أيها المغامرون... المس بالدستور مس بنظام آل الصباح


يصادف اليوم يوم جمعة في الثالث عشر من الشهر. هذه المصادفة علامة تشاؤم عند بعض المجتمعات الغربية ولها اسبابها التاريخية، اما نحن فلا توجد في قيمنا علامات تشاؤم من هذا النوع لاننا نتفاءل بالخير فنجده ولأن جوهر شريعتنا يحض على استخدام العقل وقياس الشواهد بمقياسه، فنقول ان هذا الامر يوصل الى التقدم بموجب القراءة العقلية المنطقية الموضوعية للاحداث او يوصل الى التخلف والتراجع والفوضى... وبموجب القراءة نفسها.
سنعقلها ونتوكل، انما نشير الى شيء واحد نشترك فيه مع المؤمنين بخرافة او اسطورة «الجمعة 13» هو وجود اسباب تاريخية لما سنتحدث عنه.
في كل منعطف مصيري تعيش الكويت على ايقاع ازمة يساهم في تأجيجها كثيرون. هذه المرة اعطيت الازمة اسم «الحل غير الدستوري» للمجلس، لكنها في حقيقتها ستحمل اسم «ازمة نظام حكم» اذا ترك الميدان لنافخي الكير وسيئي النية وردود الفعل العاطفية من اصحاب النيات الحسنة والطيبة.
هناك تكبيل لقطار التنمية؟ صحيح. هناك عدم تعاون بين السلطات وتجاوزات من سلطة على اخرى؟ صحيح. هناك خلل في الادارة وفساد لا تحمله البعارين؟ صحيح. هناك شعور بالاحباط وعدم الرضا على اداء مجلس الامة والحكومة؟ صحيح. باختصار، هل هناك خلل كبير وشامل ومتداخل في ادارة شؤون الحكم؟ الجواب للمرة المئة صحيح وصحيح وصحيح.
ولكن توجيه المسؤولية الى مجلس الامة وتركيزها على السلطة التشريعية فقط هو الخطأ بعينه رغم كل الملاحظات على اداء المجلس والنواب. والحديث عن سلبيات المجلس بمكبرات الصوت والنظر اليها بالعدسات المكبرة دون الحديث عن مكامن الخلل الاخرى في الدولة هو الخطيئة بعينها، لان هناك من خلط بقصد (وهناك من صدقه بغير قصد) بين اخطاء الممارسة الديموقراطية والديموقراطية نفسها. بين تأخر التنمية بسبب صراع سياسي وبين مسؤولية النظام الديموقراطي نفسه عن هذا التأخر. هذا التركيز توهم اصحابه انه سيؤدي الى كفر الناس بالديموقراطية نفسها وانهم بالتالي سيخلقون جوا شعبيا مساندا ينادي بتعليق الدستور ثم بتعديله لاحقا وفق اهواء معينة ما دامت خيبة الامل من اداء المجلس النيابي تكبر يوما بعد يوم.
سيقولون ان حل المجلس دستوريا اكثر من مرة لم ينه الخلل في العلاقات والتوترات ولم يطلق المشاريع. سيتصيدون تصريحا لنائب هنا وتصعيدا هناك للدلالة على صعوبة العبور من النفق. سيبنون على عدم استجابة نائب للدعوة السامية بالتعاون من اجل تبرير خطوات معينة. اجواء شبيهة تماما بالاجواء التي سبقت خطوتي الحل غير الدستوري عامي 1976 و1986، لكن النافخين في الكير لا يريدون ان يتعلموا كم كانت الازمة كبيرة بعد الحل الاول وكم كانت اكبر واكبر بعد الحل الثاني. وكي لا ندخل في متاهات التفاصيل ومن دون ان نرد الاسباب كلها الى الحل غير الدستوري نقول ان اقتصاد البلد ضاع بعد الحل الاول وان البلد نفسه كاد ان يضيع بعد الحل الثاني.
سنعقلها ونتوكل، استنادا الى دروس التاريخ لا خرافة «الجمعة 13»، ونقول ان التجارب التي تقترب من المغامرات تصح في المختبرات لا في الدول، والكويت ليست مختبرا انما دولة لها اسس وتديرها مؤسسات قبل ان تعرف بلاد بعينها شكل الدولة والمؤسسات. ومنذ العام 1963 وحتى اليوم صار الدستور الكويتي الحصن الحامي للدولة والمؤسسات... ولنظام آل الصباح نفسه.
في النظام الديموقراطي، وجهات النظر متاحة لكل من يريد ان يعبر عن رأي حتى لو لم يعجبه الدستور نفسه، وليتذكر فقط الذين يدعون اليوم الى حل غير دستوري انهم ما كانوا قادرين على ذلك لولا نعمة الدستور وسقف النظام الديموقراطي. اما الذين يتمنون او يفكرون او يدعون من داخل الاسرة الى حل غير دستوري فهم في الحقيقة لا يعرفون حجم الضمانة التي يعطيها الدستور للنظام نفسه، ولا يفكرون في مستقبل الحكم نفسه... كلام بسيط وسهل ومباشر يستند الى وقائع تاريخية قريبة وبعيدة، وغير ذلك يستند الى «مغامرات» مهما حكمت خطواته النيات الحسنة.
الاجواء السياسية التي نعيشها اليوم غير صحية على الاطلاق ولا تسمح حتى بما نص عليه الدستور نفسه، اي اجراء تعديلات وتنقيحات في حال اجماع الامة، فالتعديل يجب ان يمر على جسر الوفاق والتعاون والاتفاق والاجماع وكلها عناصر غير متوافرة حاليا، وكان حريا بالغيورين على المصلحة العامة ان يدخلوا البيوت من ابوابها، اي ان يطالبوا الناخبين بإجراء رقابة يومية ومحاسبة مستمرة لممثليهم في بيت الامة كي يتحسن الاداء وتستقيم التجربة. هي الديموقراطية ارتضيناها لانها تصحح نفسها باستمرار، شرط ان نعطي التجربة مداها قبل التقييم لا ان نستعجل الاحكام تحت شعار: «المكتوب يقرأ من عنوانه» لان الامر لو كان كذلك لصح ايضا على كل السلطات واولها الحكومة وطرق تشكيلها ومعايير الاختيار. ثم اذا كان صاحب السمو الامير نفسه يتمنى ان تعطى الحكومة سنة على الاقل قبل الحكم على ادائها فهل يعقل ان يحكم البعض على تجربة مجلس الدوائر الخمس «من اول نظرة؟».
ليكن مفهوما وواضحا اننا لا ندافع عن هذا المجلس تحديدا ولا عن اعضائه. انما نحن نتحدث عن مبدأ العبث بالدستور كلما تأزمت العلاقات بين السلطتين، وعن مبدأ عدم جواز اقحام الدستور في اللعبة السياسية لانه خارج اللعبة وفوقها ووجوده مرتبط ارتباطا كليا بنظام الحكم. الرسالة التي نريد ان نوصلها الى الحاكم تصل بشكل اسرع وأفعل عبر المؤسسات ومن خلال آليات تفعيل هذه المؤسسات بموجب ما نص عليه الدستور لا بما يخالف الدستور. وممثل الامة يجب ان يدرك انه مؤتمن على قضايا مصيرية لا على معاملات توظيف وتعيين فقط، وانه مدعو الى حمل رسالة الناخب الى القيادة السياسية حتى ولو تعارضت هذه الرسالة مع معتقداته وافكاره.
الكويت الان ليست كويت سنة الدستور وما سبقها. كبرت وتغيرت وزادت وتوسعت. بقيت علاقة الحاكم بالمحكوم على روحيتها من التواصل والتآلف والمتابعة لكن شكل العلاقة وطرقها تغيرت حكما مع التطورات السكانية الكبيرة وصار الحفاظ على المؤسسات اكثر من اي زمن مضى ضرورة للتعبير عن عمق العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
الجمعة عظيمة عندنا لانها مظهر من مظاهر الوحدة والاجماع والتماسك، فلنحافظ على هذه المظاهر من خلال الالتزام بالمقاربة العقلية الواقعية لمشاكلنا وازماتنا ولنترك اصحاب النظريات المغامرة مع تفاصيل احداث «الجمعة 13» قبل قرون حيث تتحدث الخرافة عن آلاف الضحايا الذين سقطوا في لحظة واحدة سادت فيها لغة الافراد لا المؤسسات وانهارت معها الوحدة والاجماع والتماسك.
... في ذلك الزمان كانت خرافة.
جاسم بودي