ابناء القبائل والقانون


مرة أخرى، يحاول البعض الاصطياد في الماء العكر ويعمل لحصر قضية عامة في اطار خاص، تمهيدا لوضع مجموعة معينة في مواجهة القانون والآخرين... فيما التاريخ والشواهد والتجارب تدل على ان هذه المجموعات كانت دائما مع القانون وجسرا حقيقيا للتواصل مع الآخرين.
عمّ نتكلم؟
نتكلم عن قبائل الكويت الذين ما كانوا مرة الا في صلب المطبقين للقانون. ونقول ان الكويت اساسا هي نسيج مجموعة قبائل وعائلات تجمعت في مختلف المناطق عبر مئات السنين وانصهارها ادى الى نشوء الدولة بالمعنى الحديث المتعارف عليه.
هذا العقد الاجتماعي توزع تاريخيا بين حراس ثغور برية وبحرية من جهة، وبين بناة الدولة داخليا حيث حركة التجارة والاقتصاد والصناعات والتربية والتعليم وتخلي المناطق رويدا رويدا عن ثوبها المتصحر الى الثوب المتحضر.
باختصار شديد، هذه هي الكويت وهذه هي قبائلها.
تفاعلت المجموعات المكونة للبلد بين من حمى الاستقرار من غدر الآخرين ومن سهر على التنمية محافظا على خصوصياته الثقافية الحضارية من دون الانسياق لافكار الآخرين. واتفقت هذه المجموعات، بارادة حرة، على وجود ادارة اكبر من اداراتها الخاصة ممثلة بالحاكم والحكم والقوانين والدستور والتشريعات المنظمة لعمل الدولة.
باختصار شديد، هذه هي الكويت وهذه هي قبائلها.
رسم أبناء القبائل حدود الدولة بدمائهم مع ابناء المناطق الاخرى. عودوا فقط الى اسماء الشهداء والجرحى والضحايا في بدايات تبلور الامارة تجدوها مزيجا من كل نسيج. عودوا الى التاريخ والبطولات والحملات والصولات والجولات تجدوا استشهاديين حقيقيين للذود عن العلم والتراب والبلد والشرعية لا تخلو قبيلة او طائفة او منطقة من اسم لهم. عودوا الى التجارة بحرا قبل النفط والنهضة العمرانية والتربوية والاقتصادية بعد النفط تجدوا القبيلة في صلب كل ميدان. عودوا الى التنمية السياسية والحريات العامة والدستور والديموقراطية تجدوا عودا من كل قبيلة في حزمتها. عودوا الى الغزو عام 1990 والتحرير ومواكب الاسرى والمفقودين تجدوا الدماء اغلى من كل الجنسيات، وتجدوا الفداء عنوانا للانتماء... ومن يملك او يتجاسر ان يعطي شهادات بالوطنية لمن قدم روحه كي يبقى الوطن؟
المشكلة في الكويت ان هناك من استسهل بقصد او بغير قصد تعميم مشكلة ما على طائفة او قبيلة او منطقة. هناك من يحاول، وايضا بقصد او بغير قصد، ان يلغي تاريخا مشرقا لفئة او مجموعة ويختصره بمخالفة من هنا او تجاوز من هناك. ولهؤلاء نقول ان القبيلة حريصة على تطبيق القانون تماما مثل حرص القائمين على تطبيق القانون، وحريصة على النظام تماما مثل حرص القائمين على النظام، فابناء القبائل هم اهل القانون واركان النظام ولا يمكن لحادثة واحدة ان تلغي تاريخهم الملتزم.
يبقى ان نقول كما قلنا في التجمع الذي كان سيعقد في ساحة الارادة بعد تأبين عماد مغنية، وكما قلنا في التجمعات التي حاصرت مبنى امن الدولة اثر بدء التحقيقات مع المشاركين في التأبين... ان القانون يعالج بالقانون والحجة تعالج بالحجة والمنطق يعالج بالمنطق. فالقضاء في الكويت ولله الحمد علامة ناصعة البياض في ثوب الدولة والمؤسسات وهو الحصن والملاذ، والمجتمع المدني هو المجتمع الذي يمارس اساليب التعبير السلمي تحت سقف القانون، ولا ضرورة على الاطلاق لنقل اي قضية من اطارها السياسي او القضائي الى الشارع حيث الاختراقات ممكنة والطوابير الخامسة متحفزة.
مرة اخرى، المخالف هو مواطن مخالف، وليس سنيا مخالفا او شيعيا مخالفا او قبليا مخالفا او حضريا مخالفا. والمحتج هو مواطن محتج وليس ابن هذه الطائفة او القبيلة. والمنوط به تطبيق القانون هو مواطن وليس ابن هذه الطائفة او القبيلة او المنطقة... بهذا المعنى يتساوى المعترض وغير المعترض في الانتماء ويختلفان في مقاربة القضايا، والقانون رسم حدودا لحل هذه الاختلافات وفض الاشكالات من خلال القضاء لا من خلال التحريض ونشر ثقافة التفرقة والتمييز.
نقول لمن يعرفون انفسهم، وتحديدا بعض أبناء الأسرة: اتقوا الله في الكويت، اتقوا الله في الكويت، اتقوا الله في الكويت.
جاسم بودي