الرأي اليوم / الجامعة... المُفرّقة !
كم كانت بشعة تلك النقاط السود على رداء الجامعة الأبيض. كم كانت نافرة، صادمة، مقزّزة. المكان الذي يفترض فيه أن يكون مصنع شباب وشابات المستقبل أعطى للأسف الشديد صورة يائسة بائسة لإمكانية التغيير وفق معطيات العصر والحداثة، وأنتج تجربة أسوأ من التجارب الفاشلة خارج أسوار الحرم الجامعي.
عندما تزداد الطائفية والقبلية والعنصرية في الشارع وتحديداً عند الجهلة أو أصحاب القصد، نتطلع فوراً إلى الجامعة كحصن أمان كون طلابها هم قادة المستقبل، ونقول إن هؤلاء الشباب والشابات يختلفون عن رجال السياسة وتجّار الدين الذين يقتاتون من الخلافات والانقسامات ويرون في خطاب الغرائز طريقاً للوصول والاستمرار.
هؤلاء الطلبة مختلفون لأنهم على تماس مباشر مع العلم.
ولأنهم في مواكبة مستمرة للتغيرات والتطورات العصرية التي لا بد من امتلاك مفاتيحها كمعبر إلزامي لحجز مكان في أسواق العمل لاحقاً.
ولأنهم في مكان واحد يعيشون بتنوّعهم وتعدّد انتماءاتهم ويتناقشون ويبحثون ويحلّلون ويقدّمون صورة حضارية للانصهار في المحيط الوطني من دون فرض إجماع أو إلغاء خصوصيات.
ولأنهم يمتلكون نظرة تحليليّة تقييميّة لسلوكيات وأداء بعض من دفعت بهم الأحداث والظروف إلى واجهة العمل السياسي ويمتلكون القدرة على تقديم نموذج مختلف لهذا السلوك وذاك الأداء عند خوضهم غمار الشأن العام.
ولأنهم متعبون وقلقون مما آلت إليه أوضاع الإدارة في الكويت من ترهّل وفساد ويأملون، ونأمل معهم، أن يكونوا أداة تغيير تنظر إلى الكفاءة قبل أي معيار آخر وتنبذ الواسطات والمحسوبيات.
ولأنهم أدركوا أن ما من خطاب سياسي ارتدى لبوس الدين أو الطائفية أو القبلية أو العنصرية إلا وكان خطاباً فاشلاً في حده الأدنى وانتحارياً في حده الأعلى.
... هذا ما كنا نعتقده، إنما اتضح للأسف الشديد أن ما دار داخل أسوار الحرم الجامعي في الانتخابات الأخيرة لا يقل تخلفاً عما يدور خارج هذه الأسوار وفي الحرم الوطني تحديداً. وهذا الأمر يزيد صورة المستقبل قتامة ويرفع منسوب القلق إلى اللون الأحمر المنذر بخطر مخيف.
كان الجيل الجديد من الشبان والشابات يرفض الانتخابات الفرعية ويجرّمها على المستوى النيابي، وكنا نتابع مواقف هؤلاء الداعين إلى تقليص الخطاب القبلي وتقدم الخطاب الوطني، لكننا رأينا هؤلاء أنفسهم يجرون انتخابات فرعية داخل حرم الجامعة لتزكية طلاب القبيلة الذين سيخوضون السباق وينصبون اللافتات التي تقول إن القبيلة زكّت فلاناً وفلاناً. أمر مماثل جرى في السابق وتم التحذير منه سواء على مستوى الإعلام أو على مستوى النخب الطلابية أو على المستوى الرسمي عبر وزارة التربية لكن مبعث الصدمة أن هذه الظاهرة بدأت تزداد لتصبح هي القاعدة وغيرها استثناء... ولكم في حجم اللافتات التي رفعت من مختلف القبائل هذا العام خير دليل.
وكان الجيل الجديد من الشبان والشابات يرفض الخطاب الطائفي ويرى في مطلقيه من سياسيين ورجال دين تجّاراً يقتاتون على الانقسامات ويغامرون بالوحدة الوطنية ويقامرون بأرواح المغسولة عقولهم وقلوبهم. وكنا نتابع مواقف هؤلاء الداعين إلى تقليص الخطاب الطائفي وتقدم الخطاب الوطني، لكننا رأينا هؤلاء أنفسهم داخل الجامعة يحوّلون الخطاب الطائفي إلى برامج عمل ويحشدون الأصوات والولاءات على أساس مذهبي لا وفق مشاريع مطلبية أكاديمية وعلمية.
هذا الموضوع يفتح الباب إلى الحقيقة الأخرى المتعلقة بالاتحاد الوطني لطلبة الكويت نفسه. ونسأل معالي وزير التربية والحكومة بشكل عام: أما آن الأوان لوضع أطر تنظيمية لاتحاد طلبة الجامعة ككيان من جهة؟ ووضع حدٍّ لتفاقم الظواهر القبلية الطائفية من جهة أخرى؟
نطرح ذلك من باب أن تحذير الوزير الدائم من سيادة الخطاب الطائفي القبلي في الجامعة ومع الاحترام الشديد له لن يغير شيئاً إن لم يرفق ببنود لائحية لها قوة قانونية لردع هذه الظاهرة المتنامية أو للحدّ منها... فالتحذير يستمر عاماً بعد عام والظاهرة تقوى عاماً بعد عام.
ونطرح ذلك من باب أن اتحاد الطلبة غير مرخّص. انتخابات ولجان وممثلون في مختلف أنحاء العالم ونشاطات ومؤتمرات سنوية ومسؤولون يشاركون وحكومة تدعم مادياً... والاتحاد غير مرخّص.
لم يعد الأمر نوعاً من التراث أو التقليد الكويتي الذي يرى أن الأمور تمشي سهالة طالما أنها تمشي! اليوم هناك أمور تتعلق بالهوية والتمثيل والدعم والتمويل والأوراق الثبوتية، ومن أبسط الأمثلة أن حساباً سيفتح في مصرف دولي مثلاً سيكون باسم مَنْ؟ وبأي صفة قانونية أو تمثيلية؟ ولجهة غير مرخّصة؟.
والغريب أن الدعوات إلى ترخيص الاتحاد ووضع كيان قانوني له لم يكن مصدرها لا الحكومة ولا الاتحاد في ما خلا بعض المناشدات الطلابية القليلة، وكأن الطرفين متفقان على ترك الأمور بلا ضوابط لغايات كانت مجهولة وصارت معلومة... خصوصاً في ظل ما نراه ونلمسه خلال الانتخابات وبعدها.
إذا ترخّص الاتحاد، إلزاماً سيكون في صلب مبادئ الترخيص تجريم الخطاب الطائفي والقبلي والعنصري، وإلزاماً سيلزمه القانون بالابتعاد عن توظيف الدين في السياسة أو توظيف السياسة في الدين، وإلزاماً ستتوقف عمليات الاستقطاب على أسس طائفية أو حزبية ضيقة، وإلزاماً يجب أن تتنوع الهيئات الطلابية وطنياً على مستوى اللوائح التي ستخوض الانتخابات وأن تعلن برامج تربويّة أكاديميّة مطلبيّة علميّة.
وإذا ترخّص الاتحاد يجب أن تكون أهدافه الأساسية وأولوياته هي الارتقاء بمستوى الطلاب والدفاع عن حقوقهم وجلب المزيد من المكتسبات للصرح التربوي الجامعي بما يخدم أهداف الطلاب المستقبلية ويفتح أمامهم المزيد من مسارات العلم وأسواق العمل... والأهم أن يمثل جميع الطلاب حتى الذين لم ينتخبوه ولا يتشاركوا مع قيادته الأفكار الحزبية نفسها.
وإذا ترخّص الاتحاد يجب تجريم دخول المال السياسي إلى الانتخابات الطلابية، وعدم الزجّ بالشباب في مشاريع حزبية تنقل الطلاب من الجامعة إلى الشارع وتنقل التحركات من الشارع إلى الجامعة. طبعاً الطلاب في كل العالم هم في صلب الشأن الوطني وليسوا مستقيلين منه، لكن البرامج الوطنية شيء والبرامج الطائفية والقبلية والحزبية الضيّقة المستخدمة للدين في أهداف عابرة للحدود شيء آخر.
يجب أن يحصل ذلك كله إذا ترخّص الاتحاد وحتى تعترف به إدارة الجامعة والوزارة والحكومة ككيان قانوني معترف به يمثل الطلبة داخلياً وخارجياً... ذلك كله لم يحصل، ومع ذلك تعترف به الوزارة وتدعمه الحكومة.
هل عرفتم الآن لماذا بقي الاتحاد من دون ترخيص لعقود؟ ولماذا الطرف الحكومي دائماً «على البركة»؟ ولماذا تزداد النقاط السود على رداء الجامعة الأبيض؟
العلم نورٌ...
جاسم مرزوق بودي
عندما تزداد الطائفية والقبلية والعنصرية في الشارع وتحديداً عند الجهلة أو أصحاب القصد، نتطلع فوراً إلى الجامعة كحصن أمان كون طلابها هم قادة المستقبل، ونقول إن هؤلاء الشباب والشابات يختلفون عن رجال السياسة وتجّار الدين الذين يقتاتون من الخلافات والانقسامات ويرون في خطاب الغرائز طريقاً للوصول والاستمرار.
هؤلاء الطلبة مختلفون لأنهم على تماس مباشر مع العلم.
ولأنهم في مواكبة مستمرة للتغيرات والتطورات العصرية التي لا بد من امتلاك مفاتيحها كمعبر إلزامي لحجز مكان في أسواق العمل لاحقاً.
ولأنهم في مكان واحد يعيشون بتنوّعهم وتعدّد انتماءاتهم ويتناقشون ويبحثون ويحلّلون ويقدّمون صورة حضارية للانصهار في المحيط الوطني من دون فرض إجماع أو إلغاء خصوصيات.
ولأنهم يمتلكون نظرة تحليليّة تقييميّة لسلوكيات وأداء بعض من دفعت بهم الأحداث والظروف إلى واجهة العمل السياسي ويمتلكون القدرة على تقديم نموذج مختلف لهذا السلوك وذاك الأداء عند خوضهم غمار الشأن العام.
ولأنهم متعبون وقلقون مما آلت إليه أوضاع الإدارة في الكويت من ترهّل وفساد ويأملون، ونأمل معهم، أن يكونوا أداة تغيير تنظر إلى الكفاءة قبل أي معيار آخر وتنبذ الواسطات والمحسوبيات.
ولأنهم أدركوا أن ما من خطاب سياسي ارتدى لبوس الدين أو الطائفية أو القبلية أو العنصرية إلا وكان خطاباً فاشلاً في حده الأدنى وانتحارياً في حده الأعلى.
... هذا ما كنا نعتقده، إنما اتضح للأسف الشديد أن ما دار داخل أسوار الحرم الجامعي في الانتخابات الأخيرة لا يقل تخلفاً عما يدور خارج هذه الأسوار وفي الحرم الوطني تحديداً. وهذا الأمر يزيد صورة المستقبل قتامة ويرفع منسوب القلق إلى اللون الأحمر المنذر بخطر مخيف.
كان الجيل الجديد من الشبان والشابات يرفض الانتخابات الفرعية ويجرّمها على المستوى النيابي، وكنا نتابع مواقف هؤلاء الداعين إلى تقليص الخطاب القبلي وتقدم الخطاب الوطني، لكننا رأينا هؤلاء أنفسهم يجرون انتخابات فرعية داخل حرم الجامعة لتزكية طلاب القبيلة الذين سيخوضون السباق وينصبون اللافتات التي تقول إن القبيلة زكّت فلاناً وفلاناً. أمر مماثل جرى في السابق وتم التحذير منه سواء على مستوى الإعلام أو على مستوى النخب الطلابية أو على المستوى الرسمي عبر وزارة التربية لكن مبعث الصدمة أن هذه الظاهرة بدأت تزداد لتصبح هي القاعدة وغيرها استثناء... ولكم في حجم اللافتات التي رفعت من مختلف القبائل هذا العام خير دليل.
وكان الجيل الجديد من الشبان والشابات يرفض الخطاب الطائفي ويرى في مطلقيه من سياسيين ورجال دين تجّاراً يقتاتون على الانقسامات ويغامرون بالوحدة الوطنية ويقامرون بأرواح المغسولة عقولهم وقلوبهم. وكنا نتابع مواقف هؤلاء الداعين إلى تقليص الخطاب الطائفي وتقدم الخطاب الوطني، لكننا رأينا هؤلاء أنفسهم داخل الجامعة يحوّلون الخطاب الطائفي إلى برامج عمل ويحشدون الأصوات والولاءات على أساس مذهبي لا وفق مشاريع مطلبية أكاديمية وعلمية.
هذا الموضوع يفتح الباب إلى الحقيقة الأخرى المتعلقة بالاتحاد الوطني لطلبة الكويت نفسه. ونسأل معالي وزير التربية والحكومة بشكل عام: أما آن الأوان لوضع أطر تنظيمية لاتحاد طلبة الجامعة ككيان من جهة؟ ووضع حدٍّ لتفاقم الظواهر القبلية الطائفية من جهة أخرى؟
نطرح ذلك من باب أن تحذير الوزير الدائم من سيادة الخطاب الطائفي القبلي في الجامعة ومع الاحترام الشديد له لن يغير شيئاً إن لم يرفق ببنود لائحية لها قوة قانونية لردع هذه الظاهرة المتنامية أو للحدّ منها... فالتحذير يستمر عاماً بعد عام والظاهرة تقوى عاماً بعد عام.
ونطرح ذلك من باب أن اتحاد الطلبة غير مرخّص. انتخابات ولجان وممثلون في مختلف أنحاء العالم ونشاطات ومؤتمرات سنوية ومسؤولون يشاركون وحكومة تدعم مادياً... والاتحاد غير مرخّص.
لم يعد الأمر نوعاً من التراث أو التقليد الكويتي الذي يرى أن الأمور تمشي سهالة طالما أنها تمشي! اليوم هناك أمور تتعلق بالهوية والتمثيل والدعم والتمويل والأوراق الثبوتية، ومن أبسط الأمثلة أن حساباً سيفتح في مصرف دولي مثلاً سيكون باسم مَنْ؟ وبأي صفة قانونية أو تمثيلية؟ ولجهة غير مرخّصة؟.
والغريب أن الدعوات إلى ترخيص الاتحاد ووضع كيان قانوني له لم يكن مصدرها لا الحكومة ولا الاتحاد في ما خلا بعض المناشدات الطلابية القليلة، وكأن الطرفين متفقان على ترك الأمور بلا ضوابط لغايات كانت مجهولة وصارت معلومة... خصوصاً في ظل ما نراه ونلمسه خلال الانتخابات وبعدها.
إذا ترخّص الاتحاد، إلزاماً سيكون في صلب مبادئ الترخيص تجريم الخطاب الطائفي والقبلي والعنصري، وإلزاماً سيلزمه القانون بالابتعاد عن توظيف الدين في السياسة أو توظيف السياسة في الدين، وإلزاماً ستتوقف عمليات الاستقطاب على أسس طائفية أو حزبية ضيقة، وإلزاماً يجب أن تتنوع الهيئات الطلابية وطنياً على مستوى اللوائح التي ستخوض الانتخابات وأن تعلن برامج تربويّة أكاديميّة مطلبيّة علميّة.
وإذا ترخّص الاتحاد يجب أن تكون أهدافه الأساسية وأولوياته هي الارتقاء بمستوى الطلاب والدفاع عن حقوقهم وجلب المزيد من المكتسبات للصرح التربوي الجامعي بما يخدم أهداف الطلاب المستقبلية ويفتح أمامهم المزيد من مسارات العلم وأسواق العمل... والأهم أن يمثل جميع الطلاب حتى الذين لم ينتخبوه ولا يتشاركوا مع قيادته الأفكار الحزبية نفسها.
وإذا ترخّص الاتحاد يجب تجريم دخول المال السياسي إلى الانتخابات الطلابية، وعدم الزجّ بالشباب في مشاريع حزبية تنقل الطلاب من الجامعة إلى الشارع وتنقل التحركات من الشارع إلى الجامعة. طبعاً الطلاب في كل العالم هم في صلب الشأن الوطني وليسوا مستقيلين منه، لكن البرامج الوطنية شيء والبرامج الطائفية والقبلية والحزبية الضيّقة المستخدمة للدين في أهداف عابرة للحدود شيء آخر.
يجب أن يحصل ذلك كله إذا ترخّص الاتحاد وحتى تعترف به إدارة الجامعة والوزارة والحكومة ككيان قانوني معترف به يمثل الطلبة داخلياً وخارجياً... ذلك كله لم يحصل، ومع ذلك تعترف به الوزارة وتدعمه الحكومة.
هل عرفتم الآن لماذا بقي الاتحاد من دون ترخيص لعقود؟ ولماذا الطرف الحكومي دائماً «على البركة»؟ ولماذا تزداد النقاط السود على رداء الجامعة الأبيض؟
العلم نورٌ...
جاسم مرزوق بودي