفُهم من هذه الأوساط ان «حزب الله» سيمضي قدماً في دفْع مأزق النظام الى أوجه عبر الاستمرار في تعليق العمل بالاستحقاقات الدستورية ومؤسسات الدولة الى اللحظة التي يضطرّ الجميع الى الجلوس حول الطاولة لمناقشة معاودة توزيع كعكة السلطة، على النحو الذي يمكّنه من ان يصبح شريكاً على قدم المساواة في صنْع القرار الرسمي اللبناني.

واذا كانت الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان هي أشبه بـ «أسماء حرَكية» للطوائف والمذاهب، فإن تلك الأوساط لا تجد حرجاً في القول ان «حزب الله»، الذي يَعتبر ان اتفاق الطائف أتاح للمركز السني الأول - اي رئاسة الحكومة - الإمساك بالقرار، لن يقبل بأقلّ من إحداث تعديلات تمكّن الشيعة من المشاركة الفعلية في قرار السلطة التنفيذية، اي الحكومة، وخياراتها.

ودلّت التجربة في الأعوام الماضية على ان «حزب الله» سعى الى فرض هذه المعادلة بقوّة الأمر الواقع، عبر انتزاع «الثلث المعطّل» في الحكومة إن من خلال استخدامه السلاح على غرار ما حصل في 7 مايو 2008 في بيروت وبعض الجبل، الأمر الذي أدى الى كسر قواعد اللعبة والذهاب الى اتفاق الدوحة، وإن عبر تحالُفه مع شريك مسيحي قوي، هو العماد عون الذي وفّر للحزب إمكان الإمساك بـ «الإمرة الاستراتيجية».

غير ان «حزب الله» يعتقد، بحسب الأوساط عيْنها، ان الوقت حان لتكريس هذه المشاركة عبر تعديلات دستورية في نمط الحكم، لأن الاتكاء على التحالف مع «التيار الوطني الحر» غير مضمونٍ في ظل الصراع على قيادة هذا التيار في مرحلة ما بعد العماد عون، ولانه غير وارد اللجوء الى استخدام السلاح في الداخل على غرار «7 مايو» مرّة جديدة، وخصوصاً في ظل الاحتقان السني - الشيعي.

وبإزاء تقديرات من هذا النوع، تتضح خلفية استياء «حزب الله» من ذهاب حليفه سليمان فرنجية الى عقد صفقة مع الحريري تقوم على ان «الرئاسة لـ 8 آذار» مقابل إطلاق يد زعيم «المستقبل» في الحكومة، الأمر الذي سارع الحزب الى إجهاضه لان الثمن الذي يريده مقابل الإفراج عن الرئاسة الاولى كـ «موقعٍ رمزي» هو تثبيت توازنٍ سني - شيعي في صنْع القرار في الحكومة التي تتمركز فيها سلطة اتخاذ القرار.

وبهذا المعنى، فان «حزب الله» الذي يقاتل في معارك يعتبرها «وجودية» خارج لبنان، لن يتساهل في سعيه لتعديل قواعد الحكم وتوازناته في لبنان، وتالياً فإنه سيستمرّ في حراسة الفراغ الرئاسي الى حين نضوج ظروفِ مقايضةِ عمليةِ انتخابِ رئيسٍ للجمهورية بتعديلاتٍ يريدها في آليات الحكم، وهو ما كان أوحى به عندما تحدّث عن تسويةٍ بـ «سلّة شاملة» تتضمّن رئاسة الجمهورية والحكومة، رئاسةً وتركيبةً وتوازنات، وقانون الانتخابات.

ورغم ان أوساطاً بارزة في قوى «14 آذار» رسمت لـ «الراي» صورةً مأزومة عن واقع «حزب الله» الذي يعاني استنزافاً في «فيتنام السورية» يزيده إرباكاً، وتالياً لن يكون طليق اليد في أجندته الداخلية، برزت الى الواجهة المفاجأة التي لم تعد مفاجأة والمتمثلة في اتجاه جعجع الجدّي لترشيح عون في لقاءٍ وشيك يضمّهما في «معراب» مقر رئيس «القوات اللبنانية»، كردّ من «العيار الثقيل» على ترشيح الحريري لفرنجية بمعزل عن التنسيق مع جعجع.

واذا كان التحالف، الذي صار هشاً بين أطراف «14 آذار» يرزح الآن تحت وطأة سجالٍ مأزوم حول المفاضلة بين «أبناء المحور السوري - الايراني»، اي عون وفرنجية، فان هذه «اللعبة المسمومة» التي من شأنها تقويض ما يُعرف بـ «ثورة الارز» جراء صدمتيْن متتاليتيْن، لن تحيد الأنظار عما سيكون عليه موقف «حزب الله» الممسك بمفتاح القصر الجمهوري.

ففي رأي أوساط سياسية واسعة الاطلاع في بيروت، ان اتساع دائرة المواجهة العربية - الايرانية بعد اجتماعيْ الرياض والقاهرة، ليست اللحظة المواتية لأيّ تسوية داخلية في لبنان يمكن ان تفضي الى الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي، الذي يحتاج بالحد الأدنى الى تَفاهُم ضمني ولو بالأحرف الاولى بين الرياض وطهران، وتالياً فإن حماوة المبادرات الرئاسية وما تنطوي عليه من مناورات لا تعدو كونها لعباً في الوقت الضائع.

وشكّكت أوساط بارزة في «8 آذار» في إمكان ذهاب الدكتور جعجع بعيداً في تعبيد الطريق للجنرال عون الى بعبدا (القصر الرئاسي)، وقالت لـ «الراي» ان ثمة فارقاً بين الاعلان عن دعم ترشيح عون في إطار تصفية الحسابات مع الحريري، وبين النزول الى البرلمان لانتخاب زعيم «الوطني الحر» رئيساً لما تنطوي عليه هذه الخطوة من حرْق جعجع لمراكبه مع المملكة العربية السعودية.

وبدت هذه الاوساط في حال انتظارٍ لـ «الثمن السياسي» الذي يمكن ان يدفعه عون (المرشح الرسمي لحزب الله) لكسب تأييد جعجع الذي لا يسعه الذهاب الى تحوُّل من هذا النوع من دون تفاهم سياسي يتناول الخيارات الأساسية لـ «رئاسة عون»، أقلّه تجنباً لتكرار تجربة وقوفهما معاً في العام 1988 في وجه المعادلة السورية - الاميركية «مخايل الضاهر او الفوضى»، ونجاحهما في الإطاحة بالضاهر ومن ثم ذهاب الحال المسيحية الى... الفوضى، فهل يمكن لعون ان يُرضي جعجع من دون ان يُغضِب «حزب الله»؟
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي