يا صاحب القرار ... احذر المستشار

تصغير
تكبير

إذا كنا شركاء فعلا في الحرص على المصلحة العامة، فلا بد من الخوض في موضوع يتحاشى كثيرون الخوض فيه، تحسسا او خشية او رغبة في عدم اغضاب احد او مجاملة.
لا بد من الاعتراف بأن عددا من القرارات الخطأ على مستويات قيادية مختلفة إنما يحصل بسبب اصحاب السعادة المستشارين، فهؤلاء الذين يفترض انهم اصحاب بصائر ورؤى ليسوا كذلك مع الاسف الشديد وهم اصبحوا عبئا على صاحب القرار بدل معاونته... ولذلك اسباب.
كان المستشار في السابق يختار بعناية شديدة استنادا الى تاريخه وسعة اطلاعه وقدرته على اختيار اللحظة المناسبة لاطلاق المبادرة المناسبة. كان يختار لانه حكيم، يعرف متى يهدئ من غضب صاحب القرار ومتى يستوعب انزعاجه. متى يشور عليه المشورة الصالحة للمصلحة العامة ومتى يحفزه على التقدم وانهاء التردد. متى ينير امامه دروبا جديدة من الافكار ومتى يساعده في اطلاق دينامية فاعلة تحرك القرارات وتشرك جميع المعنيين بتنفيذها.
كان المستشار في السابق يُختار لمركزه وقدرته وهيبته وتجرده عن الاهواء والمصالح الشخصية. كان شخصا كتوما هادئا يعرف متى يتكلم ويعرف متى يصمت... واحيانا كثيرة يعرف صاحب القرار من صمته اكثر مما يعرف من حديثه.
كان صاحب سمعة ذهبية في الداخل والخارج. ما دخل مجلسا إلا وأُفسح له في المجال ليتصدر، وما قابل مسؤولا عربيا ودوليا إلا وزاد من احترام صاحب القرار احتراما ومن هيبته هيبة ومن ذكائه ذكاء، فهو السفير الرسول الذي يمثل من ارسله لا الرسول الذي يريد ان يثبت انه أقدر ممن ارسله.
هكذا كان المستشار يُختار. في الداخل يستوعب كل الاشكالات ويُبعد من طريق المسؤول عقبات كثيرة ممهدا له طريق القرار. وفي الخارج يبني اسسا لعلاقات جيدة على مختلف المستويات مهما كانت وجهات النظر متباعدة... فهل هو الامر كذلك اليوم؟
الجواب قطعا لا. فحجم الاساءات التي يقوم بها المستشارون، من حيث يدرون او لا يدرون، لأصحاب القرار اكثر بكثير من حجم الإفادة... ولنبدأ من الأول.
هناك مستشارون تم اختيارهم في مناصبهم مثلا لانهم كانوا وزراء وتخلت عنهم السلطة في صفقة مع المجلس بدل ان تقف معهم، ثم «اكرمتهم» بمنصب المستشار كتعويض هزيل عما لحق بهم. وهناك مستشارون دخلوا الى المنصب من باب «الخدمات» التي قدموها للسلطة مثل انقلابهم على الخط الذي كانوا يمثلوه في «لحظة مدروسة». وهناك مستشارون اختيروا لانهم تلقوا وعدا بمنصب ما، ثم حالت «الحسبة» دون ذلك فحصلوا على المستشارية جائزة ترضية. وهناك مستشارون احرقوا كل اوراقهم مع هذا الطرف داخل الاسرة ضد ذاك، او مع هذا التيار السياسي ضد ذاك، وكان لا بد من منصب استشاري للملمة رماد الاحتراق، وهناك مستشارون اختيروا في مناصبهم لسبب بسيط جدا هو الرغبة في تنويع الهويات السياسية والفكرية والمناطقية والقبائلية والطائفية في هذا الجهاز او ذاك.
هذه هي الكويت والجميع يعرفون بعضهم بعضا. وهذه النوعية من المستشارين خطورتها تكمن في ان عملها لا يكون في الضوء عادة بل في غرف مغلقة. عمل غير مكشوف لا تلمس بداياته لكنك تلمس نتائجه. عمل لا رقيب ولا حسيب عليه. عمل مستور يحرج كشفه اصحاب القرار قبل غيرهم لان القرارات بأسمائهم ولذلك يبقى المخطئ دائما خلف الستار... وما يزيد اليوم من خطورة هؤلاء، وتحديدا المنتمون الى «الحلقة الضيقة» انهم المسؤولون عن التسريبات الهادفة الى حرق اي قرار، إما لأن غيرهم اقترحه على اصحاب القرار، وإما لانه يتعارض ومصالحهم.
يخطئون ويرمون المسؤولية على غيرهم. كثرتهم تجعل حصر المسؤوليات صعبا، واحيانا تكون مثل «قلتهم» لانهم لا يتمتعون بمؤهلات المستشار الحقيقية. اما حروبهم الداخلية فحدث ولا حرج... ما دخل احدهم ديوانية الا وغمز من قناة اخيه، وما ناقش احدهم اصحاب القرار في فكرة الا وكان «الطعن» بالآخرين نصف الفكرة، وما حصل تسريب لقضية الا وكان عليك ان تبحث عن المستشار الذي سربها نكاية بمستشار آخر او قطعا للطريق على استفادة زميله.
من دون الدخول في النيات او التعميم، ومن دون الوقوع في فخ سلوكيات المستشارين انفسهم، الا اننا يمكن ان نستنتج بقوة ان مستشارين يأتون استنادا الى الخلفيات والاسباب التي ذكرناها لا يستطيعون الخروج من فكرتين تسيطران عليهم: الاولى، الانتقام من كل من قطع عليهم طريق المنصب او المركز او من الذين يخالفونهم في الانتماء. والثانية، الاستفادة قدر الامكان من صفة المستشار لمصالح خاصة خوفا من تغير الظروف، واملا في إشباع طمع لا ينتهي... وايضا نعود ونقول  هذه هي الكويت والجميع يعرفون بعضهم بعضا.
مسيرة الاصلاح لا تتجزأ، وجزء من الفساد كامن في طبقة غير مرئية. فعلها كبير وظهورها قليل، وما على اصحاب القرار إلا التخلي عن عقد الذنب تجاه من ارادوا «تطييب خواطرهم»، واكرامهم في اماكن اخرى تبرز امكاناتهم الحقيقية وقدراتهم الادارية او الاقتصادية او السياسية او التنظيمية او الاعلامية، ويعيدون لمركز المستشار هويته وهيبته.
مع الاحترام الكامل للجميع، كان المستشار في السابق بقامة عبد الرحمن العتيقي، أطال الله في عمره، وعبد العزيز حسين، رحمه الله... ولا داعي للاستطراد.     


 



جاسم بودي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي