سعد الكويت... وداعا


ما أصعب أن نعبر غيمة اليتم من غياب قامة كقامة سعد العبدالله، الأمير الوالد والأخ والصديق والحبيب.
ما أصعب أن نعبر صباحاتنا في غياب أبوفهد، الرجل الرجل، والكريم الكريم، والمخلص المخلص.
وما أصعب أن نعبر جبل الذكريات إلى من كان جبل الكويت وصخرة الكويت... إلى رجل المرحلة الصعبة الذي نقل حدود ديرته الصغيرة أيام الاحتلال إلى مختلف أنحاء العالم فصارت كويتنا في قلب كل شريف، وصارت حريتها مطلب كل شريف.
... وبماذا يمكن أن نرثيك يا قمة الوفاء والعطاء والنقاء؟ وما الكلمات التي يمكنها أن تفيك حقك؟ انت الذي لم يخضع لأمر واقع اسود، ولم يستسلم لمحتل، انت الذي حملت مع أخيك الراحل، طيب الله ثراه، الشيخ جابر الأحمد مشعل التحرير رافضاً الاستكانة وجاعلاً العالم بأسره ميدان تحرك للعودة إلى أرضك المحررة وترابها الطاهر. انت الذي لم تسأل عن صحة ولم تأبه لنصيحة طبية مواصلاً التحرك ليل نهار من أجل هدف واحد فقط: أن يرفرف علم الكويت مجدداً في سمائها.
عادت الكويت وعدت معها في مهمة أخرى لا تقل صعوبة عن التحرير... مهمة إعادة بناء الدولة في ظل هاجس أمني كبير، وها أنت الولي على العهد ولياً على الدولة والمجتمع، لم تنكث عهداً ولم تر في الولاية إلا شرف التكليف والمسؤولية، كنت تتصل بمن لا يتصل بك وتسأل عنه، وتزور كل البيوت والدواوين متواصلاً مع الناس مباشرة من دون وسيط أو مستشار، لا يفوتك واجب ولا تغيب عن مناسبة معتبراً الكويتيين أسرتك الكبيرة... هذه الأسرة التي فقدت بغيابك كبيراً وعزيزاً.
يوم اشتد عليك المرض ودفعت من صحتك ثمن التزامك هموم الكويت، زحف الرجاء على ادعيتنا لله القدير بأن يمن عليك بالشفاء، صار الاطمئنان عليك جزءاً من نهاراتنا، رافضين أن نصدق أن الطود يستكين وأن الفارس يترجل. كنت حاضراً في أيامنا وهمومنا ومشاغلنا وانت تصارع المرض، فمن مستشهد بموقف لك، ومن متسائل عما يمكن أن تفعله لو كنت متعافياً في مواجهة هذه المعضلة أو تلك، ومن مستلهم من تاريخك عبرا يمكن أن تساعد في عبور جسر الحلول، كنت معنا حتى في روحك المرحة ومشاكساتك اللطيفة لهذا وذاك وتسامحك الذي أضفى هالة الكبر والتواضع على حضورك.
ما أصعب أن نعبر غيمة اليتم لكننا نعبرها فعلاً، يعود شريط الذكريات يا جبل الكويت إلى ضمائرنا قبل عقولنا، شريط نعيد عرضه على أولادنا وأولاد أولادنا لنعلمهم مسيرة سعد العبدالله الذي رفض أن يشبه شيئاً إلا بلاده، نعلمهم كيف تدرج في مختلف المناصب فلم تزده إلا التصاقاً بالناس وبقضاياهم، نخبرهم قصة الوفاء الكبير يوم الغزو العراقي للكويت، يوم رفض المغادرة إلا بعد الاطمئنان على الأمير والرمز، نخبرهم كيف صار العلم غترته وكيف سيطر النشيد الوطني على نبضات قلبه، نخبرهم كيف جمع الكويتيين في الشتات تحت عباءته فلم يشعر أحدهم بالغربة ولم يفقد أحدهم الأمل بالعودة القريبة، نخبرهم كيف كان يسأل من جدة عن كويتي في بريطانيا وما إذا كان يحتاج إلى شيء، أو يسأل من واشنطن عن كويتي في القاهرة ليطمئن إلى دخول أبنائه المدرسة، نخبرهم عن الرجل الذي عاد على أجنحة التحرير إلى وطنه رافعاً شعار «المرحلة الجديدة» مع الجميع وماداً يد التعاون إلى الجميع من أجل مستقبل مختلف تعمد بالتجربة الصعبة... نخبرهم انهم يستطيعون أن يتحدثوا عن هذا الرمز الكبير ورؤوسهم مرفوعة.
اليتم صعب يا أبا فهد لكن الحق حق، والفراق صعب يا أبافهد لكنك تبدأ اليوم رحلتك الكبيرة في دنيا البقاء ومثواك الجنة بإذن الله الواحد القدير... وداعاً من ديرة لم تعرفك إلا نبعاً للخير والعطاء... وداعاً يا سعد الكويت.
جاسم بودي