يمر علينا في حياتنا معلمون ننهل منهم أموراً بأبعادٍ جديدة تتجاوز التخصص لتصل إلى صفاء العلم والتمكّن، غزارة الخُلق وحسن التربية، رقي التعليم وسموه، تدرك -من خلال الاحتكاك بتلك النماذج- على المستويين الوجداني والعقلي معنى كلمة معلم، أن نرى بأعيننا نهاية الجدّ، بذل الجهد، صدق الوعد، فذلك يغرس بالمتعلم بذرة العطاء ويحملها على أكف النماء.
إن المعلمين كُثر يمرون بنا بجميع مراحلنا الدراسية لكن من أكتب عنهم اليوم قلة نخبوية نادرة جداً، مازالت ذكراهم في العقول متربعةً تأبى التنحي أو التخلي، إنهم أصحاب بصمة واضحة في تكوين شخصياتنا وصياغة قناعاتنا وتنمية ذواتنا، منهم تعلمنا المعنى الأعمق للعملية التعليمية التي تتخطى دور التلقين الذي يمارسه المعلمون التقليديون، تعلمت من أولئك -ضاعَف الله أجورهم - أن التعليم عطاء تلو عطاء، أن المعلم لا بد أن يدرك أنه مُربٍ في محل قدوة وتلك مسؤولية عظيمة تتطلب الوعي، تعلمت أن الإرشاد والنقد والتوجيه فنٌ راقٍ يقوم على صدق نية المعلم المربي في تقويم المتعلم لا على النقد من أجل النقد وكفى!
تعلمت أن مهنة التعليم تعني تحفيز المتعلم ودفعه بحنان كما أنها لا تقتضي القسوة والعنف بالضرورة، ما أجمل الحزم بحب وما أرقى نتائجه، أكثر ما استمتعت في تعلّمه أن للمتعلم حالات تتباين معها التعاملات، والمربي الفطن هو من يعطي جرعة الدواء المناسبة بالقدر المناسب للموقف وللمتعلّم، في كل مرة كنت أزورهم فيها أخرج بابتسامة تملأ وجهي بإشراق، مستمتعةً بإضافة عميقة، خبرة مُختزلة، ومعلومة جديدة.
ومن هنا أقول، حقَّ للمعلّم المربي أن يبرّه المتعلم، وخير بر الدعاء، ومن أعطى دعوة خالصة في ظهر الغيب فقد أجزل العطاء، برّوهم بالشكر الدائم، التواصل المستمر، إرجاع الفضل إليهم، اذكرهم بالخير، وغيرها الكثير فأوْجه البر عديدة.
مقال اليوم وقفةٌ في حق المربين الأفاضل، من يعلّمون فيخلصون ويعطون فيجزلون، وهو دعوةٌ لكل معلم جديداً كان أو عريقاً بأن يستشعر أنه صاحب أشرف مهنة وأَنْفَس لقب، كيف لا وأنت من قال فيك صلى الله عليه وسلم «إن الله وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلُّون على معلِّم الناس الخير»، هذه مكانتك فاستثمرها، واهْتَم بأن تغرس أثراً طيباً في نفوس المتعلمين لتحصد برّهم.
A.alawadhi-85@hotmail.com
Twitter: @3ysha_85