رأي «الراي» / لا تغامروا بالقطاع النفطي

تصغير
تكبير
من يتابع أوضاع القطاع النفطي منذ سنوات وحتى اليوم يلحظ كمية كبيرة من اللا مسؤولية في التعامل مع ملف هو شريان حياة الكويت والكويتيين. النفط ليس وزارة ولا شركة ولامؤسسة ولا مجالس إدارات. النفط ليس مثل أيّ قطاع آخر في الدولة مهما بلغت أهميته بل يمكن القول إن الدولة حالياً بلا نفط ليست دولة وإن المجتمع الكويتي بلا نفط لن يكون هو نفسه المجتمع الحالي.

حذّرنا مراراً من أن سوء الإدارة في التعامل مع هذا القطاع مقارنة بالأولويات التي تبديها الدول المنتجة للنفط له سيؤدي ليس إلى فوضى فحسب بل إلى ما هو أبعد منها... إلى تدمير ممنهج تحت مظلة التسييس والصراع على النفوذ والصلاحيات، وإذا كانت بعض السلوكيات غير مبرّرة حتى في أيام الوفرة النفطية وصعود الأسعار فإنها تصبح نوعاً من التواطؤ على البلد وحاضره ومستقبله في ضوء الانهيار المريع للأسعار وانخفاض المداخيل وعواصف الأزمات المالية العالمية.


والأهم من ذلك كله أن النفط ليس حقلاً للتجارب تقيس به الحكومة قدراتها ويقيس به القياديون في القطاع قدراتهم. هو ليس قسيمة زراعية أو صناعية يدور حول توزيعها لغط، وليس طريقاً يشق ثم يتوقف العمل به نظراً لظهور موانع طبيعية وبيئية خلال التنفيذ، وليس جسراً موقتاً أزيل بعد عقد أو عقدين، وليس مناقصة ملعب أو مطار أو مدرسة تتوقف هنا وتمشي هناك، وليس مستشفى نقيس أهليته لاستقبال المواطن والمقيم أو لاستقبال المواطن فحسب، وليس حزاماً أخضر نصرف عليه لسنين لتجميل العاصمة وتنقية هوائها ثم نغزوه بالأسمنت المسلح والأبنية والإنشاءات، وليس واجهة بحرية نغير قرارات استغلالها والانتفاع بها حسب الظروف، وليس جامعة نبدأ ببنائها اليوم ثم نكمل البناء بعد عشرين سنة ثم نوقف البناء سنوات لحل معضلة مثل منع الاختلاط...

النفط اليوم هو مسألة موت أو حياة للدولة واقتصادها ومشاريعها، هو الأرضية الحاضنة لكل ما ذكرناه سابقاً، فلن يضرب مسمار في بناء ولن يحفر طريق ولن تفرز قسائم ولن تبنى جامعات ومدارس ومستشفيات ولن تزرع حدائق ولن تدفع رواتب إلا باستمرار تدفق الذهب الأسود في أوردة باطن الأرض وبالتالي أوردة الدورة المالية والاقتصادية فوقها، وبالتالي يرى الكويتيون أن العناية التي يجب أن تولى له ليست بالكفاءة المطلوبة أو الجدّية المأمولة.

لن نتحدث عن السابق. عن الماضي الذي أدخل فيه قطاع النفط دائرة التجاذبات السياسية بين الحكومة والمجلس، الأمر الذي أدى إلى تجميد الكثير من المشاريع من حقول الشمال إلى تطوير المصافي ودفع الكويتيون ثمن هذا التجميد من حصتهم الإنتاجية وبالتالي من الصناعات الموازية التي كان يمكن أن تبنى على المشتقات. لن نتحدث عن السابق وكيف وصلنا إلى مراحل تعاطت فيها السلطتان مع مشاريع النفط العملاقة مثلما تتعاطى مع قضايا التوظيف والخدمات الانتخابية، بحيث تم تسهيل معاملات نواب صوتوا لمصلحة المشاريع فيما صوّت آخرون ضدها فقط لأن «اللامانع» الخاص بهم كان دون المستوى... هكذا كانت تدار الأمور للأسف ومع ذلك لنتكلم عن الحاضر.

اليوم ليس سراً أن الوزير الذي يحمل حقيبة النفط ليس على وئام واتفاق مع رئيس وأعضاء مؤسسة البترول وعدد كبير من رؤساء ومديري الشركات النفطية، ومنذ اليوم الأول وهو يحاول ممارسة ما يعتبر أنها صلاحياته بالتنقلات بتغطية من «الفتوى والتشريع» وتكوين فريق جديد ينسجم مع رؤيته وخططه، كما أنه ليس سراً أن قياديي مؤسسة البترول والشركات ليسوا على وئام واتفاق مع الوزير ويعتبرون أن التنقلات والتغييرات ليست حقاً مطلقاً له بموجب الأنظمة واللوائح حتى ولو حصل على غطاء «استشاري» من «الفتوى والتشريع»، وأن استقلالية المؤسسة والشركات يجب أن تكون مُصانة تحقيقاً للاستقرار وبالتالي الإنجاز... وبين الفريقين وصراعاتهما خرج الكثير مما يجب ألا يخرج الى العلن وما كان يليق بهذا القطاع ان ينتقل التراشق الى وسائل الاعلام، وتجمّد الكثير من المشاريع، بل أكملت التطورات لوحة السواد من خلال هبوط أسعار النفط وتوقف حقول الخفجي والوفرة والخلافات مع الجانب السعودي الأمر الذي أفقدنا 9 في المئة من إنتاجنا النفطي أي نحو 250 ألف برميل يومياً بما قيمته 5.5 مليار دولار سنوياً.

سئم الكويتيون من تبريرات كل طرف مهما كانت مُدعّمة بالوثائق وبنود النظم واللوائح، وهم يتطلعون اليوم إلى قرار حاسم هذه المرة يعيد للقطاع النفطي توازنه وانسجامه وقدرته على المبادرة والعمل. فرهن الأمور لهذه التجاذبات لم يعد مقبولاً، والكويتيون لا بد أن تكون لهم كلمتهم رفضاً للمغامرة أو... المقامرة بمستقبلهم.

«الراي»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي