إحسان إبراهيم ... هل نحن في الكويت؟

تصغير
تكبير
لا أعرف احسان عبد الله احمد ابراهيم الذي يشغل وظيفة مدقق رئيسي في ديوان المحاسبة. لم التق به سابقا ولم اعرف شيئا عن عمله وادائه ولم يسبق لي ان شاهدت له تصريحا او سمعته في مداخلة. قرأت اسمه مثل الكثيرين غيري حين تقدم بشكوى شخصية لحماية المال العام، وهو ما زال في عمله، الى السيد النائب العام المستشار حامد العثمان، ضد مكان عمله، ديوان المحاسبة، وضد وزارة الماء والكهرباء احتجاجا على تمرير وكيل الديوان مشروع «طوارئ 2007» .
موظف كويتي، في منصب رفيع المستوى في جهاز حساس، لا يتباهى بالانتماء الى عائلة تملك نفوذا تجاريا او سياسيا كبيرا. لا يستقوي بقبيلة. ليس من بطانة شيخ. لا يطلب دعما من نائب قريب له او ينتخبه في دائرته. لا يداوم في مكتب وزير صباحا قبل ان يداوم الوزير لتقديم الملف اليه. لم يسرب ورقة الى نائب دائرته ليستخدمها الاخير في تصفية حسابات مع وزير ولم يساوم وزيرا ويتفق معه على «صفقة نيابية»... ولم يداهن مسؤوليه من اجل السكوت على مخالفة في مقابل ترقية او «يساير» اصحاب العقود من اجل عمولة.
كشف احسان في الشكوى ان عددا من الشركات ارسل عروضا بالفاكس الى الوزارة وان فريق المدققين والمهندسين في ديوان المحاسبة انتهى الى تسجيل 22 اشتراطا قانونيا وتنظيميا جازما لا يصح توقيع العقد الا بعد تحققها، لكن وكيل الديوان اصدر موافقة غير مشروطة لاغيا كل التنظيمات التي ادرجها الفريق الفني... وبما ان رئيسه هو الخصم والحكم اختار القضاء ملاذا لحماية المال العام.

من دون الخوض في طبيعة العقود وموقف الوزير ومصير المشروع، بل ومن دون التطرق الى الجانب القانوني برمته، لا يمكننا الا ان نتساءل: هل نحن في الكويت؟
احسان ابراهيم رد على هذا السؤال: نعم، نحن في الكويت.
عندما نقول ان الكويت يجب ان تكون دولة قانون ومؤسسات، نجد موظفا يلجأ الى القانون، والقانون فقط، لتقويم عمل المؤسسات. خصوصا ان ديوان المحاسبة هو الجهة التي عليها ان تراقب (بكسر القاف) لا ان تراقب (بفتح القاف).
وعندما نقول ان الكويت فوق الطوائف والمناطق والمذاهب، نجد موظفا يعمل بهدي ضميره من اجل المصلحة العامة.
وعندما نقول ان قضايا الوطن والمواطن يجب ان تنأى عن خلافات السياسيين ونزاع السلطتين، نجد موظفا يرفض وضع قضية مال عام في سوق المزايدات والمنافسات والصفقات بين المجلس والحكومة.
وعندما نقول ان كلمة الحق يجب ان تقال بغض النظر عن المنصب والواسطة والخوف من خسارة الترقيات، يقول موظف كلمة الحق بقنواتها القانونية بعدما عجز عن تصحيح الخطأ بالقنوات الادارية.
وعندما نقول ان الفساد يجب ان يحارب من خلال كوادر مؤمنة فعلا بضرورة توجيه ضربات متلاحقة اليه، نجد موظفا يكشف، بكل شفافية وحرفية وبلا خوف او وجل، عن واحدة من اكبر قضايا الفساد الاداري، لان الجهاز الذي يعمل فيه يفترض من حيث المبدأ ان يقض مضاجع الفاسدين لا ان يتركهم ينامون على حرير... ويفترض في مسؤوليه ان يستجيبوا لتوصيات الخبراء فيه لا ان يعملوا بعكسها.
مرة اخرى، لم أتشرف بالتعرف على احسان ابراهيم. لم ار له صورة في صحيفة. لم اقرأ له تصريحا. لكنه اثبت انه مواطن فوق الانتماء القبلي والطائفي والمناطقي، وفوق الوظيفة، وفوق السجالات الرخيصة والفرقعات الاعلامية الظرفية، وفوق التسويات والصفقات والخوف على المنصب، وفوق المصالح الخاصة والشخصية... لكنه تحت القانون وتحت خيمة الكويت.
احسان ابراهيم لم يعتمد سوى القضاء مظلة له، فإما ان تفتح له السلطات المعنية ابواب التقدم كي نكرس نهجا جديدا في الشفافية الادارية والحرب على الفساد ونشجع آخرين على الاقتداء به، واما ان يتحول الى «كبش فداء» في اطار التسويات والصفقات ويحبط آخرين عن السير في طريقه.
الرجل هداه الله واختار طريقه... متى يهدي الله الحكومة فتختار طريقها؟


جاسم بودي
 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي