رسالتي

قصف الجبهة

تصغير
تكبير
من فنون الكلام أن يكون لدى الإنسان سرعة بدهية في الرد على من ألقى عليه شبهة، أو طرح عليه سؤالاً يريد بذلك إحراجه، والناس تُطلق على الرد السريع: «الجواب المسكت أو الرد المفحم» أو تقول: ألقمه حجراً، وتعارف الناس في هذا الزمان على مصطلح «قصف الجبهة».

يثير الجواب السريع إعجاب السامعين -طبعاً عند غير من قُصفت جبهته- لما يدل على سرعة البدهية وحضور الذهن وجرأة الكلام، وذكاء القائل، ناهيك عن الصدمة التي يتلقاها الطرف الآخر فتجعله عاجزاً عن الرد.


التاريخ القديم والحديث مليء بالمواقف من هذا القبيل، ومنها ما حدث بين الحجاج وبين التابعي سعيد بن جبير عندما أراد الحجاج قتل ابن جبير، فقد دار بينهما هذا الحوار:

الحجاج: ما اسمك؟

سعيد: سعيد بن جبير.

الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.

سعيد: بل أمي كانت أعلم باسمي منك.

الحجاج: شقيتَ أنت، وشقيتْ أمك.

سعيد: الغيب يعلمه غيرك.

الحجاج: لأبدلنَّك بالدنيا ناراً تلظى.

سعيد: لو علمتُ أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها من دون الله.

الحجاج: أي قتلة تريد أن أقتلك؟

سعيد: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة.

ومن الأجوبة المسكتة ما جرى من حوار بين علي بن أبي طالب وأحد اليهود، فقد جاء اليهودي شامتاً وهو يقول: ما دفنتم نبيكم إلا وقلتم: منا أمير ومنكم أمير، يقصد ما حدث من خلاف بين الصحابة بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، فرد عليه علي: وأنتم ما جفّت أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم لنبيكم: «يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة» - وذلك بعد نجاتهم من فرعون - فبُهت اليهودي.

ومع انتشار وسائل الإعلام الحديثة ومنها برنامج «تويتر» وجدت موقفين تم فيهما قصف الجبهة، أما الأول فهو للشيخ السعودي المعروف «عادل الكلباني» إمام الحرم سابقاً، حيث علق على أبيات شعر كتبها أحدهم بعد حادث سقوط الرافعة في الحرم، ومنها قوله:

عجبي لرافعةٍ رأت مِن حولها

تلويحة البشرى فخرّت ساجدة

فقال الشيخ الكلباني ساخرا: يجب البحث عن أسباب عدم سجود بقية الرافعات، فقد يكن «ليبراليات».

ولما علقوا على كلام الشيخ بقولهم: لا نلوم الشيخ الكلباني فهو لا يعرف بلاغة الشعر ولن يدرك خيال الشاعر.

فرد عليهم بالقول: الله يكفينا الشر لو رغبت الرافعة تقبيل الحجر.

وأما الموقف الثاني فهو رد النائب السابق الدكتور جمعان الحربش على أحد الإعلاميين ممن امتازوا بالنفس الطائفي، عندما وضع ذلك الإعلامي صورة سابقة للنائب مع مجموعة من نواب المعارضة وهم في منزل الحربش، خلال أحداث ديوانيته المشهورة وكتب قبلها: «الحربش ليس بكيفك تسقط الكويت، لأن فيها شعباً عند الاحتلال ما انخش في المطبخ»

فجاءه الرد الذي أفحمه وألجمه، إذ قال الحربش: «نعم آثرنا الدخول في المنزل وعدم الصدام لأننا لا نخزّن السلاح من أجل الغدر بأبناء الوطن وقتلهم كما يفعل غيرنا».

ونختم بالقول بأنه من الجميل أن يكون لدى الإنسان سرعة بد هية وذكاء يمكنه من سرعة الرد وإفحام الخصم، لكن لابد من الحرص على أمرين: أن نسخّر ردودنا من أجل الدفاع عن الحق وأهله، وألا نقول في ردنا إلا كلمة الصدق.

abdulaziz2002@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي