«الليلة الكبيرة»

تصغير
تكبير
عندما صاغ المصري الشهير صلاح جاهين كلمات أوبريت «الليلة الكبيرة»، ولحنها وغناها الفنان المبدع الراحل سيد مكاوي، ظلت كلمات تلك «الليلة» كبيرة حتى الان في وجدان كل مصري وعربي، ليلة ولا كل ليلة تجسدت فيها كل المعاني الجميلة ... في اختصار لحضارة شعب تجاوزت 7 آلاف سنة.

«الليلة الكبيرة يا عمي والعالم كتيرة، مليين الشوادر يابا من الريف والبنادر» ... انها في مصر عندما يلتقي الأهلي والزمالك قطبا كرة القدم المصرية والعربية والأفريقية مساء اليوم في نهائي كأس مصر، في أعرق المسابقات وأهمها في أفريقيا والوطن العربي، دربي يعد من أكبر الدربيات جماهيرياً في العالم، مواجهات تجاوزت مدتها الزمنية أكثر من ثمانية عقود منذ انطلاق المسابقة.ولا يقلل تفوق الأهلي الكبير من حيث الحصول على المسابقة الأولى في الدوري وقارة المواهب السمراء ولا الفارق بين الناديين قبل أو بعد، من حدة وقوة وشراسة المنافسة بينهما منذ أن عرفت مصر كرة القدم في أواخر القرن قبل الماضي عن طريق قوات الاحتلال الإنكليزي.

ولا تعني سيطرة الفارس الأحمر على ثلاثة أضعاف من البطولات المحلية أنه يستحوذ على كل القلوب، فالزمالك «يا مدرسة ... فن ولعب وهندسة» كما يحب أنصاره مناداته داخل وخارج الملعب له جمهور يتغنى ببطولاته أيضاً كونه أول فريق مصري يحصل على كأس مصر العام 1922 على حساب شرويدز الإنكليزي، وله الاسبقية في الفوز على الاهلي في أولى المواجهات المباشرة، إلا أن جمهور الاهلي يرد بأنه الفارس الاول لمسابقة الدوري في بدايتها في الموسم 1948-1949.

الاهلي والزمالك ... «حكاية ورواية» في كل مقهى وشارع وميدان وحارية وغيطان من سبعة عقود ماضية، تناوب فيها الاثنان على الافضلية، البداية كانت زملكاوية في الاربعينيات، ثم تفوق الاهلي في الخمسينيات، ثم عاد الابيض في الستينيات، واستعاد الاحمر مكانته في السبعينيات، فيما كانت الغلبة في الثمانينات للزمالك بفضل جيل ضم فاروق جعفر وابراهيم يوسف، لكن في التسعينيات بدأت سيطرة الاهلي وهيمنته المطلقة على كل البطولات وصولاً حتى الالفية.

لقاء الاهلي والزمالك ... حاله حال أي مناسبة كبرى في بلد الـ 90 مليونا، كعيد الفطر والاضحي وشم النسيم، الكل يجتمع عليها في «ليلتها» صغيراً كان أو كبيرا أو شيخاً من الجنسين، تنتفض كل المحافظات بوزاراتها، استعداداً «لليلة المواجهة» التي تتعدى فيها في معظم الاحيان حدود المعقول في اللعبة الشعبية، وتصل الى درجات خطيرة جداً من العصبية والتشنج بين المشجعين وتحديداً الى الى حد القتل ووقوع اصابات بليغة وموت مفاجئ، حتى انها تبلغ حدود تفكيك الاسرة، خصوصا بين الزوجين المتعصبين المنقسمين بين الاهلي والزمالك الى الطلاق بالثلاثة.

الاهلي والزمالك... ليست مجرد مباراة كرة قدم، تبدأ وتنتهي عند صافرة الحكم كما هي في معظم الدول، في مصر الامر مختلف تماماً، تبدأ قبل بدايتها ولاتنتهي في نهايتها، ترسباتها تبقى على مدى ايام واسابيع وشهور حتى موعد اللقاء الجديد، جماهير الاحمر والابيض حال فريدة من نوعها في العالم، لايجتمعان معاً، وان اجتمعا فإن الوضع حينها ليس له اي علاقة بالنقاش الرياضي... خصومة حتى الفجور.

جماهير مصر معظمها أهلاوية أو زملكاوية لانبالغ لو قلنا انها لاتبالي المناسبات الكروية العالمية طوال الموسم الرياضي، ولايهمها لونيل ميسي أو كريستيانو رونالدو ماذا يفعلان مع برشلونة وريال مدريد، نجوم الاهلي والزمالك أهم لديهم بكثير من كل لاعبي العالم،تعصب البعض أعماهم عن كل شيء خارج أرض الكنانة.

النهائي اليوم يحمل في طياته الشيء الكثير، قد يختلف عن بقية اللقاءات الماضية، الزمالك برئيسه مرتضى منصور المثير للجدل الذي تعتبره الجماهير الزملكاوية بطلاً قومياً، بطل الدوري هذا الموسم بعد 9 سنوات عجاف،اكل فيها الاهلي الاخضر واليابس،يسعى الى تأكيد جدارته على خصمه اللدود في الفوز بالكأس، ورد اعتبار جماهيره بعد سنين طويلة ذاقت فيها جماهير الابيض الامرين من جماهير الاهلي، والفرصة سانحة الليلة للنيل منه، وفرحتهم الليلة بالكأس ستكون أكثر مليون مرة من الدوري خصوصاً إذا كان فيها الاهلي جسراً للوصول لها.

الاهلي حديد... هكذا يردد أنصاره وهو كذلك، لاسيما وهو فريق القرن بالقارة السمراء وزعيمها الكروي، وصاحب أكبر قاعدة جماهيرية، انكسر هذا الموسم وضاع عليه لقب الدوري الذي كانت جماهيره على موعد معه في نهاية كل موسم، لم يكن الاحمر«حديد»هذا الموسم، سقط عدة مرات أمام الصغير قبل الكبير، جماهيره لاترحم، سريعة الغضب، اعتادت على الفوز والصعود الى المنصات،تكره الهزيمة بشدة وخصوصاً من الزمالك، فرصتها جاءت على طبق من ذهب اليوم، لكي«تنكد»على جماهير الزمالك فرحتهم بالدوري، وتقول لهم بالمصري«ماتنسوش نفسكم... ده الاهلي يابا»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي