حوار / أكد أن دعوته لزيارة البلاد سبقت قضية «خلية العبدلي» بفترة طويلة

المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم لـ «الراي»: كل ما يمسّ بأمن الكويت يمسّ بأمننا

تصغير
تكبير
• لبنان سبق العالم برمّته للوقوف إلى جانب الكويت بعد غزو صدام حسين البغيض لأراضيها

• منذ استقلالها إلى اليوم... لم تترك الكويت مساعدة ممكنة إلا وقدّمتها للبنان

•الكويتيون الذين يزورون لبنان ليسوا ضيوفاً بل إخوة يتقاسمون معنا حُلو الأيام ومُرّها

• حماية الكويتيين وأمنهم واجبنا تماماً كما هو واجبنا حماية اللبنانيين

• القيادة الحكيمة لأمير الإنسانية وبراعة الأجهزة الكويتية والردّ الشعبي أجهضت المؤامرة المرعبة بتفجير مسجد الصادق

• سأعمل على تبديد مخاوف السلطات الكويتية من خلال الإضاءة على الوضع الأمني الآمن في لبنان

• ليس هناك هجرة غير شرعية مصدرها لبنان... فنحن ضحية للهجرة ولسنا مسبّباً لها

• توقيف «الداعشيين» الذين اخترقوا الحِراك المدني هو لحماية هذا الحِراك... وليست لنا أي أجندة سياسية نُسخِّر الأمن تحقيقاً لها

• لا نتّهم أحداً بالوقوف وراء الحِراك لا انطلاقاً مما يقومون به ولا من السيرة الذاتية لرموزه

• أخاطب اللبنانيين عبر لبنانيّتهم وهذا ما يقصّر المسافات بيني وبين الجميع

• الدخول الروسي المباشر على خط الأزمة السورية سيكون له تأثير كبير على رسْم معالم المنطقة وليس على سورية فحسب

زيارتي للكويت تشريف لي ومستعدّون لمناقشة كل المواضيع يندر وجود منطقة في لبنان لم تستفد من هبات أو تقديمات كويتية

• الأمن العام اللبناني أوجد نظرية «الأمن الاستباقي الوقائي» وهو القدرة على منْع العمل الإرهابي قبل وقوعه

• بين النازحين مَن كان يقاتل في سورية وينتمي إلى تنظيمات إرهابية واستمر بمزاولة نشاطه انطلاقاً من الأراضي اللبنانية أو داخلها

• لم يسبق لأي دولة على مرّ القرون أن تحمّلت نازحين بالقدر الذي فعله لبنان قياساً إلى جغرافيته وديموغرافيته

• مخيّمات النازحين بمثابة قرى ومدن نشأت فجأة وفي لحظة إنسانية من دون أن يكون بداخلها أي نقاط أو مراكز أمنية

• إرهابيون تسلّلوا إلى مخيّمات النازحين وأنشأوا خلايا إرهابية لكننا نجحنا في مداهمتها وتفكيكها واعتقال أفرادها

• توقيف أحمد الأسير جاء نتيجة جهد للأمن العام الذي تابع عبر خلية خاصة وخلال سنتين تفاصيل حياته وحركته

• الأسير لجأ قبل شهر من القبض عليه إلى مناورة وخديعة لكننا استدرجناه بهدوء حتى صار غير قادر على الإتيان بأي حركة كي لا يهدّد سلامة أحد

• مشكورة الدول التي ساعدت في ملف العسكريين المخطوفين وهي تستمرّ بما تستطيع لمُعاوَنَتِنا على إنهائه

• قدّمنا في الدوحة عروضاً نأمل أن تدفع الأمور إلى الأمام وما زلنا ننتظر أجوبة «النصرة» عبر الإخوة القطريين

• حجر العثرة الفعلي في عدم إنهاء قضية العسكريين المخطوفين هو عدم جهوزية الخاطفين
يشكّل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم علامة فارقة في الواقع اللبناني الصعب. فرجل «الأمن السياسي» الأول في البلاد يكاد يكون من علامات «الإجماع» النادرة في وطنٍ ينقسم حول أيّ شيء وكل شيء. وليس مبالغة ان هذا الجنرال الآتي من العسكر والاستخبارات نجح في تشكيل «وفاق وطني» حول شخصه ودوره في لحظةِ تَصدُّعٍ لبناني لا سابق له، أطاح بالرئاسة الأولى وعطّل البرلمان وتسبّب بموتٍ سريري للحكومة، وجعل من ملفات خدماتية كالنفايات والكهرباء «كوابيس وطنية» تهدّد العباد والبلاد بكوارث فعلية.

كثيرةٌ هي الصفات الشخصية والمهنية التي مكّنت اللواء ابراهيم من تصويب صورة «الأمن العام» ودوره كجهازٍ إداري - أمني، ومن تحقيق إنجازات مشهود لها في مدة لا تتجاوز الأربعة أعوام. فهو يقدّم وطنيّته اللبنانية على ما عداها، يتقن فنّ مدّ الجسور واختصار المسافات، يحترم الفسيفساء الطائفية والسياسية، يزاوج بين المرقّط الجريء والدماثة ولياقاتها، كتومٌ ومقلّ في الكلام، ابنٌ وفيّ لدولةٍ تتزايد مظاهر مغادرتها والغدْر بها، ملمّ بالداخل ويملك قدرة التفاهم مع الخارج، مفاوضٌ ناجح ومقاوِم بقفازات حريرية، لا أجندة سياسية خاصه به، في زمنِ تَناحُر الأجندات من حوله، لا يخاصم أحداً من المتخاصمين وما من أحد يجاهر بخصومته.


هذه المفارقات في شخصية ابراهيم، الجنوبي، يوم كانت كل الجهات الجنوب، هي بنت سيرةٍ ذاتية غنية برمزيتها، ودلالاتها... بدأها في العام 1980 عشية الاجتياح الاسرائيلي، يوم عانَد عائلته بالالتحاق بالجيش رغم استشهاد شقيقه (المجنّد) محمد، ثم قاتَل هذا «المجوقل» بلا أوامر أحياناً. تولّى الأمن الشخصي لمهنْدس اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان، مبعوث الجامعة العربية الأخضر الابراهيمي، وكان مسؤولاً عن حماية الرئيس الراحل الياس الهراوي، كما تولّى مسؤولية الأمن الشخصي للرئيس الراحل رفيق الحريري إبّان أوّل حكومة له، وأنيطت به مهمة الحماية الأمنية للبابا الراحل يوحنا بولس الثاني خلال زيارته للبنان.

واحتلّ اللواء ابراهيم مواقع مهمة خلال تجربته العسكرية، ولا سيما في مكافحة الإرهاب والتجسس، وفي جهاز استخبارات الجيش، وهو ما أتاح له لعب أدوارٍ حساسة في إدارة ملفات شائكة ودقيقة كالملف الفلسطيني وانتشار الجيش في الجنوب بعد حرب يوليو 2006، ومكافحة الإرهاب ومعالجة ذيول أحداث 7 مايو 2008 (العملية العسكرية لحزب الله في بيروت وبعض الجبل)... وكل ذلك قبل تَسلُّمه المديرية العامة للامن العام قبل أربعة أعوام.

هذا الضابط الذي صار «مديراً»، أنقذ في العام 1983 جنوداً من المارينز الأميركيين حوصروا في الضاحية الجنوبية لبيروت. حاز على تنويهٍ من العماد ميشال عون حين كان قائداً للجيش على «شجاعته في مقاومة اسرائيل»، يَطْمَئنّ اليه «حزب الله» الخائف والمخيف، ويعرفه الحريريون عن كثب منذ أن أؤتمن يوماً على حياة رفيق الحريري، ويشيد الجميع على مقلبيْ «8 و 14 آذار» بأدائه على رأس جهاز الامن العام.

ورغم أن الأضواء لا تستهويه، فإن الأدوار التي يضطلع بها تجعله تحت الأضواء... من ملف التفاوض لإطلاق راهبات معلولا، الى التفاوض لفك أسْر العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى «داعش» و«النصرة»، مروراً باستعادة مخطوفي أعزاز، ووصولاً الى الحرب الدائمة في مكافحة الإرهاب وتفكيك الشبكات، ولعل الأكثر إثارة فيها كان أخيراً سقوط الشيخ أحمد الأسير في قبضة الأمن العام.

«الراي» التقت اللواء عباس ابراهيم في بيروت قبيل بدء زيارته البالغة الأهمية للكويت أمس، وأجرت معه الحوار الاتي:

* ما القضايا التي سيصار الى مناقشتها مع المسؤولين الكويتيين خلال زيارتكم، وتالياً كيف يمكن وصْف العلاقة على المستوى الأمني مع دولة الكويت؟

- زيارتي لدولة الكويت الشقيقة هي تشريف لي. وهي بناء لدعوة من المسؤولين الكويتيين. وآداب الضيافة تقتضي ان يحدد أصحاب الدعوة المواضيع والمسائل الواجب البحث فيها مع المدعوين عادة. وهذا الأمر متروك للأشقاء في الكويت، ونحن من جهتنا على استعداد لمناقشة كل المواضيع المنوي طرْحها. وطبيعة عملي هي التي تفرض نقاط البحث بشكل طبيعي.

أما في ما يتعلق بالشق الثاني من السؤال - ووصْفنا للعلاقات الأمنية مع الأخوة في دولة الكويت - فأستطيع القول اننا في العالم العربي والاسلامي كلنا في مركب واحد ونحن كالجسد الواحد، إن تداعى فيه طرف تداعت له بقية الاطراف، ومن هنا كان للعلاقات ان تكون أكثر من ممتازة وأن يكون التنسيق على أعلى مستوى من الفعالية درءاً للخطر المحدق بنا. ومن دون هذا التنسيق سيتمكن المتربّصون من الايقاع بنا دولة بعد اخرى وستعمّ الفوضى عالمنا. ما أريد قوله هو اننا معاً نواجه وسنبقى نواجه كل ما يهدّدنا من مخاطر، ومن خلال كلمة مواجهة والقرار بالمواجهة المشتركة نستطيع ان نقيس حجم التنسيق القائم بيننا.

ان ما يجمع لبنان ودولة الكويت يتجاوز التحديد، فهي علاقات مفتوحة منذ كانت الدولتان، ولبنان كان اول مَن سبق العالم برمّته للوقوف الى جانبها بعد غزو صدام حسين البغيض لأراضيها، وهي منذ استقلالها الى اليوم لم تترك مساعدة ممكنة وعلى كل الصعد إلا وقدّمتها، حتى يندر وجود منطقة في لبنان لم تستفد من هبات او تقديمات او منح كويتية. كما ان اللبنانيين كانوا اول مَن وقف إلى جانب شعب الكويت في نهضته العمرانية والإنمائية.

• صدر اتهام واضح من السلطات الكويتية لـ «حزب الله» بالضلوع في قضية «خلية العبدلي» الإرهابية، هل تمّ التواصل معكم في هذا الشأن، وهل لزيارتكم علاقة بمتابعة هذا الملف؟

- في الحقيقة، ان دعوتي لزيارة الأشقاء في دولة الكويت سبقت هذه القضية بفترة طويلة. وكما سبق وقلت، يعود للسلطات الكويتية الشقيقة تحديد نقاط البحث، ولكنني أقول إن كل ما يمسّ أمن الكويت الشقيق يمس أمن لبنان والعكس صحيح.

وهنا أتقدّم من دولة الكويت قيادةً وشعباً وفي مقدّمهم أمير الانسانية أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بأحرّ وأصدق التعازي وأنبلها بإزاء الجريمة الوحشية الإرهابية التي استهدفت مسجد (الإمام الصادق) وكانت ترمي إلى زرْع الفتنة الأهلية وزعزعة الاستقرار في محاولة لجعل الكويت دولة فاشلة او متشابهة مع ما يحصل في دول الجوار، لكن القيادة الحكيمة وبراعة الأجهزة الأمنية هناك، مضافاً اليها الردّ الشعبي العارم والحاسم «أنا كويتي»، أجهضت المؤامرة المرعبة.

• تواظب الكويت على حضّ رعاياها على مغادرة لبنان وعدم السفر إليه. كيف تقاربون هذا القلق وهل تَحْملون في زيارتكم ما يمكن ان يبدّد تلك المخاوف وهي خليجية عموماً؟

- الأخوة الكويتيون الذين يزورون لبنان ليسوا ضيوفاً، ونحن لا ننظر اليهم هذه النظرة على الإطلاق. بل هم إخوة لنا يتقاسمون معنا حُلو الأيام كما مُرّها. وحمايتهم وأمنهم واجبنا تماماً كما هو واجبنا حماية اللبنانيين، هذا ما أقوله للاخوة في الكويت والذين لا يحتاجون الى دعوات للحضور الى لبنان ولا الى كلمات ترحيب، فكما قلتُ هذه ديارهم وهنا أهلهم. أما ما تتخذه سلطات الكويت من قرارات، فهذا شأن كويتي له علاقة بتقويم هذه السلطات لحفظ أمن مواطنيها. لكنني بالطبع سأعمل على تبديد هذه المخاوف من خلال الاضاءة على الوضع الأمني في لبنان ومن خلال تظهير الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية اللبنانية للحفاظ على الأمن. والتقويم العملاني يحسم بأن الوضع الأمني في لبنان جيّد قياساً على ما يجري في دول المنطقة من دون استثناء. ونحن نتفهّم جيداً قلق الكويت على رعاياها وهو ليس موجهاً ضد لبنان، وهذا القلق ينبع من مسؤولية الدولة تجاه رعاياها، لكن ما أودّ التأكيد عليه هو ان لبنان بلد آمن وفي مختلف المناطق.

• شكّلت زيارتكم للفاتيكان واستقبالكم من البابا فرنسيس حدَثاً لافتاً... ماذا عن تلك الزيارة ونتائجها؟

- الفاتيكان دولة ويتبع لها روحياً أكثر من مليار مؤمن في العالم وهي حريصة على هؤلاء، وتالياً فإنها معنيّة بأوضاع مسيحيي الشرق، ومن بينهم مسيحيو لبنان. ونحن أقمنا علاقات أمنية - انسانية مع دولة الفاتيكان على مدى الأعوام الأربعة الماضية وهي على دراية ومعرفة بالنشاطات التي نقوم بها على المستوييْن الوطني والانساني، بعيداً عن أيّ معايير فئوية او طائفية.

وفي حقيقة الأمر، فإن استقبالنا من البابا هو تكريم لنا نتيجة الجهود التي نقوم بها كمؤسسة، وفي اللقاء تحدّث قداسة البابا عن لبنان الذي هو في ضميره، ونحن تمنّينا عليه المساعدة لِما للفاتيكان من دور كبير ومؤثّر في المحافل الدولية.

• تضطلع المديرية العامة للأمن العام بأدوار أمنية وسياسية بارزة وفي مقدّمها مكافحة الإرهاب التي صارت أولوية دولية. هل يمكن القول ان لبنان أصبح أكثر اطمئناناً في ضوء الإنجازات التي تَحققت على هذا المستوى؟

- ان ما تقوم به المديرية العامة للأمن العام من أدوار وعلى كل المستويات ليس سوى تطبيق للقانون الذي ينصّ على السماح لهذه المديرية، ومن ضمن صلاحياتها القانونية، بالقيام بهذه المهمات وفي مقدمتها التصدّي لكل ما يمكن ان يمس بأمن لبنان واللبنانيين. وقد حققت المديرية العامة للأمن العام الكثير من الإنجازات على مدى الأعوام الأربعة المنصرمة. وهذه الإنجازات أتاحت للبنان واللبنانيين ان يشعروا بأنهم أكثر أماناً واستقراراً. وهنا لا بد من الإشارة الى ان الأمن العام اللبناني أوجد نظرية «الأمن الاستباقي الوقائي» وهو القدرة على منع العمل الارهابي قبل وقوعه. وما إلقاء القبض على بعض الشبكات التي كانت تخطط للقيام بأعمال إرهابية قبل تنفيذها إلا خير دليل على ذلك، ولن أعدد وأتكلم عن تلك العمليات التي أصبحت بجزء كبير منها معروفة ومتداوَلة لدى الرأي العام.

• انطلاقاً من طبيعة الشبكات الإرهابية التي جرى تفكيكها او إلقاء القبض على الرؤوس المدبّرة فيها، أيّ مستوى من الخطر كان يتربّص بلبنان وأيّ صيد كان الأثمن في سياق المجموعات التي وقعتْ في شِباككم؟

- لبنان كجميع دول المنطقة عرضة للمؤامرات والمكائد التي تريد النيل من أمنه واستقراره وصولاً الى إغراقه بالفوضى من خلال الأعمال الإرهابية التي كانت تنوي هذه الشبكات القيام بها، وقد وفّقنا الله بأن نضع حداً للكثير من هذه المكائد، ونحن هنا لا ندّعي اننا قمنا بواجبنا كاملاً بل هناك الكثير من التحديات التي تنتظرنا في مواجهة هؤلاء الارهابيين. ونحن على أتمّ الاستعداد والجهوزية للقيام بما يُطلب ويتوجب علينا مهما بلغت التضحيات.

وفي المعايير الأمنية ليس هناك من صيد ثمين وآخر أقلّ ثمناً في عالمنا، «فالارهاب هو الإرهاب» وكل مَن وما يَتهدّد أمننا وننجح بالتصدي له هو صيد ثمين بالنسبة لنا. في الإعلام قد يبدو هذا الصيد أهمّ من ذاك، لكن في الأمن الأمر يختلف كلياً لان ما من صيد إلا وثمين ونتاجٌ لحرصٍ وسهر وجهد. كما اننا في الأمن العام نقاتل عدواً مجهولاً يتلطى ويتخفى ويتلوّن مرات ومرات وأحياناً في اليوم عينه، ولذلك فكل مَن لاحقناه او تعقّبناه او نصبنا له فخاً او استدرجناه كلّفنا جهداً استثنائياً ونوعياً ولا يُقدّر إلا بسلامة اللبنانيين وكل مَن يقيم على الأراضي اللبنانية. فالحرب على الإرهاب سواء بالمواجهة المباشرة او بالقدرة النوعية على استباق الإرهابيين مكلفة على كل المستويات، لأن العدو غير معلوم الإقامة. نحن لا نحارب دولاً بل أفراداً وجماعات تنتشر بين أربعة ملايين لبناني، ونصف هذا التعداد من النازحين واللاجئين السوريين والفلسطينيين.

• ما الذي يتيح في رأيكم تحقيق إنجازات أمنية مرموقة في لبنان ولا سيما في مجال مكافحة الإرهاب رغم تقهقر الحال السياسية الناجم عن الفراغ الرئاسي المتمادي وتعطيل البرلمان وتَعثُّر عمل الحكومة، اضافة الى اشتداد الحرائق من حول لبنان؟

- لا شك ان الحياة السياسية في لبنان صعبة وشائكة، ولا شك ان لدينا في لبنان فائضاً من الحرية مرده الى التركيبة اللبنانية على كل المستويات. انما هذا الانقسام السياسي والتعثر القائم، يَتبدّد عندما يواجه اللبنانيون اي خطر يَتهدد المصير. فهناك إجماع سياسي ووطني شعبي على عمل الأجهزة الأمنية في لبنان. وهناك تشخيص موحّد من جميع اللبنانيين بكل أطيافهم للمخاطر التي تواجه لبنان الوطن. لذا فإن التفاف الشعب اللبناني حول أجهزته العسكرية والأمنية انطلاقاً من وحدة الرؤية للمخاطر التي تهدد هذا الشعب، هذه العوامل، اي وحدة الرؤية والإجماع، هي التي تسمح لنا بتحقيق الإنجازات التي ذكرتم. كما ان الإنجازات الأمنية تَحققت لأسباب عديدة وكثيرة، أوّلها قرار القيادات الأمنية والعسكرية النأي بنفسها عن كل الضجيج السياسي الداخلي. فعلى مستوى المديرية العامة للأمن العام وضعتُ بعد تسلمي مهماتي خطة تنقسم الى شقين مرحلي واستراتيجي، وفي الحالين بعيداً عن التشنج السياسي الداخلي. والى الآن تجاوزنا ما كنا قد حددناه من أهداف على المستوييْن الإداري والأمني. فنحن نقلنا المديرية العامة للأمن العام من مؤسسة الوطن الى مؤسسة في كل الوطن ومن هنا كانت المبادرة الى إقامة دوائر ومكاتب اقليمية تغطي لبنان كله وتوفّر للسائحين أرقى الخدمات الإدارية والأمنية وبوقت قياسي، وهذا ما شهد به الأبعدون قبل الأقربين. كما ان اللبنانيين وعبر قواهم السياسية وأطرهم المدنية والاجتماعية والثقافية، يتقاطعون عند نقطة الأمن وسلامة وطنهم الخارجية والداخلية. والكل يعرف ان ايّ مؤسسة عسكرية او أمنية لم تتأثر مثقال ذرة بالانقسام السياسي العام.

• حرصتم على القول إن عملية توقيف الشيخ أحمد الأسير كانت «لبنانية مئة بالمئة». ما دلالات سقوطه غير المتوقَّع وأيّ خلاصات أَمْكن استنتاجها من «صندوقه الأسود»؟

- عملية أحمد الأسير كانت لبنانية مئة بالمئة، وعندما قلتُ ذلك كنتُ أعني ما اقول. فهذه العملية لم تكن نتاجاً لتبادُل معلومات مع أي أجهزة أخرى. وهي نتيجة جهد لجهاز الأمن العام اللبناني الذي تابع من خلال خلية خاصة، وعلى مدى سنتين تفاصيل حياة وحركة أحمد الاسير وصولاً الى إلقاء القبض عليه. وقد أصبح الملف الآن في عهدة القضاء اللبناني بصندوقه الأسود كله، ولم تزل الى اليوم الأجهزة الأمنية اللبنانية تقطف ثمار توقيف هذا الارهابي، وتقوم بالمداهمات والتوقيفات والمصادرات استناداً الى اعترافاته.

ولا أوافق الرأي القائل بـ «سقوطه غير المتوقع» لأن وقوعه بيد الأمن كان نتيجة مؤكدة بالنسبة لنا منذ ان صار مطلوباً للعدالة بجرائم عدة هدّدت السلم الاهلي والأمن الداخلي واستهدفت الجيش. وهو لم يسقط جراء خطأ أو هفوة بل نتيجة عمل مضن على المستويات الاستخبارية والأمنية وفي مناطق كثيرة ومتباعدة داخل لبنان، وسيأتي يوم نكشف فيه للرأي العام الحرفية الأمنية التي أدرنا بها العملية. وهنا أخص جريدة «الراي» بالقول إن الاسير وقبل شهر من القبض عليه، لجأ الى مناورة وخديعة ظنّ انهما انطلتا على الأمن العام وتوهّم اننا بلعنا الطعم، لكن في الواقع استدرجناه بهدوء وروية حتى صار غير قادر على الإتيان بأي حركة كي لا يهدد سلامة أحد، ولم نعلن عن اصطياده الا بعدما صار حيث يجب ان يكون وأدلى باعترافات أولية مكّنتنا ايضاً من إحباط وإلقاء القبض على إرهابيين مطلوبين وفارين. وبهذا المعنى كانت العملية لبنانية مئة بالمئة وكذلك وقوعه في أيدي رجال الامن العام. ولو كان هناك مَن ساعدنا لكنا شكرناه علناً وكذلك لكنا سألنا لماذا لم يتم مساعدتنا من قبل. ومهما نسجت بعض المخيلات المصابة بهوس «التآمر» فإنني حريص جداً على الاكتفاء بما اعلنتُه وعلى عدم الافصاح عن الآليات والمهارات التي أسقطته بين أيدينا، وهو الآن في عهدة القضاء.

• من الملفات الشائكة التي لم تتكلل بالنجاح بعد، ملف العسكريين المخطوفين. لماذا لم يصل الى خواتيمه السعيدة رغم مرور نحو 14 شهراً على خطْف العسكريين، وأيّ تعقيدات تحول دون إنجاز هذا الملف؟

- علّمتنا التجربة ان الصبر وطول الأناة والسرية في العمل هي مفاتيح النجاح في مثل هذه العمليات، وان عمليات مشابهة استغرقت أكثر من هذا الوقت حتى وصلت الى خواتيمها. أما حول التعقيدات، فيمكنني القول ان المسؤولية هنا لا تقع على الدولة اللبنانية بل على الأطراف الخاطفة التي لها ظروفها الخاصة والتي تستثمر هذا الملف وفقاً لأجندة خاصة بها.

• رغم انكم تحرصون على التكتم في تَناوُل عملية التفاوض، لكن تارةً يقال ان التعثّر سببه التردّد اللبناني حيال حجم المقايضة، وتارة أخرى ان المراوحة مردّها الى التراخي في المواكبة القطرية، وأحياناً يشار الى عثرات تركية، وأحياناً أخرى يجري الحديث عن عدم جهوزية الأطراف الخاطفة. ما حجر العثرة الفعلي؟

- سبق وقلت ان الدولة اللبنانية أعلنتْ قبولها بمبدأ المقايضة في عملية التفاوض، وهذا يثبت ان الدولة اللبنانية لم تقصّر ولم تترك مجالاً او باباً لاستعادة العسكريين إلا وطرقته وأقدمت عليه من دون تردد، وأقول ذلك من موقع العالِم بخفايا الأمور في هذا الملف.

ان الدول التي تساعد وساعدت في هذا الملف مشكورة في ما قامت وتقوم به، وهنا أشدّد على انها تستمر بما تستطيع لمساعدتنا على إنهاء الملف، لكن عدم جهوزية الخاطفين كما سبق وقلت هو ما يحول دون إتمام هذه القضية، وهنا يكمن حجر العثرة الفعلي، لكن الأمور لم تنته بعد. ونحن في زيارتنا الأخيرة الى الدوحة قدّمنا عروضاً وطرحنا مخارج اضافية نأمل ان تدفع الأمور الى الأمام، انما ما زلنا ننتظر أجوبة الخاطفين من «جبهة النصرة» عبر الإخوة القطريين.

• لماذا لم تشمل التسوية التي أفضت الى هدنة الزبداني - الفوعا - كفريا ملف العسكريين اللبنانيين ما دامت جرت برعاية الأمم المتحدة ونصّت ايضاً على إطلاق معتقلين من السجون السورية؟

- هذا السؤال فيه استدراج للدخول في تفاصيل ملف العسكريين وعلاقته بمعتقلين في السجون السورية، وهنا أتحفظ عن الاجابة حفاظاً على سير الملف.

• يتحمّل لبنان العبء الأكبر من ملفّ النازحين السوريين الذي بات يُقلِق العالم بأسره. أيّ كلفة أمنية يتكبّدها لبنان إزاء هذا «الجيش الجرّار» من النازحين؟

- لا شك ان مسألة النزوح السوري الى لبنان مسألة فاقت بحجمها قدرة لبنان على التحمل، وحمّلت السلطات اللبنانية وعلى رأسها السلطات الأمنية أعباء إضافية على أعبائها، وخصوصاً ان بين هؤلاء النازحين مَن كان يقاتل على الأراضي السورية وينتمي الى تنظيمات إرهابية واستمر بمزاولة نشاطه الإرهابي انطلاقاً من الاراضي اللبنانية او داخل هذه الأراضي. وكل هؤلاء هم موضع متابعة من قبلنا، ولك ان تتخيّل مع هذا الحجم من النازحين - والذي تجاوز أحياناً حدود المليون ونصف مليون نازح - حجم هذه الفاتورة والتحديات في ظل هذا الاختراق الأمني لموضوع انساني وأخوي بهذا الشكل. للأسف لم يُسجل في تاريخ اي دولة وعلى مرّ القرون ان تحمّلت نازحين اليها بالقدر الذي فعله لبنان قياساً الى جغرافيته وديموغرافيته. والى الآن لا نسمع من العالم إلا الإشادة بما فعله لبنان مع اللاجئين، من دون ان يكون هناك اي دعم فعلي يُذكر، ما أنهك البلد على كل المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. اللاجئون استهلكوا البنى التحتية، كما انهم نافسوا الأيدي العاملة اللبنانية في شتى المجالات. كما ان مخيماتهم بمثابة قرى ومدن نشأت فجأة وفي لحظة انسانية من دون ان يكون بداخلها اي نقاط او مراكز أمنية، ناهيك عن تسلل الإرهابيين اليها وإنشاء خلايا إرهابية، لكننا نجحنا والجيش في مداهمتها وتفكيك الشبكات واعتقال أفرادها.

• بعدما تحوّلت هجرة النازحين الى اوروبا «قنبلة» دهمت أكثر من دولة، فُتح ملف تهريب اللاجئين وسط توقعات بأن تكون الدفعات الجديدة من المهاجرين بطريقة غير شرعية مصدرها لبنان. ما الإجراءات التي تتخذونها للحدّ من ظاهرة التهريب ام انه يمكن لهذه «الهجرة» ان تخفف الأعباء عن لبنان؟

- ان موضوع النزوح هو قنبلة موجودة في كل الدول التي طالها النزوح بدءاً من لبنان وصولاً الى آخر أصقاع الارض، وهي ليست قنبلة مختصة بأوروبا او غيرها من البلدان او القارات. خطر النزوح وحجمه ليس له علاقة ببلدان الاستقبال. وهذا ملف مفتوح لدينا منذ اليوم الأول للأزمة السورية، وهنا أستطيع القول كمسؤول عن جهاز الأمن العام المعني بحركة الدخول والخروج الى ومن لبنان ان ليس هناك من هجرة غير شرعية مصدرها لبنان، بل على العكس فلبنان ضحية للهجرة غير المشروعة وليس مسبباً لها. انما لا نستطيع منْع ايّ كان من مغادرة لبنان ما دامت مغادرته تخضع للشروط الواجبة قانوناً، وأكبر دليل انه خلال السنة الماضية أوقفنا اكثر من 1500 شخص حاولوا مغادرة لبنان بأوراق مزوّرة وأحلناهم على القضاء. اذاً ما دامت شروط المغادرة متوافرة لأي شخص، فلا يحق لأي كان منعه من هذه المغادرة، وكل مَن يغادر لبنان يتمتع بهذه الشروط. وليس هناك من هجرة غير شرعية مصدرها لبنان كما قلت. ونحن لا نقصد ابداً ولا نسمح على الاطلاق بأن تكون الهجرة غير الشرعية مدخلا او سببا لتخفيف الأعباء عن لبنان على الإطلاق.

• في هذا السياق، بعد الكشْف عن عملية تزوير «جَماعية» للحصول على جوازات سفر لبنانيّة سمحت لـ 24 شخصاً بالمغادرة الى تركيا والإمارات عبر مطار بيروت ومرفأ طرابلس، هل تمّ كشف هوية الذين استخدموا تلك الجوازات وسبب خروجهم بهذه الطريقة؟

- بالطبع تم كشف هويات هؤلاء، وهم لم يخرجوا بجوازات مزوّرة انما بوقوعات مزوّرة او رسوم شمسية تعود لغير أصحاب الأسماء التي خرجوا بها، ونحن ننسق مع السلطات في الدول المعنية حول هذا الموضوع. وقد أوقف الأمن العام كل الذين اضطلعوا بهذه العمليات وما يشبهها.

• بعدما تزايدتْ عمليات تزوير المستندات للحصول على جواز سفر لبناني، هل من إجراءات على مستوى الوزارات المعنية لتدارُك هذا الخلل؟

- نحن لا نخجل ولا نتردد بالاعلان عن توقيف السلطات المحلية من مخاتير وغيرهم من الذين قاموا بهذه الارتكابات. وبالطبع الوزارات المعنية وعلى رأسها وزارة الداخلية تقوم بجهود جبارة لتَدارُك هذا الخلل.

• كان لافتاً البيان الذي صدر عن الأمن العام وتحدّث عن اختراق «داعشي» للحِراك المدني بهدف إحداث فتنة في البلاد. ما حقيقة هذا الأمر وخصوصاً في ضوء اعتبار البعض ان تلك المعلومات كان الهدف منها ملاقاة محاولات «شيْطنة» هذا الحِراك الذي أربك الأطراف السياسية في لبنان؟

- ان كل بيان يصدر عن المديرية العامة للأمن العام وفيه إعلان عن توقيفات لمرتكبين تكون نتيجة إحالة هؤلاء على القضاء المختص. وان توقيف هؤلاء «الداعشيين» الذين اخترقوا الحِراك بهدف إحداث فتن داخله هو لحماية هذا الحِراك، ونحن ليست لنا اي اجندة سياسية نُسخِّر الامن تحقيقاً لها.

فأنا لا أفهم كيف ان إلقاء القبض على هؤلاء هو لـ«شيْطنة» الحِراك، بينما المنطق يقول ان القبض عليهم هو تنظيف لصفوف الحِراك وحماية له من محاولات اختراقه والبناء عليه من قبل هؤلاء المتطرفين تحقيقاً لاهدافهم الفتنوية. وعلى بعض مَن اعتبر ان الهدف من تلك المعلومات شيْطنة الحِراك ان يفكر قليلاً بالموضوع وبطريقة واقعية ليرى ان استنتاجه خاطئ، اللهم إلا اذا كان يريد من ذلك أهدافاً غير تلك المعلنة من قبله ويريد استدراج الدم في الشارع تحقيقاً لأهدافه.

• جرت محاكمات سياسية وإعلامية للحِراك المطلبي انطلاقاً من الكلام عن أدوار لسفارات ودول كبيرة وصغيرة، وعن السيرة الذاتية لبعض رموزه ومساهماتهم في ثورات عربية. أيّ مقاربة أمنية يمكن استخلاصها حيال طبيعة هذا الحِراك وأهدافه؟

- نحن مع الحِراك ما دام يعمل تحت سقف القانون، لا بل أكثر من ذلك ان واجبنا هو حماية هذا الحِراك من اي محاولة لاستغلاله بغية شيْطنته لتبرير التصدي له وقمعه. ان لبنان بلد ديموقراطي، وحرية التظاهر والتعبير حقان يصونهما الدستور اللبناني. انما هناك فارق بين سلمية التعبير، واستعمال العنف والتعدي على الأملاك العامة والخاصة كأسلوب للتعبير مرفوض بكل تفاصيله، وواجب الدولة التصدي له عندما يتخذ هذا الشكل التخريبي. نحن لا نتهم احداً بالوقوف وراء هذا الحِراك لا انطلاقاً مما يقومون به ولا من السيرة الذاتية لرموزه. واجبنا المراقبة والمتابعة واتخاذ الاجراءات وفقاً للقوانين وهذا ما نقوم به، ولن نتردد او نتوانى عن القيام بواجبنا عندما نرى ان اي تحرك قد يخرج عن القوانين والأنظمة المرعية الإجراء.

• كان يؤخذ على الأجهزة الأمنية اللبنانية تَنافُسها وتَعارُضها تبعاً لمرجعياتها السياسية. هل يمكن القول ان هذه الصورة النمَطية سقطت؟ وما مدى التعاون بين تلك الأجهزة حالياً؟

- ليس التنافس بين الأجهزة دليل مرض على الإطلاق بل هو دليل عافية وصحة، فالتنافس بالنتيجة هو محاولة من كل جهاز لتقديم أفضل ما عنده في خدمة الأمن اللبناني، والتنافس هو سرّ النجاح. أما التعارُض فهو المرض القاتل في عمل الأجهزة، وهذا يعني ان لكل من هذه الأجهزة عدوا خاصا به. وسبق ان قلتُ ان هناك إجماعاً لبنانياً وسياسياً ووطنياً على تحديد الأخطار المحدقة بلبنان وعلى تحديد هوية العدو بكل وضوح. وأستطيع، استطراداً، القول ان التعاون بين الأجهزة قائم ومستمرّ لما فيه أمن لبنان في إطار التنافس على تقديم الخدمات الأمنية الأفضل للبنانيين والمقيمين على السواء.

• يتمّ التعاطي معكم في ضوء تجربة الأعوام الأربعة الماضية على انكم «رَجل الأمن الأول في لبنان» الذي توكل اليه المهمات الصعبة. هل لهذا النجاح صلة بقدرتكم على التواصل مع الجميع أم لأن الفسيفساء اللبنانية بتنوّعها الطائفي والمذهبي تجعلكم أكثر قدرة على الحركة؟

- ان الأعوام الأربعة المنصرمة، وهي سنوات قيادتي للمديرية العامة للامن العام، كانت حبلى بالأحداث الأمنية والمخاطر التي تهدد الكيان اللبناني، وقد سمحت لنا الظروف بالقيام بالمهمات المطلوبة بتوفيق من الله سبحانه تعالى. وانا من الذين يقدّمون لبنانيّتي وهويتي الوطنية في العمل العام بالدرجة الاولى، وطائفتي ومذهبي هي شأن خاص بي لا علاقة له بممارستي لمهماتي، وأتعامل مع اللبنانيين انطلاقاً من هذه القناعة بالمطلق، وهذا ما يجعلني ربما قادراً على التواصل مع جميع اللبنانيين مهما اختلفت انتماءاتهم. فأنا أخاطبهم وأتوجّه اليهم عبر لبنانيّتهم، وهذا ما يقصّر المسافات بيني وبين الجميع ويجعلني قادراً على بناء جسور الثقة مع الكل، فانا أنطلق في خطابي مع الجميع مما يَجمع وليس مما يفرّق بيننا.

• كنتَ سبّاقاً في تولّي مبادرة تتصل بملف الترقيات العسكرية وتحديداً النقطة المتصلة بالعميد شامل روكز. هل تمّ إجهاض مبادرتكم أم يجري البناء عليها؟ وهل تعتقد ان لتسوية البنود التسعة التي يجري الحديث عنها حظوظا في تأمين مخرج للترقيات ولتعويم عمل الحكومة وفتْح البرلمان؟

- في الحقيقة هي ليست مبادرة بقدر ما كانت عودة الى موضوع جرى التداول به منذ نحو سنتين. فقد وجدتُ في لحظة ما ان هذه القضية ربما تكون حلاً لإعادة العمل بالمجلس النيابي وتعويم عمل الحكومة، فبادرتُ الى إخراجها من الأدراج وطرْحها على الجميع. وانا انطلقتُ بها مستنداً الى قناعتي بوجود العدل في هذا الحلّ وإلباسه لبوس العام، وليس الحلول التي تُفصّل على مقاس أشخاص لأن هؤلاء الأشخاص سيكونون اول الخاسرين على المدى البعيد، ولو شعروا بالربح في لحظة ما فسيبقى هذا الربح أسير هذه اللحظة ولن يتعداها. الامر الآن متروك للسياسيين وهل يبنون على هذه المبادرة - كما تسمونها - ام لا، فهذا برسمهم. أما البنود التسعة التي جرى الحديث عنها أخيرا فالإجابة عنها أصبحت واضحة من الأطراف المعنيين.

• أدّى الدخول الروسي العسكري المباشر على الملف السوري الى وضْع الأزمة السورية في واجهة الاهتمام الدولي كأولوية من شأنها فتح الطريق امام ترتيب واقع المنطقة وملفاتها المعلّقة ومن بينها لبنان. ما قراءتكم لطبيعة الاندفاعة الروسية وتأثيراتها لجهة رسْم معالم المرحلة الانتقالية في سورية؟ وماذا عن لبنان في غمرة هذه التحولات؟

- ليست الدول بجمعيات خيرية على الإطلاق، والدول الكبرى تحديداً عادةً ما تنطلق في رسم سياساتها من مصالحها وليس عواطفها، لا حباً ولا كرهاً، فلا مكان للعواطف في السياسة.

الأزمة السورية الآن هي في واجهة الاهتمام الدولي قبل الدخول الروسي المباشر عسكرياً وليس بعده، انما هذا الاهتمام يتقدم ويتراجع وفقاً لمصالح هذه الدول. لقد رأينا تقدماً لهذا الاهتمام مع موجات النزوح والهجرة السورية باتجاه اوروبا، لا بل رأينا تغييراً لمواقف الكثير من هذه الدول ربطاً بهذا النزوح وتأثيره على مصالحها.

من هنا، كان علينا كأمة ان نرى مصالحنا اولاً، والاستفادة من اهتمام الدول بما يجري عندنا لتحويل التهديد الذي يقع على دولنا الى فرص للنجاة، وكل ذلك شرطه العودة الى وحدتنا. وليس لنا مناص وقوة في المواجهة القائمة في المنطقة إلا من خلال وحدتنا واصطفافنا خلف مصالحنا المشتركة، وإعادة تقويم البوصلة باتجاه ما يجمعنا، ورسْم أرضية مشتركة نقف عليها جميعاً بقصد المواجهة مع كل مَن يريد اغتصاب حقوقنا وخيراتنا.

وهنا أرى ان فلسطين والقضية الفلسطينية المحقة والمقدّسة هي عامل الوحدة الأكثر جمعاً لشعوبنا، وهي قادرة على تشكيل صدمة قوية لإعادة الحياة الى أمة واحدة موحّدة، وتشكل أرضية صحيحة تجمع مصالح الأمة وتُبرِز عناصر قوّتها في وجه محاولة تقسيمها وشرذمتها وجعْلنا نقف خلف هذه الدولة الكبرى او تلك، نستقوي بها بعضنا على البعض الاخر.

ولا شك ان الدخول الروسي المباشر على خط الأزمة السورية سيكون له تأثير كبير على رسم معالم المنطقة وليس على سورية فحسب، ولبنان جزء من هذه المنطقة التي أصبحت كلها قضية واحدة مترابطة ولم تعد ملفات متعددة نظراً لحجم الحرب الواقعة علينا من كل الاتجاهات والتي تلبس اليوم لبوس الإرهاب.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي