ليس سهلاً البتة أن تتخذ قرار خسران شخص في حياتك، وإسقاطه من قائمة أحبابك إخراجاً له من دائرة الاهتمام الشخصي، ليصبح بعدها شخصاً عادياً بل أقل من ذلك، عندها يكون السلام جُل الحديث بينكما والابتسامة المصاحبة له هي المشاعر المشتركة وفقط!
إن أسمى معاني الرقي تتجسد بمبدأ إعطاء الفرص والتجاوز عن الخطأ في علاقةٍ ما، لكن -من وجهة نظري- يفقد هذا المفهوم مضمونه حال كان الطرف الآخر عاجزاً عن فهم هذا النوع من الرّقي لمشكلةٍ ما ربما تكون في طريقة تفكيره أو تكوين شخصيته أو ربما في ماضيه وتاريخه الشخصي وخلافه، تجده ينحى في تفسيره لذلك الرقي منحى النظرة الدونية للآخر فيسمه بالضعف والخضوع لأحبابه! مبتعداً عن جادة الصواب التي مفادها أن التحمّل والتجاوز والتقبّل إنما كان قراراً واختياراً بإدراكٍ ووعيٍ وقوّة، نابع من حب ويعبّر عن حب، يرفض الخسارة بل يلغيها تماماً آنذاك، عندما يبذل أحدنا مجهوداً نفسياً ضخماً وخفياً للتعامل مع ضغوطات الطرف الآخر الذي يحبه فهو لا ينتظر منه تفسيراً سطحياً يرى من خلاله ظواهر الأمور والتصرفات يشوبه عجزٌ واضح تجاه سبر أغوار الأحداث ليصل إلى حقيقتها وجوهرها.
إنه بالمقارنة، لا يبذل أدنى مجهود عقلي موجّه ليعرف كم هو قوي ذلك الإنسان الذي تحمله دون أن يُحدِث المشاكل المُتوقعة الحدوث! كم هو راقٍ هذا الشخص الذي طالما قابل السّفاهة بابتسامة وتقبل واضعاً اعتبارات العلاقة والسن والحب بعين الاعتبار! كم هو رحب الصدر وواسع القلب لأنه لا يراكِم الأحقاد والضغائن بل يفرّغها أولاً بأول!.. في علاقةٍ كهذه طالت أعواماً وأعواماً وأعواماً.. كان أحد طرفيها راقياً جداً لدرجةٍ حالت دون إدراك الطرف الآخر لهذا الرقي، فكان ألم الفهم السطحي الخاطئ كالسهم أصاب قلب العلاقة فكانت.. الخسارة!
ربما لا يكون معنى خسارة العلاقة هنا انقطاعها، وإنما جاء القرار بتسطيحها أكثر وأكثر، حفظاً للودّ إن كان للودّ بقيّة، وتجنباً لآلامٍ أكبر، وإقراراً بمبدأ اختلاف الأفهام، وحفظاً لكرامة النّفس ممن لا يفهمها!