القاطرة القطرية وقطار الحل

تصغير
تكبير

آخر ما يحتاج اليه اللبنانيون ونحن نهنئهم على اتفاقهم، ان نعتبر ما جرى في الدوحة نهاية المطاف ونركن اليه، متجاهلين «المفاجآت السوداء» التي قد تنفجر في اي وقت، وفي وطن عاش قبل ايام كابوسا حقيقيا كاد يعيده الى الحرب الاهلية.
آخر ما نحتاج اليه جميعا هو التسليم والاستسهال، ومع ذلك لا بد من رؤية الجوانب المضيئة لنبني عليها ايجابية تلو اخرى.
أولاً وقبل كل شيء، كسرت الديبلوماسية القطرية مقولة ان الحل العربي لا يقدم ولا يؤخر. فاجأنا «صلح الدوحة» كما فاجأ الكثيرين، واظهر الامير الشيخ حمد بن خليفة ورئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم انهما يتقنان لغة الامل، وانهما يتجردان من اي موقف او اعتبار من اجل هدف نبيل بمستوى التوصل الى حل لازمة كادت تسقط لبنان وربما المنطقة العربية في مستنقع طائفي بغيض.
كذلك اظهر التوافق القطري - السعودي ان الحد المعقول من التنسيق العربي الصادق المبني على معطيات واقعية، قادر على تعبيد الطرق امام الحلول... ومن كان مطلعا على التشاور المستمر بين القيادتين يعرف كم ساهم التنسيق في تأمين غطاء عربي شامل للاتفاق.
وساهمت «الاستراحة» الاميركية كي لا نقول الحياد (وهو غير موجود في قاموس الادارة) في اطلاق يد العرابين ، وعلى رأسهم الدولة المضيفة، لايجاد تسويات مبنية على «ايجابيات» الطريقة العربية (كي لا نقول كل الطريقة العربية)، فاهل البيت ادرى باللغة والتفكير والعاطفة والمصلحة من الآخرين، وليس سرا ان الجهود الشخصية للامير الشيخ حمد ورئيس وزرائه وعدد من القادة والمسؤولين الخليجيين كانت «كاسحة الالغام» الكبرى التي ازالت الكثير من عوامل التفجير.
وساعدت الترتيبات الاوروبية (التي لم تعد سرية) في ارساء مناخ اقليمي ايجابي اوجد غطاء ملائما لانضاج تسوية داخلية لبنانية، سواء تعلق الامر بالمفاوضات الاسرائيلية – السورية او بالايرانية - الدولية. 
ويبقى ان «سر الدوحة» كان اللبنانيين انفسهم، الذين وضعوا اسلحتهم في بيروت والجبل والشمال وغادروا مطارهم الى دولة اخرى متسلحين بالامل في الاتفاق على نظام سياسي يلغي الحاجة الى اي سلاح آخر. عاش اللبنانيون تجربة مرة في بيروت لكن من استخدم السلاح ادرك انه غير قابل للصرف في المسألة الداخلية. واظهر مسؤولون لبنانيون، برفضهم مقارعة السلاح بالسلاح، انهم رجال دولة من طراز رفيع وان الخسارة المحدودة في بلد منتصر افضل من الربح الكبير في بلد منهزم... ولا شك في ان التاريخ سيذكر مثلا اسم الرئيس فؤاد السنيورة كأحد المتمسكين الكبار بمشروع الدولة وصمام الامان للجمهورية.
اللبنانيون ليسوا «سر الدوحة» فحسب بل هم سر العرب. شعب تليق الحياة به لكثرة عشقه لها، ولو مر على دولة اخرى ربع ما مر على لبنان واللبنانيين لرأينا وطنا – خرابة وشعبا منكفئا مستسلما لريح المنتصرين، لكن اللبنانيين ما انتصروا في النهاية الا لوطنهم ولو حقق اي طرف خارجي فوزا مرحليا، ولم يكن قدر لبنان سوى القيامة العمرانية والحضارية ولو دمرته الاعاصير مرة بعد اخرى.
آخر ما يحتاج اليه اللبنانيون وهم يلملمون جراحهم ويستعيد قلب عاصمتهم خفقانه، ان نعتبر ما جرى نهاية المطاف ونركن اليه، فالجمال يثير الغيرة والحسد والحقد ويستدرج الاذية (بالاذن من الشاعر الكبيرالراحل نزار قباني) ونحن في الكويت خبرنا ماذا يعني الانتماء الى وطن صغير في مساحته كبير في رسالته، وست الدنيا والعواصم ما زالت على موعد مع تحديات جديدة تفرضها الجغرافيا السياسية وامتدادات الاطراف الخارجية... ومع ذلك لا بد من «دوحة لبنانية داخلية» تستكمل ما اتفق عليه في قطر، ولا بد من تسليم نهائي لكل اطراف الازمة بانتصار الدولة العادلة القادرة على الدويلات مهما كانت هوياتها وحدودها.
القاطرة القطرية رفعت الازمة من مناطقها الملتهبة الى اخرى هادئة تسمح لقطار الحل بعبور سكة الانطلاق... يبقى ان يحسن القيادة من يقف خلف المقود، وان يتوقف اطلاق النار على القطار من مسلحي المناطق والدول المجاورة، وان يغيب قليلا مشهد «الكاوبوي» الذي يصر في كل منعطف على تحويل مسار القطار.


جاسم بودي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي