طبقة سياسية يجب أن تستريح

تصغير
تكبير

كان لا بد مما ليس منه بد
كان آخر الدواء، ومع ذلك فآخر الدواء ليس الكي بما أن الحل اجراء دستوري ومن صلاحيات صاحب السمو الامير.
كانت التجربة انتقالية... هكذا فرضتها الظروف ولم يستطع الجميع، حكومة ومجلسا، تخطي الانتقال الى مسار ثابت. ربما لان التجربة كانت بحاجة الى مسؤولين مسؤولين لا الى شخصيات برتب عامة وتطلعات خاصة.
ليست المرحلة مرحلة عتاب وتقاذف كرة المسؤولية بين المجلس والحكومة فهذه مهمة الذين لا يسمعون من التصادم سوى الدوي.
وليست المرحلة مناسبة للاشادة او التحسر او التمني او اجتراح المواعظ.
إنها محطة أساسية للخروج من المرحلة الانتقالية الى أخرى ثابتة مستقرة متطورة. فالكويت ومنذ نحو عشرين عاما تحدد سياساتها الداخلية طبقا لمسارات الريح الاقليمية. نؤجل الامور المحلية كي تتضح التطورات الخارجية. تتوقف عجلة المشاريع على ساعة التحديات والتهديدات. يتجمد الاصلاح السياسي في ثلاجة اعاصير الشمال والشرق. يتقدم الهاجس الامني على ما عداه. تتكدس ظواهر سياسية واجتماعية واقتصادية خطيرة تتغير فيها عوامل الولاء والانتماء والمرجعيات فتتأخر الدولة لمصلحة القبيلة او المذهب او الطائفة او المنطقة. ثم فجأة تجد الكويت نفسها على موعد مع التجديد، داخليا وخارجيا، وعلى مختلف الصعد من القيادة وحتى القواعد، لكن رواد هذا الموعد حافظوا على تقليد العقدين الماضيين... وبقي التجديد ينتظر التجديديين.
وهنا تحديدا تكمن المشكلة.
على المسؤول السياسي من القمة الى القاعدة، وعلى النخب الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والفكرية، وعلى جميع المتعاطين في الشأن العام بمختلف اوجهه، وعلى المواطن العادي والطالب والموظف والشاب والشابة، ان يدركوا ان المرحلة الانتقالية انتهت، وان الكويت تحتاج الى تفعيل النظام السياسي وتثبيته على اسس صحيحة سليمة متطورة واطلاق مفاهيم جديدة لدورة العمل والانتاج والتنمية والمشاريع.
عجز كثيرون في المرحلة الانتقالية وما تلاها عن ايصال دعوتهم الى الحكومة والمجلس معا بأن الدولة تحتاج الى ممارسة ارقى من التعاون والانتاج. يا جماعة للمرة المليون نقولها: الحكومة ليست حزبا والمجلس كذلك. العصبية الوحيدة من الوزير والنائب مطلوبة فقط للمواطن وتطوره وللتنمية وآلياتها. القضية ليست قضية مناكفات شخصية ونكايات وتسجيل مواقف وحرق اوراق... المؤسسات تحترق ببطء والهياكل تتآكل ببطء والمسؤول من هنا وهناك يحصي ليلا عدد الاهداف التي سجلت في مرمى غيره او تلك التي دخلت مرماه.
منذ عقدين والازمات هي القاعدة فيما الهدوء والتعاون والانتاج استثناء... والسبب هو هو. عقلية عاجزة عن رؤية طريق التجديد وفائدة التجديد وطبيعة التجديد، وقامات قاصرة عن الارتقاء الى المسؤولية الحقيقية القائمة اساسا على ضرورة تغيير النهج من اجل دولة ارقى ومستقبل افضل.
لن ندخل في تفاصيل الازمة الاخيرة التي كانت السبب المباشر في حل مجلس الامة، لانها جزء من حزمة كبيرة تراكمت اعوادها على مدى عقود. نريد فقط ان ننطلق من التشخيص الى بدايات الحل.
اذا كانت المشكلة ان المرحلة الانتقالية انتهت بوجوه غير تجديدية، وان التغيير والتطوير والاصلاح عوامل بقيت اسيرة نهج معين، فهناك طبقة سياسية في مختلف مواقع السلطتين ومؤسساتهما يجب ان تستريح فاسحة في المجال لطبقة اخرى تجمع بين ديناميكية الشباب والرؤية الحكيمة والتجربة الناجحة للوصول الى مواقع القرار والمسؤولية من اجل قيادة الاصلاح السياسي والاقتصادي في ظل التوجيهات السامية لصاحب السمو الامير... طبقة جديدة شابة تميز بين الاندفاع الايجابي من اجل المصلحة العامة وعبر سلوكيات حضارية وبين الاندفاع المتهور من اجل مصلحة خاصة وعبر سلوكيات سفيهة.
قد يقول قائل ان المعادلة قد تستقيم بغياب رموز التأزيم لكنها لن تستقيم في غياب رموز معروفة بالحكمة والروية والبصيرة. هذا صحيح لكن التأزيم كما قلنا كان القاعدة والهدوء كان الاستثناء حتى بوجود هذه الرموز، ومن يتمتع بالصفات الجيدة ليس بالضرورة ان يكون صاحب قرار وقادراً على اتخاذه في الوقت المناسب والمكان المناسب، بل يمكنه اكثر ان يكون العامل المساعد الاساسي لجيل جديد من سياسيين يستفيدون من خبرته ويضيفونها الى تجربتهم... فالابتعاد عن المنصب ليس ابتعادا عن الوطن، والاستقالة من الوزارة او النيابة مهما علا المنصب ليست استقالة من الشأن العام.
كان لا بد مما ليس منه بد، وآخر الدواء ليس الكي، فبطن الكويت غني بالدماء الجديدة والكفاءات، ولا شك في ان الانتخابات المقبلة ستكون فرصة مهمة لنختار جميعا طريق التغيير.
المرحلة الجديدة هي مرحلة الناخب بامتياز، فصوته سلاحه ولن يبخل به دفاعا عن حاضره ومستقبله.  



جاسم بودي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي